عادي
إبداعات برافعة التجريب

المعرض السنوي لجمعية التشكيليين.. الفن لحظة تأمل

19:42 مساء
قراءة 4 دقائق
متحف الشارقة للفنون تصوير صلاح عمر

الشارقة: علاء الدين محمود

تبرز في الدورة الـ40 من المعرض السنوي لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية الذي يقام في «متحف الفنون الإسلامية»، في الشارقة، بمشاركة 50 فناناً من الإمارات من الرواد في الحركة التشكيلية الإماراتية، العديد من الأعمال التي تتكئ فكرتها على أبعاد فلسفية، كما تنحو العديد من الممارسات الجمالية الأخرى نحو التجريب.

الدكتور محمد يوسف رئيس الجمعية، المشرف العام للمعرض أكد في حديثه لـ«الخليج»، أن هذه النسخة تأتي مختلفة من حيث السعي نحو العمل على البحث البصري والرغبة في تقديم أعمال جديدة مع الحرص على إبراز أعمال فنانين كبار حالت ظروفهم دون المشاركة أمثال عبدالقادر الريس، والراحل أحمد حيلوز، وكذلك أعمال الفنان صالح الأستاذ، حيث عملت الدورة الحالية على تحريك الساكن والإبحار والعمق على مستوى التقنية والفكرة والتوجه الحداثوي، كما قاربت الأعمال المشاركة بينالي الشارقة.

وإلى جانب الفنانين الإماراتيين، يشارك في هذه الدورة فنانون من دول عربية وأجنبية يقدمون أعمالاً مبدعة ومتميزة، ويشكّلون من خلال مشاركتهم نسيجاً فنياً متنوعاً يعكس التلاقي بين الأصالة والتجريب، حيث تم اختيار الأعمال المشاركة عبر لجنة متخصصة ضمت الفنانين خليل عبدالواحد، والدكتورة كريمة الشوملي، وسلمى المري، والدكتور محمد يوسف.

* معاصرة

أعمال المعرض تباينت اتجاهاتها الفنية والفكرية، حيث تناول بعض الفنانين البيئة المحلية بمنظور مختلف عن السائد، وأظهر الكثير منهم شغفاً بالغموض الناتج عن متاهات الحياة، بينما أعاد فنانون تناول ظواهر على ضوء الفن المعاصر.

«ما صد عني»، بوحي من هذه العبارة نسجت الفنانة د. كريمة الشوملي أعمالاً ولوحات باهرة، حيث تستخدم هذه الجملة عندما يطيل الشخص التحديق في شيء من دون أن يشيح بنظره عنه؛ أي يطيل التأمل والتعمق، وذلك ينطبق على المتلقي عند مشاهدته للعمل الفني، في سعيه لاكتشاف جوهره والإبداع الذي يحمله.

وتواصل الشوملي في أعمالها المقدمة، البحث المتواصل في عالم الأقمشة متعمقة في جمالياتها من حيث التصميم، التكوين، والألوان. حيث لفت نظر الفنانة الوحدة الزخرفية المستوحاة من نقشة «أبو طيرة»، وهو نوع من النقوش على القماش والأزياء فعملت على إعادة تصورها وتحويلها من شكلها المسطح على القماش إلى شكل بارز نابض بالحياة، عبر تجسيدها كعمل فني ثلاثي الأبعاد باستخدام مواد متنوعة مثل الألمنيوم، الطباعة ثلاثية الأبعاد، التصوير الفوتوغرافي، ويسلط العمل الضوء على جماليات نقشة «أبوطيرة»، ليُعيد تقديمها في سياق الفن المعاصر، متيحاً الفرصة لربطها بالثقافة الشعبية وجماليات المرأة الإماراتية، كما يهدف إلى تعزيز قيمة التراث والحفاظ عليه بأساليب إبداعية تتماشى مع مفاهيم الاستدامة للأجيال القادمة، ومن خلال هذه التجربة البصرية يكتشف المشاهد إمكانية ابتكار أعمال فنية انطلاقاً من وحدة زخرفية واحدة، من دون الوقوع في التكرار أو الرتابة، مما يبرز ثراء الفنون التراثية عند إعادة توظيفها بأسلوب معاصر ومتفرد.

*أسلوب خاص

أما الفنان والخطاط محمد مندي فهو يؤسس عبر أعماله المشاركة في المعرض لأسلوبه الفني الخاص والخالص مؤكداً في سلسلة أعماله على التنوع الدائم في التكوين والإنشاء والمعالجات التقنية واللونية.

خلال اللوحات التي قدمها في المعرض يؤكد مندي مقدرته على إنبات التعابير عبر مراوحته البصرية بين معطيات الفنون الإسلامية الأصيلة والمعاصرة معاً، ومن خلال استحضاره للزخرفة عبر مسطحاته الحروفية التجريدية البليغة، وذلك القاسم المشترك بين الأعمال التي شارك بها مندي في المعرض، حيث كانت بمثابة تأمل عميق في الماضي بمعطيات الحاضر وانفتاح نحو المستقبل.

وحملت بعض أعمال مندي أسماء لشخصيات في قلب اللوحة مثل «سلطان»، كنوع من الاحتفاء الإبداعي بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وأسماء لمشاريع إماراتية شكلت منعطفاً في مسيرة الدولة التنموية مثل «مسبار الأمل»، وهو برنامج إماراتي لاكتشاف الفضاء، كما تحمل بعض اللوحات عبارات إسلامية مثل البسملة، وهو يعيد ترتيب علاقة المتلقي بالأعمال واللوحات الحروفية من خلال ذلك الربط المبدع والمبتكر بين الأصالة والمعاصرة، إذ تتجلى براعة الفنان في الإبحار نحو ضفاف جديدة في الإبداع الفني من خلال توظيف الأفكار والرؤى في إنجاز عوالم جمالية مما يجعل للوحة رسالة ومعنى، حيث تحمل بعض لوحات مندي لحظة صوفية تحتفي بالرمز وتحلق نحو عوالم روحية.

*تجريد

الفنان الإماراتي الكبير عبيد سرور يتجه في أعماله التجريدية التي شارك بها في المعرض نحو إطلاق العنان لذاته الفنية من خلال خوض غمار التجريب بمنتهى الحرية ومن دون أن يكون هناك ما يحجم الممارسة الفنية أو يوقف تدفقها، حيث تمتاز الأعمال الجديدة للفنان بخروجها إلى حيز الوجود بهيئة خاصة وجريئة ومعبرة.

كما ينتقي سرور مفردات من البيئة الإماراتية ليصنع منها لوحات مثل الصدف البحري وغير ذلك بطريقة معاصر تسرب البهجة إلى قلب الناظر وتدعوه إلى طريقة مغايرة في التفكير الفني والجمالي، ولعل ما يجمع بين تلك اللوحات والأعمال التي شارك بها سرور هو الإدهاش اللوني والإمتاع البصري والتعامل الخلاق مع مفردات البيئة والتراث.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"