د.أيمن سمير
ينتظر الجميع في المنطقة العربية والخليج العربي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، وهي الجولة التي تبدأ من 13 إلى 16 مايو الجاري، وسوف تكون أول جولة خارجية للرئيس ترامب، لو استبعدنا زيارته الطارئة لروما هذا الأسبوع للمشاركة في جنازة البابا فرانسيس، ووفق ما صدر من مواقف وقرارات وتحركات لإدارة الرئيس ترامب، فإن هذه الجولة في دول الخليج العربي هي تأكيد جديد على ما تحظى به المنطقة العربية من مكانة رفيعة في رؤية واشنطن لحلفائها وأصدقائها في العالم، خصوصاً أن الرئيس ترامب سبق له أن اختار منطقة الخليج كأول منطقة يزورها خلال ولايته الأولى عندما زار المملكة العربية السعودية في 15 مايو 2017 للقاء زعماء العالمين العربي والإسلامي..
فما هي الملفات والقضايا التي ستكون على طاولة النقاش والحوار خلال جولة الرئيس ترامب في الدول العربية الثلاث؟ وهل للشرق الأوسط -الذي عاني كثيراً طوال العقود الماضية - أن يأمل في حالة جديدة من السلام والاستقرار وتهدئة التوترات وإغلاق أبواب الصراعات والخلافات التي كانت العنوان الرئيسي لحقب طويلة من تاريخ المنطقة؟

لم يأت اختيار الرئيس ترامب لزيارة المنطقة العربية والشرق الأوسط كأول جولة خارجية له من فراغ، فرغم العلاقات الخاصة التي تجمع واشنطن مع دول وتكتلات سياسية وعسكرية واقتصادية عملاقة في العالم مثل الاتحاد الأوربي أو دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إلا أنه اختار الإمارات والسعودية وقطر لتكون المحطات الرئيسية في هذه الجولة التي تكشف عن «القيمة النسبية الكبيرة» التي يمثلها العالم العربي في مستقبل «المعادلات الأمريكية»، وكيف تحول «الإقليم العربي» إلى «رقم صعب» في حسابات القوى العظمى عندما يتعلق الأمر ليس فقط بالسلام والاستقرار في العالم، بل بمصالح حيوية واقتصادية يأتي في مقدمتها استقرار تدفق النفط والغاز، وسهولة ويسر سلاسل الإمداد التي تربط الشرق بالغرب من خلال المنطقة، فلا يخفى على أحد أن أول دولة في العالم اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية كانت دولة عربية هي المملكة المغربية في ديسمبر 1777، ويزيد من قيمة وأهمية الخليج أن للرئيس ترامب رؤية حول الطاقة تختلف جذرياً عن رؤية الديمقراطيين، فما زال الرئيس ترامب يعتقد أن الاعتماد على النفط والغاز كمصدرين رئيسيين للطاقة سوف يستمر حتى عام 2040 أو 2050، وهو بذلك يرى أهمية استثنائية لدول الخليج العربي التي تشكل الرقم الأهم في إنتاج وتصدير النفط والغاز، وهذا يخالف تماماً موقف الإدارتين الديمقراطيتين في عهد باراك أوباما وجو بايدن اللذين كانت لهما حسابات تقوم على تقليل الاستثمار في استكشافات النفط والغاز، والاهتمام فقط بالمصادر الجديدة والمتجددة من الطاقة، ناهيك عن تبوؤ الدول الثلاث التي سوف يزورها الرئيس ترامب مكانة مرموقة في مجالات طاقة المستقبل مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

لكل هذا تحظى المنطقة العربية، والخليجية بوضعية خاصة لدى الجمهوريين الذين يعتقدون أن استقرار أوروبا، وجنوب غرب أسيا، والممرات الملاحية مثل مضيق هرمز وبحر العرب وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، يرتبط مباشرة بتأمين وسهولة حركة البضائع من الشرق للغرب عبر المنطقة العربية، فالمعروف أن نحو 20 مليون طن من النفط التي تمر سنوياً في مضيق هرمز تشكل نحو 11.1% من حجم التجارة البحرية الدولية.
لكن أكثر من يلفت النظر في اهتمام الرئيس دونالد ترامب بالشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي ما يمكن وصفه «بالاستدارة الشرق أوسطية»، حيث تسابق الزعماء الديمقراطيون أمثال أوباما وبايدن وهيلاري كلينتون وكامالا هاريس في التقليل من أهمية الشرق الأوسط عبر التسويق لعملية «الاستدارة شرقاً» ناحية جنوب، وجنوب شرق آسيا، وبعيداً عن الشرق الأوسط، بدعوى أن «الأهمية النسبية» للمنطقة العربية والشرق الأوسط تراجعت، لكن ترامب والجمهوريين يثبتون خطأ هذه السياسة، وسوف تساهم زيارة ترامب في تأكيد «إعادة التموضع الجيوسياسي» الأمريكي من جديد في قلب الشرق الأوسط بعد أن تراجعت قيمة المبادلات الاقتصادية الأمريكية مع دول المنطقة، وباتت الصين هي الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي وغالبية الدول العربية والشرق أوسطية الأخرى.
ليس هذا فقط ما جذب ترامب ودفعه لزيارة منطقة الخليج، فدول الخليج باتت تلعب دوراً دبلوماسياً ناجحاً يشهد له القاصي والداني، فعلى سبيل المثال نجحت الدبلوماسية الإماراتية في 13 وساطة بين أوكرانيا وروسيا ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تم تبادلهم بين موسكو وكييف في هذه الوساطات إلى نحو 3.233 أسيراً، كما أن المملكة العربية السعودية هي التي استضافت المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، وبين أوكرانيا والولايات المتحدة أيضاً.

5 ملفات على الطاولة
عندما تقلع الطائرة الرئاسية «إير فورس فون» التي تحمل الرئيس ترامب من واشنطن إلى منطقة الخليج يوم 13 مايو الجاري، سوف تكون في انتظاره على طاولة المباحثات في أبوظبي والرياض والدوحة 5 ملفات رئيسية وهي:
أولاً: الإرهاب والميليشيات
يشهد الجميع للرئيس ترامب بأنه كان صارماً في مواجهة ومكافحة المجموعات والميليشيات الإرهابية في المنطقة، وهو ما ساهم في القضاء على سيطرة داعش المكانية في سوريا والعراق بعد أن قال سلفه باراك أوباما عام 2016 إن القضاء على داعش في سوريا والعراق سوف يستغرق عشرات السنوات، وبفضل جهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في عهد الرئيس ترامب تم القضاء على أخر جيب لتنظيم داعش بقرية الباغوز عام 2019، كما أن ترامب كان وراء التخلص من زعماء الإرهابيين، ففي 27 أكتوبر 2019 أعلن ترامب التخلص من زعيم داعش أبو بكر البغدادي، وقبل أن يغادر البيت الأبيض في يناير 2020 قام بتصنيف الحوثيين ك«جماعة إرهابية»، ولهذا تتوقع الشعوب العربية أن يعلن خلال جولته في الخليج العربي تجديد موقفه القوي بالوقوف في وجه الميليشيات والجماعات الإرهابية، خصوصاً أن للرئيس ترامب موقفاً حازماً ضد الجماعات الظلامية والتكفيرية التي حاولت سلب الهويات الوطنية العربية خلال ما كان يعرف ب«الربيع العربي» الذي بدأ في عام 2011، وتسبب في تدمير عدد من الدول العربية.
ثانياًَ: مقاربة جديدة
المعروف عن الرئيس ترامب أنه يعشق عقد الصفقات التي لها «طابع تاريخي واستراتيجي»، وسبق لترامب أن قال خلال الحملة الانتخابية الأخيرة إنه لا يتفق مع «المقاربة الأمنية الإسرائيلية» التي تعتمد عليها تل أبيب، وبعد أكثر من عام ونصف العام على الحرب أدت مقاربة تل أبيب إلى تشويه صورة إسرائيل، وفق منظور الرئيس الأمريكي، الذي يرى أن هذه المقاربة الإسرائيلية لم تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولهذا يتبني ترامب «مقاربة مغايرة» تقوم على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة من العرب والمسلمين، وهو ما يمكن أن يغير وجه المنطقة نحو الازدهار، وتحقيق ما يسمى «السلام الاقتصادي».
لكن في ذات الوقت هناك اتفاق بين دول المنطقة بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام واستقرار دائم في المنطقة العربية والشرق الأوسط بدون «حل عادل وشامل» للقضية الفلسطينية يقوم على مبادئ منها حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقبل كل ذلك التوصل لهدنة طويلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تنهي هذه الحرب المستمرة من 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، والتي تهدد بتوسع دائرة هذه الحرب إلى أبعد من فلسطين، وسوف يكون نجاح رؤية الرئيس ترامب حيال الشرق الأوسط مرهوناً بمدى نجاحه في مساعدة الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة بعد أن وجد مقترح قيام الدولة الفلسطينية قبولاً وزخماً كبيرين في الأمم المتحدة عندما وافقت 143 دولة في 10 مايو 2024 على قيام الدولة الفلسطينية بحدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ثالثاً: إطفاء الحرائق
منذ عودته للبيت الأبيض قدم الرئيس ترامب نفسه باعتباره «زعيم وقائد السلام» في العالم، ويطمح أن يحصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام، وبالفعل بذل جهوداً مقدرة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية من خلال الاجتماعات المكوكية التي يقوم بها فريقه مع كل من الرئيسين بوتين وزيلينسكي، وقبل أن يدخل البيت الأبيض بيوم واحد نجح ترامب في وقف الحرب في قطاع غزة لمدة شهرين قبل أن تعود من جديد في 18 مارس الماضي، ويستطيع الرئيس ترامب أن يترك إرثاً تاريخياً في المنطقة العربية والشرق الأوسط لو استطاع نزع فتيل الحروب والصراعات، حيث تعاني السودان حرباً تجاوزت العامين، وكانت السبب في نزوح وتشرد الملايين، ومقتل وإصابة الآلاف، كما أن «ألسنة اللهب» لا تزال تشتعل في ليبيا وسوريا وجنوب لبنان، ولدى الرئيس ترامب فرصة تاريخية لإطفاء النيران المشتعلة في كل هذه الدول، خصوصاً أن المطلوب في لبنان هو تنفيذ القرار الأممي 1701 الذي تشترك الولايات المتحدة مع فرنسا وإسرائيل ولبنان وقوات اليونيفيل في تنفيذه، كما أن طرفي الخلافات في ليبيا يمكن أن يعملا سوياً من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، والتي تنهي حالة «المراحل الانتقالية» التي تعيشها ليبيا منذ انتخابات عام 2014.
رابعاً: الوحدة السورية
سوف تكون سوريا حاضرة بقوة خلال مباحثات الرئيس ترامب في الشرق الأوسط، لأن أكبر خطر يهدد سوريا هو محاولات تقسيمها على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية، ورغم أن الولايات ليست لها «استراتيجية واضحة» في سوريا حتى الآن، إلا أن هناك حديثاً عن سحب نحو 1000 جندي أمريكي من سوريا كمقدمة للانسحاب الكامل لنحو 2000 جندي أمريكي يتمركز غالبيتهم شرق نهر الفرات، وتستطيع الولايات المتحدة أن تعمل مع الدول العربية للحفاظ على وحدة وسلامة سوريا دون الانزلاق لمشروعات التقسيم والتفتيت والتشظي، لأن سوريا تظل جزءاً رئيسياً من الأمن القومي العربي، والحفاظ عليها، وعدم تحولها لبيئة حاضنة للمجاميع الإرهابية مهمة كبيرة يمكن للولايات المتحدة والرئيس ترامب أن يلعبا دوراً كبيراً في تحقيق ذلك، خصوصاً في ظل المخاوف التي تتحدث عنها الأمم المتحدة من وجود آلاف الإرهابيين في مخيمات مثل «مخيم الهول» الذي يمكن أن يشكل خطراً كبيراً على أمن سوريا والدول المجاورة
خامساً: حرية الملاحة
أخذت الولايات المتحدة منذ عقود عهداً على نفسها بالعمل على حرية الملاحة في جميع المضايق والممرات الملاحية البحرية، ونظراً لأن حرية الملاحة تعرضت لمضايقات وخسائر كثيرة في خليج عدن ومضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر، فإن الولايات المتحدة - التي أسست قوة «حارس الازدهار» في 18 ديسمبر 2023 بغرض حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر، قادرة على فرض حماية الملاحة في البحر الأحمر وغيره من الممرات الملاحية المهمة للتجارة الدولية.
يراهن الجميع في المنطقة والعالم على أن جولة الرئيس ترامب للإمارات والسعودية وقطر هذا الشهر سوف تكون زيارة فارقة من أجل استعادة السلام والاستقرار للمنطقة العربية وكل الشرق الأوسط، وتساهم في وقف نهائي للحرب الإسرائيلية الفلسطينية في قطاع غزة بما يفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، ويعزز من قوى النمو والازدهار، ويعزل جماعات وميليشيات الإرهاب والتطرف.