في ظلام الليل الدامس، انطلقت تسعٌ من أغلى الطائرات وأكثرها تطوراً في العالم، وهي قاذفة الشبح بي-2، المُخيفة، من فوق قاعدة وايتمان الجوية بعد منتصف ليل السبت، في بداية مهمة استمرت 37 ساعة، أدهشت العالم، فكيف تمكن قائدوها من الصمود طوال هذا الوقت لتنفيذ العملية.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، لا يزال الكثير من الأسرار تكتنف عملية «مطرقة منتصف الليل»، التي تقلق العالم بتداعياتها، إذ خُطط لها وتدرب عليها الطيارون الأمريكيون قبل سنوات، لتنفيذ مهمة ستُخلّد في سجلات الطيران العسكري، كان هدفها المعلن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وإنهاء الحلم النووي لطهران بعد عشرات السنوات من المواجهة مع الغرب.
رحلة الـ 18 ساعة عبر نصف الكرة الأرضية
وانطلقت هذه القاذفات المتطورة، من قاعدة وايتمان الجوية قرب مدينة كانساس سيتي، في رحلة جوية استغرقت 18 ساعة عبر نصف الكرة الأرضية، مع توقفات عدة لتزويدها بالوقود جواً، حسب ما أعلنه مسؤولون.
وتحت جناحي كل طائرة من B-2، كانت هناك قنبلتان من أكبر القنابل التقليدية التي أُنتجت على الإطلاق، وهما GBU-57، أو قنبلة اختراق الذخائر الضخمة (MOP).
وفي البداية، حلّق الأسطول في تشكيل مثلثي عبر سماء الليل، وفوق السهول الكبرى والبحيرات في المناطق الداخلية الأمريكية.
ولتسهيل تحمل مثل هذه الرحلات الطويلة، تم تجهيز قمرة القيادة في هذه الطائرات التقنية بثلاجات صغيرة، وأفران ميكروويف للحفاظ على تغذية الطيارين.
تدمير الحلم النووي
وكأي طائرة مخصصة للرحلات الطويلة، تضم طائرة الـ«بي-2» أيضاً مرحاضاً. كما توجد مساحة كافية داخل قمرة القيادة ليستطيع أحد الطيارين، الاستلقاء والراحة، بينما يقود الآخر الطائرة ذات التصميم المعروف بـ«جناح الخفاش». وتبلغ مساحة جناحي الطائرة 172 قدماً، ويتكون طاقمها من طيارين فقط، وتعتمد بشكل كبير على الأتمتة لإتمام الرحلات الطويلة.
وفي الطريق إلى تدمير الحلم النووي لطهران، اعتمدت المهمة على عمليات خداعية عدة كان الهدف منها إبقاء العالم في حيرة بشأن نوايا دونالد ترامب، وذلك عندما انفصلت طائرتان من طراز B-2 عن «بقية المقاتلات، واتجهتا غرباً نحو المحيط الهادئ.
ولم تكن وجهتهما إيران، بل غوام، وهي جزيرة أمريكية تقع في ميكرونيزيا الهادئ، وتضم قاعدة أندرسن الجوية، على بُعد 4000 ميل من إيران.
وسرعان ما لاحظ المراقبون المتمرسون للسماء، لا سيما في هذه الأوقات المضطربة، تحركاتهم وانتشرت التقارير. وتحدثت وكالات الأنباء الدولية عن وجهتهم المقصودة.
المفاجأة التكتيكية
سمح هذا التركيز للفريق المتبقي، المكون من سبعة أفراد، بالتوجه إلى هدفهم الحقيقي - المنشآت النووية التي يديرها نظام طهران. وفي ظل صمت شبه تام، حلّقوا من دون أن يُكتشف أمرهم لمدة 18 ساعة، بمساعدة ناقلات وقود في الجو لإبقائهم في طريقهم.
وأوضح الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، للصحافة العالمية: 'كجزء من خطة للحفاظ على المفاجأة التكتيكية، توجه جزء من الحزمة غرباً إلى المحيط الهادئ كطُعم. ولم يكن هذا الجهد الخادع معروفاً إلا لعدد قليل جداً من المخططين والقادة الرئيسيين هنا في واشنطن العاصمة وفي تامبا «مقر القيادة المركزية الأمريكية».
وتقدمت الحزمة الرئيسية بهدوء نحو الشرق مع الحد الأدنى من الاتصالات. وخلال رحلة استغرقت 18 ساعة إلى منطقة الهدف، أكملت الطائرة عمليات تزويد بالوقود جواً عدة مرات.
ولم تكن القاذفات الشبح وحيدة خلال المهمة، إذ رافقها أسطول من مقاتلات الطائرات، وطائرات الدعم، التي التقت بها عند اقترابها من المجال الجوي الإيراني.
وأوضح الجنرال دانيال كاين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في بيان أن طائرات الـ«بي-2» نسقت مع طائرات الدعم والمرافقة ضمن مناورة معقدة ومحددة الوقت، تطلبت تزامناً دقيقاً بين عدة منصات جوية في مساحة ضيقة، وكل ذلك تم بأقل قدر ممكن من الاتصالات.
وأفاد بيان صادر عن المسؤولين الأمريكيين بأن العملية استخدمت فيها 14 قنبلة خارقة للتحصينات، تزن كل واحدة منها 13.6 طن.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، دان كين: إن «عملية مطرقة منتصف الليل» بدأت مساء الجمعة بإرسال قاذفات «بي-2» إلى مواقع مختلفة. وذكر كين أن الجيش استخدم نحو 75 سلاحاً موجهاً خلال العملية، بينها 14 قنبلة تستخدم لأول مرة، تزن كل واحدة منها 13.6 طن، مضيفاً أن العملية أُنجزت في ظرف 25 دقيقة.
فوردو مفاعل شديد التحصين
ويعد مفاعل فوردو، ثاني موقع تخصيب نووي في إيران، ومصمم لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة نقاء 20%، إلا أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عثروا على عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 83.7% في المنشأة في 2023. وكان الموقع، قاعدة صواريخ إيرانية سابقة، وتقع على بُعد نحو 160 كيلومتراً جنوب طهران، إلا أنها محفورة في سفح جبل على عمق مئات الأقدام تحت الأرض. ورغم أنها تضم أجهزة طرد مركزي أقل من نطنز، إلا أن تصميمها الجوفي يجعلها أقل عرضة للضربات الجوية.