مريم الزعابي *
في عصر تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة علمية محصورة في المختبرات أو برامج متخصصة، بل أصبح شريكاً محورياً في مختلف مناحي الحياة وعلى رأسها قطاع الصحة واليوم نشهد تحولاً نوعياً في كيفية رعاية الأفراد لصحتهم الجسدية والنفسية، خاصة في ما يتعلق بممارسة الأنشطة البدنية والرياضة، من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في التقييم والتوجيه والتحفيز..
الذكاء الاصطناعي يتغذى على البيانات وفي مجال الرياضة والنشاط البدني، توفر الأجهزة القابلة للارتداء كالساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة وتسجيل بيانات دقيقة عن نبض القلب ومعدل الخطوات والسعرات الحرارية المحروقة وجودة النوم، هذه البيانات حين تُحلل باستخدام خوارزميات متقدمة، تتيح للأطباء والمدربين والمستخدمين أنفسهم تصوراً شاملاً للحالة الصحية وتساعد في تصميم برامج رياضية فردية مخصصة، تتناسب مع قدرات كل شخص واحتياجاته الصحية.
لم تعد النصائح الرياضية عامة كما في السابق الذكاء الاصطناعي يستطيع بناء خطط تدريبية وصحية دقيقة بناءً على العمر، الوزن، التاريخ الطبي وحتى الحالة النفسية، هذا التخصيص يعزز من فاعلية الممارسة الرياضية ويقلل من الإصابات الناتجة عن الإجهاد أو التمارين غير المناسبة.
من أبرز مكاسب الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة الرياضية هو الوقاية، فبفضل تحليلات البيانات، يمكن التنبؤ بظهور بعض الأمراض المزمنة المرتبطة بقلة النشاط البدني مثل السكري من النوع الثاني وأمراض القلب، وتنبيه الشخص لتعديل سلوكياته قبل أن تتفاقم حالته وهنا تكمن القيمة الكبرى: تقليل الضغط على منظومات الرعاية الصحية وتحسين جودة الحياة.
لم يعد التغيير السلوكي مهمة صعبة كما كان في الماضي. تطبيقات الهاتف المحمول المدعومة بالذكاء الاصطناعي تلعب اليوم دور المدرب الشخصي والمحفز النفسي فهي تُذكر، تُشجع، وتقدم مكافآت افتراضية وحتى تحليلاً لتقدم المستخدم، مما يسهم في رفع الالتزام والاستمرارية في ممارسة الرياضة.
دولة الإمارات تمثل نموذجاً متقدماً في تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الصحة، حيث أطلقت العديد من المبادرات الوطنية لتعزيز اللياقة البدنية ودعمت البنية التحتية الرقمية لتتبع الصحة العامة وأدخلت الذكاء الاصطناعي في عيادات الطب الرياضي والمستشفيات والمراكز التدريبية.
وما يعزز هذا التوجه أن وزارة التربية والتعليم أعلنت استحداث مادة تعليمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي لتُدرّس في المدارس، تأكيداً على أهمية تنمية وعي الأجيال الصاعدة بهذه التقنيات.
إن الشراكة بين الذكاء الاصطناعي والصحة، خصوصاً في مجال النشاط البدني والرياضة، لم تعد ترفاً أو خياراً، بل ضرورة استراتيجية.
نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف مفهوم «الصحة» وتحقيق نقلة نوعية نحو مستقبل يكون فيه كل فرد قادراً على إدارة صحته بذكاء.
* مرشد أكاديمي مهني في وزراة التربية والتعليم