عادي

«أمالي ابن الشجري».. أصول النحو في القلب

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يظهر «أمالي ابن الشجري» لمؤلفه هبة الله بن علي في مكتبتنا، بوصفه واحداً من أهم الكتب التي يصنفها الباحثون والأدباء أصولاً لعلوم اللغة العربية وآدابها، وهو – كما يبدو من عنوانه – يدخل في إطار كتب الأمالي التي كان المؤلفون يصنّفونها إملاءً على طلبتهم، أو من يقومون مقامهم في كتابتها.
اشتمل الكتاب على أربعة وثمانين مجلساً، عكف فيها ابن الشجري على تدوين مادة ضخمة، تولّدت لديه قابلية تصنيفها نتيجة معرفته بكل ما أمكن في مجال محتواه، ليقدّمه فيه شارحاً إيّاه ومفسراً، وناقداً لما يستوجب النقد منه، ومستدركاً حيث يرى ضرورة لذلك، ومضيفاً بآرائه ما لم تسبقه إليه الأوائل، مُتكِّئاً في كل ذلك على ما عُرف به من دقة علمية، وقدرة على التحليل والاستنباط، ما جعل الكتاب واحداً من الكتب النادرة التي تجمع بين العديد من علوم اللغة العربية وما يتصل بها.
يشتمل كتاب «أمالي ابن الشجري» على العديد من أصول النحو، حتى أن بعض المسائل التي عرض لها لا تكاد توجد في كتب النحو الأخرى المعروفة بتخصّصها، كما تناول فيه المؤلف الكثير من مسائل علوم العربية الأخرى، وما يتصل بها، وعلى رأسها اللغة التي عُني بها دلالة، واشتقاقاً، مع إيراد العديد من قضاياها، ليأتي بعد ذلك اهتمامه بالعلوم الأخرى.
كما تميز هذا الكتاب بالعناية الكبيرة بالشواهد، سواء من القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو ما أُثر عن بلغاء العرب ولغوييهم، أو الشعر، حيث يلاحظ القارئ أنه لم يعرض لأصل من الأصول، أو قاعدة من القواعد إلا واستشهد لها بآية قرآنية أو أكثر، مساوياً في ذلك بين القراءات السبع جميعها، أما شواهد الشعر فقد ضم منها الكتاب قدراً كبيراً، حيث اعتمد فيها أساساً على شعر الجاهليّين والمخضرمين والإسلاميين، مع شعر بعض المحدثين من العصور القريبة من عصره، وإن كان شعر هؤلاء قد ظلّ محلّ خلاف، إلا أنه استكثر منه، ربما لقناعته بأنهم لم يخرجوا عن صحيح اللغة، خاصة في ما لم يجد له شواهد من غيره، ومن بين هؤلاء المحدَثين دعبل الخزاعي، ومروان بن أبي حفصة، وابن المعتز، وأبو تمّام، والبحتري، وأبو الطيب المتنبي الذي منحه من الأهمية اللغوية أكثر مما منح غيره، ما جعله من أهم شُرّاح شعره.
تأريخ
أبان ابن الشجري في مادة الكتاب عن اعتماده على العديد من أعلام اللغة والنحو القدماء، ابتداء من سيبويه وحتى الخطيب التبريزي، ومن أبرز ما يثير الاهتمام فيها اعتماده على بعض الكتب المفقودة، مثل كتاب «الأوسط» للأخفش سعيد بن مسعد، وكتاب «الواسط» لأبي بكر بن الأنباري، وبعض كتب أبي علي الفارسي، وبعض ما حكاه عن سيبويه والمبرّد، مما لم يوجد في كتبهما المعروفة.
كما انفرد الكتاب عن سواه من كتب الأمالي بخاصية التأريخ للمجالس الواردة فيه، وهو مما يسهّل على الباحثين والقراء التأكد من زمن ذكر معلوماته، وتسلسل ورودها في الكتاب، حتى وإن وجدت نسخ غير مرتبة منه، رغم أنه يعود أحياناً لبعض الموضوعات التي سبق وأن تحدث عنها، ولكن ليس بالأسلوب الذي يتناولها به في مواضعها الأصلية.
وكان لهذا الكتاب أثر واضح في العديد من الذين جاؤوا بعده من المصنّفين في الأدب واللغة والنحو، حتى إن الكثير من حجج البصريّين في المسائل الخلافية التي أوردها الأنباري في كتابه «الإنصاف»، كان مصدرها هذا الكتاب.
عثر على العديد من نسخه في بلدان مختلفة، وطبع أول مرة بدائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد سنة 1349ه، ثم طبع بعد ذلك بمطبعة الأمانة بالقاهرة سنة 1930م، وطبع حديثاً بمكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 1992، بتحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي.
إضاءة
هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي المعروف ب«ابن الشجري»، أديب ونحوي بغدادي، من أشهر نحاة القرنين الخامس والسادس الهجريين، عاش ما بين 450ه/ 1058م و542ه/ 1147م، ولد في بغداد وتوفي فيها، وكان معاصراً للعديد من الخلفاء العباسيين، والسلاجقة، وتتلمذ على العديد من العلماء واللغويين، كما تتلمذ عليه كثيرون، من بينهم أبو البركات الأنباري الذي يقول عنه إنه «كان فريد عصره، ووحيد دهره في علم النحو، وكان تامّ المعرفة باللغة، وكان فصيحاً حلو الكلام، حسن البيان والإفهام»، وله العديد من المؤلفات الأخرى، منها: «الحماسة» وهي مجموعة شعرية انتقاها لشعراء عرب، ووضعها على نفس أسلوب حماسة أبي تمام، ومثيلاتها التي جاءت بعدها، و«مختارات ابن الشجري»، وهي مجموعة شعرية أخرى لشعراء أغلبهم جاهليّون، ومخضرمون، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المؤلفات التي لم يعثر إلا على عناوينها.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"