آمنة محمد الحنطوبي*
تعد الكوارث الطبيعية من أكبر المخاطر التي تهدد المجتمعات البشرية، إذ تؤثر تأثيراً مباشراً في استقرار الأسر وأمن المجتمعات، بتعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر.
ويعد الدور الذي تقوم به الحكومة مهماً وحاسماً في مواجهة هذه الكوارث والتقليل من آثارها، باعتبارها الجهة المسؤولة عن وضع سياسات شاملة تضمن الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات والطوارئ. حيث تركز الدولة بشكل خاص على قدرتها على التعامل مع الأزمات والطوارئ كجزء أساسي من رؤيتها الرامية إلى تحسين جودة حياة شعبها ومجتمعها، ويتضح ذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031، التي تمثل محركاً رئيسياً لسياسات الحكومة وعنصراً مهماً للتمكين في سبيل تحقيق أهداف مئويتها 2071.
ومع تزايد تأثيرات التغير المناخي وتكرار حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية على مستوى العالم، تعرضت دولة الإمارات لبعض هذه المخاطر وتأثرت بها، مثل أمطار منخفض الهدير عام 2024، وهو حدث استثنائي في تاريخ الدولة، ولا شك أن هذه المخاطر كان لها الأثر الكبير في جودة حياة المجتمع، وذلك لتسببها في صدمات نفسية وجسدية، وترك الأفراد لمنازلهم، وفقدان الاستقرار والسكن الملائم. إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الكبيرة للممتلكات، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية للدولة، وتعطيل حركة النقل والاتصالات والخدمات الأساسية الأخرى مثل الكهرباء والمياه.
وفي إطار التزام الحكومة بتحقيق الرؤية الاستراتيجية للدولة، قامت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، التي تعمل تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن الوطني، بإطلاق مشروع النظام الوطني للإنذار المبكر في عام 2017، الذي يهدف إلى ضمان سلامة وحماية كافة الأفراد من المواطنين والزوار والمقيمين على أرض الوطن، من خلال تنفيذ عمليات وإجراءات وسياسات وتقنيات متطورة توفر إنذاراً مبكراً للجمهور المستهدف والمعرض للخطر في منطقة جغرافية معينة.
كما حققت الهيئة هدف نشر ثقافة الطوارئ والأزمات والكوارث في جميع المؤسسات التعليمية والمجتمعية، من خلال مؤشر مدى وعي المجتمع والأفراد بثقافة الطوارئ والأزمات والكوارث، عبر بث الرسائل الإعلامية والتحذيرية والمعلوماتية، إضافة إلى المطبوعات والمنشورات والمواد المرئية. وشملت حملات التوعية جميع الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات المجتمعية والتعليمية.
وقد كان للمجلس الوطني الاتحادي دور مهم في مناقشة ومتابعة القضايا المتعلقة بالكوارث الطبيعية وتأثيراتها، من خلال مناقشته لموضوع «سياسة الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث»، حيث تضمنت المناقشات محاور مختلفة، منها التنسيق مع الجهات الاتحادية والمحلية أثناء الأزمات والتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية، وقياس قدرات تلك الجهات في التعامل مع الطوارئ.
وبعد دراسة مستفيضة أصدر المجلس الوطني الاتحادي عدة توصيات في هذا الشأن، وكان أبرزها زيادة عدد التدريبات التي تقوم بها الهيئة، وكذلك زيادة المشاركة في الفعاليات الدولية ذات الصلة.
وأوصى المجلس أيضاً بإبرام اتفاقيات تعاون وخطط عمل مشتركة بين الهيئة والجهات الحكومية الاتحادية والمحلية لتطوير خطط الطوارئ والاستراتيجيات اللازمة، وتعزيز القدرة الوطنية على الاستجابة لحالات الطوارئ والأزمات.
وأخيراً، أوصى المجلس بتوفير الدعم المالي والبشري اللازمين للقيام بالأبحاث والدراسات العلمية المتخصصة في مجال إدارة الطوارئ والأزمات.
يتضح من التوصيات التي قدمها المجلس الأهمية الكبيرة للتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية وتطوير خطط الطوارئ في تحقيق جودة حياة المجتمع. فالتأهيل والتدريب يعززان وعي ومعرفة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات المحلية بمخاطر الكوارث الطبيعية وسبل مواجهتها بفاعلية، ويعملان على تطوير مهارات وقدرات الكوادر الوطنية للتعامل بكفاءة مع الكوارث الطبيعية، فضلاً عن تحسين خدمات الاستجابة للطوارئ المقدمة للمجتمع.
علاوة على ذلك، فإن إبرام اتفاقيات تعاون وخطط عمل مشتركة بين مختلف الجهات ذات الصلة يلعب دوراً حيوياً في تحقيق جودة حياة المجتمع، إذ تجمع هذه الاتفاقات جهود وموارد وخبرات الجهات المختلفة لإعداد خطط طوارئ شاملة، وتقديم خدمات عالية الجودة للمجتمع.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد رسخت مكانتها كنموذج عالمي في إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية، فقد أثبتت الدولة التزامها الواضح ببناء بنية تحتية مرنة، والاستفادة من التقنيات الحديثة، ووضع الاستراتيجيات الوطنية الفعالة لمواجهة الكوارث الطبيعية. ويعد تعزيز الجاهزية والاستعداد العام للدولة، سواء على المستوى الحكومي أو الفردي، أمراً حاسماً في التخفيف من الآثار السلبية للكوارث الطبيعية، وتعزيز القدرة على التعافي السريع. ما يرسخ مكانتها كواحدة من أكثر دول العالم أماناً واستدامة، ويعكس التزامها المستمر بالريادة والتميز في هذا المجال الحيوي.
* باحث رئيسي اجتماعي بالمجلس الوطني الاتحادي