عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الجلي».. الحرف نقش القلب

14:51 مساء
قراءة 3 دقائق

في رحاب الفن العربي الإسلامي، يشكل الخط العربي تياراً فنياً متميزاً، يحمل في مسيرته بصمات كل عصر تطور وتجدد فيه، ومن رحم هذه الديناميكية الفنية، وُلدت أنوع متعددة ومتميزة في فن الخط، تعبر عن روح التراث والأصالة وتعكس فيه براعة الفنان في ابتكار التكوينات البصرية وتجسد ذروة الجمال والإبداع في كل حرف ينقش.


ولعل الخط العربي هو الأكثر تجسيداً لما حولته الحضارة العربية الإسلامية من كتابة إلى فن قائم بذاته، إذ يكتسب أهميته من ارتباطه الوثيق بكتابة آيات القرآن الكريم، فما من أمة أخرى قد رفعت الكتابة إلى هذا المقام، حيث تتحول الكلمات إلى لوحات تنبض بالروح والجمال وتتشابك فيه الكتابة بالإيمان.

* تكوين

في هذه اللوحة التي بين أيدينا والتي خط فيها الخطاط ناصر النصاري، الآية الكريمة: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، سورة النحل: 127، بخط الثلث الجلي والذي يعتبره الكثيرون ملك الخطوط العربية في ميادين الجمال والرؤية، حيث تشدد فيه قواعد النسب في رسم الحروف وتفتح انحناءات حروفه مساحات الزخرفة والدهشة وهي خصائص جعلت منه الخط الذي يزين القباب والمآذن ويكتب على المصاحف وواجهات المساجد الكبرى، لما يحمله من هيبة وألق بصري.


تتجلى براعة وإتقان الفنان في الثلث الجلي من خلال تطويع صرامة هذا الخط لمصلحة المعنى، متنقلاً بين الحروف الممدودة حيث يحتاج المعنى إلى مساحة للتأمل والمشدودة حين يتطلب الإيقاع وقفة خشوع، تتنقل العين بين الكلمات بسلاسة ساحرة، تلعب على توازن غير مرئي، توزعت فيه الكلمات على خط أفقي مركزي، يمثل العمود الفقري للنص ومنه تنبثق التفرعات الزخرفية العلوية والسفلية، جعل منها النصاري اللوحة كياناً عضوياً، حيث كل عنصر يخدم الآخر، في تناوب مدروس بين الخطوط السميكة والدقيقة وبين الامتداد والتقوس.

ورغم الالتزام الصارم بقواعد الخط، نجد عند الفنان قدراً من الحرية الذكية في توزيع الأحرف والتي تمددت باسترخاء نبيل داخل المساحات، من دون أن تخل بتوازن اللوحة وهي من التقنيات التي تشكل ميزة مهمة في خط الثلث الجلي، تسمح فيه بتوسيع الحرف ليكون جزءاً من الزخرفة دون أن يفقد معناه.

* جماليات

جاءت الزخرفة المصاحبة للآية الكريمة من دون إغراق على حساب التكوين الجمالي العام وحرص الخطاط على استخدام هذه الزخرفة كإطار يعزز الجمال البصري الهادئ، حيث استخدم الزخارف ذات النمط العشبي الهندسي الرقيق، في تكامل بين الخط والزخرفة من دون أن يطغى أحدهم على الآخر وهذا توازن دقيق لا يتقنه سوى الخطاط الذكي، فالزخرفة قد تتحول بسهولة إلى تشويش إذا لم تُحكم بدقة، حيث تبدو الحروف وكأنها نبتت من هذه الأرض المزخرفة وهو ما يعكس فهما عميقاً لدى الخطاط لفلسفة الاندماج بين النص والإطار، لا الانفصال بين المحتوى والشكل.

استخدم الفنان ألواناً تعزز جمالية اللوحة، الخلفية الهادئة مقابل الحبر الأسود الحالك والذهبي أو اللون النحاسي في الإطار والزخرفة، الذي غالباً ما يستخدم لإبراز الجلال والهيبة، خدمت هذه الثنائيات اللونية التوازن البصري في اللوحة وعززت التدرج السلس من النص إلى الزخرفة ومن المعنى إلى التجريد، حيث يبدو كل عنصر في اللوحة في مكانه الصحيح.

* إضاءة

ولد الخطاط ناصر النصاري عام 1974م وهو رئيس جمعية الخطاطين اليمنيين، حاصل على إجازة في الخط العربي من يوسف ذنون الموصلي، قام بعمل كراستين: كراسة بخط الرقعة وكراسة بخطي الثلث والنسخ وشارك في العديد من المهرجانات الدولية للخط، حائز على الجائزة الأولى في خط الثلث العادي في مسابقة جامعة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود الدولية التي أقيمت على مستوى العالم العربي والإسلامي.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"