عادي

وقائع التستر على بايدن.. «الخطيئة الأصلية» تزلزل الحزب الديمقراطي

12:01 مساء
قراءة 5 دقائق
بايدن
بايدن

إعداد: محمد كمال

أثار كتاب «الخطيئة الأصلية» بعد أيام من صدوره جدلاً كبيراً داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، لما تضمنه من معلومات غير مسبوقة عن تستر مساعدي جو بايدن على حالته الصحية والإدراكية، وترشحه الكارثي للانتخابات الرئاسية قبل انسحابه لصالح نائبته كاملا هاريس، وهو ما ينعكس على استعداد الديمقراطيين لاختيار مرشحهم للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويتضمن كتاب «الخطيئة الأصلية» العديد من الحكايات المثيرة، حيث يؤكد أنه في اجتماع في يونيو/حزيران 2024، لم يتعرف بايدن على الممثل جورج كلوني، الذي كان يعرفه منذ سنوات، وأنه في مرحلة ما ناقش المساعدون ما إذا كان ينبغي لبايدن استخدام كرسي متحرك في ولايته الثانية.

الكتاب الذي شارك فيه جيك تابر من شبكة سي إن إن وأليكس تومسون من وكالة أكسيوس، يكشف كيف ضيّق مستشارو بايدن الخناق على أي نقاش حول محدودية قدرات الرئيس البالغ 82 عاماً، خصوصاً بعد تكرار زلاته ونسيانه الأسماء والوجوه المألوفة وظهور ضعفه الجسدي، بل كما كتب المؤلفان، طوّقه مساعدوه في «شرنقة سياسية واقية».

ـ أغرب زلات بايدن الإدراكية:

ويورد الكتاب أنه خلال حملته الانتخابية لعام 2020 وطوال فترة رئاسته، نسي بايدن أسماء مساعديه وحلفائه القدامى، ومن بين هؤلاء اسم مايك دونيلون، مساعده المخلص الذي عمل معه منذ أوائل الثمانينات، وعدم تعرفه على الممثل جورج كلوني. كما نسي أسماء جيك سوليفان، مستشاره للأمن القومي، وكيت بيدينغفيلد، مديرة الاتصالات في البيت الأبيض، إلى جانب جيمي هاريسون، الذي اختاره بايدن رئيساً للجنة الوطنية الديمقراطية.

وفي مواقف أخرى، خلط بايدن بين وزير الصحة، كزافييه بيسيرا، ووزير الأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس، وخلال اجتماع حول حقوق الإجهاض، خلط بايدن بين ألاباما وتكساس.

كما أخبر أشخاص وُصفوا بأنهم مساعدون وحلفاء المؤلفين أن بايدن بدا ضعيفاً في الاجتماعات، وأنهم كانوا قلقين من احتمال حاجته إلى كرسي متحرك في ولايته الثانية.

وفي رواية نادرة مسجلة، وصف النائب مايك كويجلي، وهو ديمقراطي من إلينوي، القدرات البدنية لبايدن خلال رحلة إلى إيرلندا بأنها تُشبه ما رآه عندما كان والده يحتضر بسبب مرض باركنسون.

ـ سؤال بلينكن

يذكر المؤلفان أن وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن سأل بايدن بلطف إن كان مستعداً للترشح لولاية ثانية، لكن الرئيس طمأنه بأنه سيكون على ما يرام. كما تطرق رون كلاين، أول رئيس لهيئة موظفي بايدن، إلى موضوع ترشح الرئيس مجدداً في محادثات مع أعضاء آخرين في هيئة الموظفين، لكن النقاش لم يُفضِ إلى أي نتيجة.

ومن التقاليد العريقة أن يستخدم كبار الشخصيات في واشنطن الكتب لإلقاء اللوم على الآخرين. والملاحظ أن جميع الشخصيات التي وافقت على إجراء المقابلات، وعددها تقريباً 200 شخصية، وجهت أصابع الاتهام إلى بايدن ودائرته الضيقة من كبار مساعديه.

ـ الدائرة الضيقة:

ويصف الكتاب الدائرة الداخلية لمساعدي بايدن الذين اتخذوا القرارات نيابة عنه وتحكموا في تدفق المعلومات إليه بـ «المكتب السياسي»، وهي إشارة إلى طريقة صناعة القرار في الاتحاد السوفييتي خلال فترة الشيوعية.

من بين الأشخاص القلائل الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ديفيد بلوف، المدير السابق لحملة باراك أوباما. ويصفه الكتاب بأنه عاد من التقاعد ليحاول انتخاب نائبة الرئيس كامالا هاريس بعد انسحاب بايدن. وينقل عن بلوف قوله: «لقد تعرضنا لخديعة كبيرة من جانب بايدن».

ـ الصدمة

ويعد الموضوع الرئيسي في الكتاب أن الأشخاص الذين لم يروا بايدن شخصياً لفترة طويلة صدموا بمظهره عندما التقوه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، ونُقل عن النائب السابق برايان هيغينز، وهو ديمقراطي من نيويورك، قوله إن التدهور المعرفي المحتمل لبايدن «كان واضحاً لمعظم من شاهدوه». وقال ديفيد مورهاوس، وهو مساعد سابق في الحملة الديمقراطية، إن بايدن «لم يكن سوى عظام» بعد رؤيته في فيلادلفيا.

وكان الممثل جورج كلوني، وهو أحد المانحين البارزين للحزب الديمقراطي، منزعجاً للغاية من تفاعله مع بايدن لدرجة أنه كتب مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز يدعوه فيه إلى الانسحاب.

ومن بين أكبر ما ندم عليه الديمقراطيون العام الماضي فشلهم في عقد انتخابات تمهيدية تنافسية، لكن ديمقراطياً واحداً على الأقل عمل خلف الكواليس لتحقيق ذلك، وفي عام 2023، سعى بيل دالي، الذي شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما، إلى إقناع حكام الولايات الديمقراطيين، بما في ذلك جيه بي بريتزكر من إلينوي، وجافين نيوسوم من كاليفورنيا، وآندي بشير من كنتاكي، بتحدي بايدن في السباق التمهيدي الديمقراطي.

ـ «جيل لن يعجبها ذلك»

وبعد بايدن، يُوجّه الكتاب انتقادات قاسية لأقرب مساعدي عائلته. ويُعدّ أنتوني بيرنال، مستشار زوجته جيل بايدن، من أكثر الشخصيات التي تعرّضت لانتقاداتٍ قاسية. ويكتب المؤلفون أن بيرنال تمكن من إغلاق أي محادثة حول عمر الرئيس وقدراته العقلية من خلال إخبار زملائه المساعدين في البيت الأبيض عبارة: «جيل لن يعجبها هذا».

ووُصفت جيل بايدن بأنها مدافعة شرسة عن زوجها ولم تكن تهتم بسماع أي انتقاد لقدراته أو حكمه السياسي، وأصبحت أكثر مشاركة في صنع القرار مع تقدمه في السن. وعندما اقترح أحد المانحين في عام 2022 أن بايدن لا ينبغي أن يسعى لإعادة انتخابه، ظلت صامتة، وهو رد فعل ندمت عليه وتعهدت بعدم تكراره. ونُقل عنها قولها لمساعديها بعد ذلك: «لا أستطيع أن أصدق أنني لم أدافع عن جو».

ـ أسباب الصمت

ومن بين ما يلاحظ في الكتاب، أن إحجام العديد من القادة الديمقراطيين والمطلعين على بواطن الأمور عن التعبير عن انتقاداتهم دون إخفاء هوياتهم، حتى بعد هزيمتهم الساحقة، يوحي بخوف دائم من التعبير عن آرائهم. كما يشير إلى إدراكهم أن القول الآن بأنه ما كان ينبغي لبايدن الترشح في عام ٢٠٢٤ قد يثير تساؤلات حول سبب صمتهم في وقت كان فيه الأمر مهماً.

ويرى مراقبون في نهاية المطاف، أن الأشخاص الأقوى في الحزب إما ارتكبوا خطأً فادحاً في تقدير الوضع أو أدركوا المشكلة ومع ذلك رفضوا الضغط على بايدن أو البيت الأبيض بشأنها. وجاء في الكتاب: «لم يثر أي ديمقراطي في البيت الأبيض أو قادة في الكابيتول أي شكوك، سواء بشكل خاص مع بايدن أو علناً، بشأن ترشحه لولاية ثانية».


ـ التشكيك الديمقراطي

وبدأ عدد متزايد من الديمقراطيين البارزين بالتشكيك علناً في تعامل حزبهم مع الانتخابات الأخيرة، معترفين بأن الانسحاب المتأخر لبايدن كان ضاراً، وفي بعض الحالات اعترفوا بأنهم كانوا سريعين للغاية في رفض الأسئلة حول عمره وحالته الإدراكية.

واعترف النائب الديمقراطي من كاليفورنيا رو خانا، وهو مؤيد صريح لبايدن قبل أن ينهي حملته لإعادة انتخابه الصيف الماضي، في بيان لصحيفة واشنطن بوست الأربعاء بأنه كان مخطئاً في دعم إعادة انتخاب الرئيس السابق.

وقال خانا: «في لقاءاتي القليلة في الفعاليات العامة، وجدته متماسكاً وفخوراً بسجله، لكن بات واضحاً الآن أنه ما كان ينبغي له الترشح.. وكان ينبغي أن تكون الانتخابات التمهيدية مفتوحة. علينا أن نعترف بهذه الحقيقة لاستعادة ثقة الشعب الأمريكي».

كما قال حاكم ولاية كنتاكي، آندي بشير، وهو مرشح ديمقراطي محتمل للرئاسة في عام ٢٠٢٨، في مقابلة أُجريت معه الأربعاء، إن انسحاب بايدن من مساعي إعادة انتخابه قبل يوليو كان سيصب في مصلحة الحزب. وأضاف: «لو انسحب مبكراً كان سيعطي أي مرشح مزيداً من الوقت».

وأشار أيضاً إلى أن الديمقراطيين كانوا ليحظوا بفرصة أفضل لو أن مرشحتهم هاريس، أبدت اختلافاً واضحاً مع بايدن. وقال بشير: «كان الأمر سيتطلب أيضاً حملةً مستعدةً للانفصال عن الرئيس في بعض القضايا».


ـ انتخابات 2028

إن إعادة ظهور هذه القضية يجعل من المرجح أن يواجه أي مرشح ديمقراطي للرئاسة في عام 2028 تحدياً بشأن نظرته إلى بايدن في عام 2024 وما قاله عن ذلك. والآن يتوقع الديمقراطيون أن تكون انتخابات 2028 حاشدة وشديدة التنافسية. ومع دعوة الكثيرين في الحزب إلى تغيير الأجيال، قد يواجه بعض المرشحين، والذين كانوا حلفاء أقوياء لبايدن في عام 2024، ضغوطاً جديدة لإثبات صحة خطئهم بشأن أهليته للرئاسة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"