عادي
نهج شعري ثوري مقاوم

توفيق زياد.. قصائد تهجس بحرية الإنسان وكرامته

03:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: عثمان حسن

هو أحد أضلاع المثلث الأشهر ضمن توصيف «شعراء المقاومة»، بعد محمود درويش وسميح القاسم، وهو الأقدم من حيث بدء التجربة الشعرية التي تعود إلى عام 1956، حيث قصيدته الشهيرة «كفر قاسم» التي يصف فيها المجزرة. إنه الشاعر توفيق زياد، الملتزم بقضايا الوطن والإنسان، صاحب الشعرية الثائرة، ذات النفَس الدرامي والقصصي الذي حمل هم القضية العربية والفلسطينية على وجه الخصوص، هاجساً وفعلاً وقولاً وممارسة.
ديوان «أشد على أياديكم» الصادر عام 1966، والقصيدة الشهيرة التي تضمنها «أناديكم» بداية انطلاقة زياد الفعلية، على صعيد تكريس الوعي الوطني في مسيرته الأدبية والنضالية، التي استمرت حتى وفاته، ومن ثم القصيدة عبرت بحق عن نهجه الثوري المقاوم في الشعر، والتي تقول كلماتها:
أناديكم
أشد على أياديكم..
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب أعطيكم
فمأساتي التي أحيا
نصيبي من مآسيكم
أناديكم
أشد على أياديكم..
أنا ما هنت في وطني ولا صغرت أكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيماً، عارياً، حافياً
حملت دمي على كفي
وما نكست أعلامي
وصنت العشب الأخضر فوق قبور أسلافي
أناديكم... أشد على أياديكم.
ومن بعدها توالت أعمال زياد بإصدارات عدة أبرزها: «ادفنوا موتاكم وانهضوا» في 1969، و«أغانٍ الثورة والغضب» 1969، و«أم درمان المنجل والسيف والنغم» 1970، و«كلمات مقاتلة» 1970، و«تهليلة الموت والشهادة» 1972، و«سجناء الحرية وقصائد أخرى» 1973، وغيرها.
درس زياد اللغة الروسية وقام بترجمة عدة أعمال من الأدب الروسي، كما ترجم لناظم حكمت، وكان له اهتمام ملحوظ بالأدب الشعبي وكتب في ذلك عدة كتب، وكانت مسيرته في هذا الاتجاه سيما مع درويش وسميح وغيرهم من شعراء المقاومة، علامة بارزة في المشهد الشعري العربي المعاصر، كل بطريقته؛ درويش بقصيدته المفارقة، وسميح بتعدد تجاربه، وتوفيق بمباشرته الشعرية وملمحها القصصي والدرامي، وكان لهؤلاء، ما يمكن اعتباره معلماً نهضوياً فلسطيني التوجه عربي البوصلة، يلتقي مع شعريات عربية مقاومة في أكثر من بلد عربي، في مصر والشام والعراق، حيث القصائد التي تقف على تخوم الروح، وتهجس لحرية الإنسان ومجد الإنسان وكرامته.
من الناحية الفنية، اقتربت قصيدة زياد من النفس القصصي، وهو ملمح يكاد يكون طاغياً في تجربته الشعرية كلها، من حيث اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، سواء المواقف أو الأحداث التي تخللت عمر القضية الفلسطينية، وهذا الملمح اكتسب سرداً حكائياً، وتراثياً في الغالب، مع تأثيرات أسطورية ورمزية لا يمكن إغفالها في منجزه الشعري، وقد انتبه لهذه المسألة عدة نقاد تابعوا مسيرة الشعر الفلسطيني، ومن هؤلاء الشاعر الدكتور عز الدين المناصرة، الذي أشار في مقدمة ديوان زياد «أشد على أياديكم»: «إن محاولة طمس الهوية الفلسطينية كانت سبباً من أسباب إدخال المنطوق في الأدب المكتوب، فزياد الذي يؤمن بكفاح الجماهير يستخدم لغتهم، وكتابته لهم تتسم بالبساطة العميقة، وهذا يعني أن الفولكلور، برموزه وصدقه وصوره يتداخل في تضاعيف أدبه، كما يوظّف ذلك في أدائه السردي بصورة مباشرة أحياناً كثيرة، فالشاعر يلجأ إلى تعابير المجتمع وثقافته، ويضفي عليها نغمة وجدانية، وقد يستدعي الذاكرة التاريخية ليستند إليها، وليؤصل بذلك الموقف الإنساني الذي يدعو إليه، وهذا كله لا بد له من النفس القصصي».
مثل هذه السردية الحكائية موجودة في عناوين قصائد توفيق مثل «مقتل عواد الأمارة من كفر كنا»، وهي قصيدة صوتية مقطعية، وهناك قصيدة «خائف يا قمر» التي يشير مطلعها إلى نوع من المفارقة بين مفردتي «الخوف والقمر»، حيث القمر مبعث الهدوء، وعشق الحبيب، فإذا به يصبح مصدراً للخوف ولعشق حبيب آخر، إلى آخر ما في هذه القصيدة الدرامية من أفعال سواء في الماضي أو الحاضر مثل: (تناول، وناولني، وودعني، وكان، وخلّف، وراح، وترتجف، وتلمح، وتصرخ، ويقترب الجند، وأبكي، وتزحف، وتهوي).
ظل زياد مخلصاً لقضيته، حتى يوم وفاته، وقد كان عنيداً في مواجهة المحتلين الصهاينة، الذين رأوا فيه خطراً يهدد استقرارهم، حيث قاد التظاهرات والاحتجاجات السلمية في كثير من المناسبات الوطنية، فتعرض لمحاولة اغتياله أكثر من مرة.
تدرس الناقدة فرزانة رحمانيان ملامح الواقعية في شعر توفيق زياد في صلتها بمفردات من العامية غالباً ما كانت تتكرر في التراث الفلسطيني، وترى في ذلك توثيقاً من جانب زياد لتلك الأكثرية التي اكتوت بنار المأساة الفلسطينية، هذه المأساة التي تركت ندوباً لم تندمل، في الواقع المعاش للفرد الفلسطيني، حتى رافقته في مسراته، مع عدم فقدانه الأمل بهاجس التحرير والعودة، فكثير من ألوان الأهازيج الفلسطينية تشير إلى جراحات ومواجع وكوارث، كتبها الفلسطيني بتلقائية وعفوية، وعبر عنها من خلال لهجته العامية، التي يحبذ توفيق أن يصفها بلغة الشعب، وقد تعامل مع هذا المستوى من اللغة معتقداً أن ذلك إنما يعبر عن هوية فلسطينية خالصة، هوية التعابير التي لا تنفصل عن هوية الشعور، وهذا الملمح الفولكلوري التراثي كثيراً ما نجده في قصائد وثنايا دواوين توفيق العديدة، سيما وأنه يعكس البساطة والعفوية، كما في إحدى قصائده التي تجيء على لسان الشاعر عوض، وهو الثائر الشاب الذي لم يكن يمتلك ثمن السلاح، فتبيع زوجته الشابة أساورها ليحصل على السلاح، فيترك زوجته وأطفاله ويخرج إلى الجبال، ثم يقع أسيراً، فيصدر ضده حكم بالإعدام، وعندما كان ينتظر تنفيذ الحكم، أخذ قطعة من فحم وكتب على جدار السجن ما كان يدور في خاطر من يقضي لحظاته الأخيرة. وهنا يكتب توفيق زياد مقدماً لقصيدته: «أغنية كتبتها يد ثائر من جبل النار بالفحم على جدران السجن بعكا» ويقول:
لا تظن دمعي خوف
دمعي على أوطاني
على كمشة زغاليل
في البيت جوعاني
مين راح يطعمها بعدي
ويستمر زياد في قصيدة أخرى بتحوير بعض الأغاني الشعبية، ويستخدمها بمهارة ودقة، في قصيدة «يا جمّال»، يبرز الحنين للوطن مستخدماً أسلوب الحوار فيقول:
عذب الجمال قلبي
عندما اختار الرحيل
قلت: يا جمّال صبراً
قال: كل الصبر عيل
قلت: يا جمال أمشي ألف عام
خلف عينيك أسافر
قال: يا طير الحمام
حنظل عيش المهاجر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"