عادي

غادامير.. يكتب سيرة ذاتية تحاور الآخرين

14:55 مساء
قراءة دقيقتين
غادامير.. يكتب سيرة ذاتية تحاور الآخرين
هانز جورج غادامير

عاش الفيلسوف هانز جورج غادامير (11 فبراير 1900 – 14 مارس 2002) الحربين العالميتين وحقبة الاحتلال الأمريكي الروسي لألمانيا وتفكك بلده ألمانيا إلى بلدين، عاش وعمل في كليهما، وشهد توحيدهما وانهيار جدار برلين، سافر في طول العالم وعرضه، ودرس في أكثر من بلد وبأكثر من لغة، والتقى أقطاب الفلسفة في القرن العشرين، وعمل أستاذاً للفلسفة ورئيساً لجامعة، ومؤسساً لمؤتمرات فلسفية، وجماعات فكرية.
من هنا تكتسب حياته (عاش 100 عام) أهمية كماً وكيفاً، فخلال قرن وثلاث سنين لم يسأم تكاليف الحياة والفلسفة واحتضنهما، حتى آخر رمق، إنه «الشاهد المطلق» كما قال جاك دريدا، الذي لم يصدق – حسب تعبيره – الذي ينشد المفارق دائماً، أن غادامير مات أخيراً، بعد ما يزيد على قرن من الحياة.
يعرض كتاب «التلمذة الفلسفية.. سيرة ذاتية» (ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح) بعضاً من مراحل هذه الحياة ونموها وتحولها الفكري مضفرة بحيوات آخرين وأمكنة، وتقلبات سياسية واجتماعية لتاريخ وطنه ألمانيا، إن واحداً من مفاتيح سيرة غادامير الذاتية هو ما صدر به كتابه: «من الأولى عدم الحديث عن الذات» لذا هو ينبهنا إلى أن من الأفضل الصمت بإزاء الذات، بل يجب عدم الحديث عنها.

*أسماء وأمكنة


«التلمذة الفلسفية» سيرة ذاتية بناها الآخرون بحيواتهم، إنها سيرة ذاتية آخرية، تكشفت عبر الفلاسفة الآخرين الذين عاش معهم متعلماً منهم، مراقباً ومدققاً، في سلوكياتهم وتفلسفهم، إذا استثنينا جزءاً بسيطاً من هذه السيرة، وهو الجزء المتعلق بتفصيلات عن مراهقته وشبابه، سنجد سيرة للآخرين الذين عاش معهم.
يكتب غادامير في سيرته الفلسفية الذاتية، عن عشرة فلاسفة ألمان، ويمر سريعاً بعشرات الأسماء والأمكنة الأخرى، يتحدث عن حركات أيديهم، وأشكال لحاهم، وملابسهم وأمكنة سكناهم، وحتى أحذيتهم، يكتب عنهم فلاسفة وبشراً، وحديثه هذا وثيقة اجتماعية بامتياز، وثيقة يكتبها مفكر كبير عاش وعاين كيف يتدهور العالم الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية وكيف تظهر النفوس البشرية طبائعها، واستعداداتها الخفية، حين يتأزم مجتمع معين نتيجة وقوعه أسير توجهات أيديولوجية متسلطة وقاهرة، وكيف تتردى النفوس وتعتاش على الصغائر، وكيف أيضاً تصون النفوس الكبيرة كبرها، وتحافظ على كينونتها الإنسانية الناصعة، مهما تردى العالم من حولها وتآكل.

*وثيقة


يُقرأ هذا الكتاب قراءة وثيقة اجتماعية، تعين على الفهم، ليس فهم مجتمع غادامير آنذاك فقط، بل فهم كل مجتمع يعاني القهر والتسلط وخراب النفوس والعقول، خراب تؤسسه عقول، ليمتد بعد ذلك مثل سرطان في أوصال المجتمع الأخرى.
الكتاب أيضاً وثيقة تاريخية اجتماعية فكرية تفصل لنا المناخ الفكري السائد آنذاك، وكيف تتصارع الأفكار، يخبو بعضها، وينمو بعضها الآخر ويسود، ويسهم في تجلية آليات هذه الحركة الجدلية بطبيعتها: جدل الأفكار والمفكرين، وهو جدل مصور هنا تصويراً تفصيلياً، يتناول الفكرة بلحمها ودمها، إن صح التعبير.
يلقي غادامير الضوء على أحوال الجامعة بألمانيا في ربيع عام 1933 زمن صعود هتلر وكيف داهمت الجامعيين المراسيم الأكاديمية الجديدة المتعلقة بتحية هتلر، وكيف أصبح رفض هذه التحية طرداً من الجامعة، وكيف أن هناك أساليب لتأدية التحية، أساليب تنم عن مقدار القناعة بها.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"