الإنسان في الإمارات يُنظر إليه بوصفه طاقة مستمرة للعطاء، لا تحدّه وظيفة، ولا تُلخّصه محطة واحدة، ولهذا كانت دولتنا سبّاقة في إعادة تعريف المسميات التي تصف بعض فئات المجتمع المختلفة، وذلك لإبراز مكانة كل فئة بما يعبّر عن تقديرنا الحقيقي لهم ولدورهم في المجتمع.
فلقد غيّرت الإمارات مسمى «ذوي الاحتياجات الخاصة» إلى «أصحاب الهمم»، فحوّلت التحدي إلى إرادة، كما غيّرت مسمى «كبار السن» إلى «كبار المواطنين»، لتمنحهم مزيداً من التقدير والعرفان، وهذه التغييرات لم تكن مجرد تجميل لغوي، بل تعبير عن رؤية متقدمة تجعل الإنسان نقطة الانطلاق في كل رؤية وقرار.
ومن هنا، أقترح إعادة النظر في مسمى «المتقاعد»، فكلمة «متقاعد» تحمل في طياتها إيحاءً بالتوقف والانفصال عن المجتمع، في حين أن كثيراً من المتقاعدين لا يزالون قادرين على العطاء، ويملكون من الحكمة والخبرة، ما يجعلهم كنزاً وطنياً لا يقدّر بثمن.
لو استبدلنا كلمة «متقاعد» بكلمة «ملهم»، لأبرزنا المكانة الحقيقية لهذه الفئة، واحتفينا بدورها المستمر في بناء المجتمع، فالملهم هو من سبقنا بخبرته، ويمتلك قدرة على الإلهام والتأثير ونقل التجارب للأجيال القادمة، إنه الإنسان الذي لم يتوقف، بل بدأ فصلاً جديداً من حياته.
تغيير المسمى من «متقاعد» إلى «ملهم»، هو دعوة إلى تغيير النظرة المجتمعية كاملة، نظرة تجعل من التجربة قيمة، ومن الحكمة مورداً، ومن العمر المتقدم بداية لعطاء جديد، وهو أيضاً وسيلة لإبقاء هذه الفئة في قلب التفاعل المجتمعي، بدلاً من تهميشها.
يمكن أن تصاحب هذا التغيير مبادرات عملية، مثل إنشاء نواد للملهمين، وإشراكهم في أنشطة مجتمعية، واستثمار خبراتهم في قطاعات التعليم، والتدريب، والإعلام، والمجالس الاستشارية، فبدلاً من أن يكونوا على الهامش، يصبحون في موقع التأثير.
الكلمات تصنع التصورات، وتغيّر القناعات، فإذا أردنا حقاً أن نكرّم كل من خدم هذا الوطن، فلنمنحه لقباً يليق به، «ملهم»، كلمة تحفّز، وتكرّم، وتبني الجسور بين الماضي والمستقبل.
المجتمعات المتحضرة لا تقيس الإنسان بعمره، بل بعطائه، ولا تنظر إلى نهاية الوظيفة كخروج من المعادلة، بل كبداية لدور مختلف، فلنقلها بوضوح: لا تقل «متقاعد»، بل قل «ملهم»، لأن الملهم لا يتقاعد عن الأثر.
ومن هذا المنطلق، فإن تبني مصطلح «الملهمين» رسمياً سيكون خطوة جريئة تليق برؤية الإمارات، فهو يعزز من قيمة العطاء المستمر، ويحفّز الأفراد على الاستمرار في التطور، حتى بعد انتهاء مشوارهم المهني، كما أن هذا التغيير يعكس فلسفة عميقة ترى في الإنسان مصدراً للإلهام في كل مرحلة من مراحل حياته، وهي أيضاً رسالة لكل الأجيال بأن الإنسان لا يُختصر بدوره الوظيفي، بل يُحتفى به لما قدمه، ولما يمكن أن يضيفه في كل وقت.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







