حين يفقد المبدع حقه

02:56 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

طرحت إحدى الجهات في استمارة طلب الالتحاق بوظيفة شاغرة لديها، السؤال التالي: لو كنت تقود سيارتك في ليلة عاصفة، وفي طريقك مررت بموقف للحافلات، ورأيت ثلاثة أشخاص ينتظرون الحافلة، وهم: امرأة عجوز توشك على الموت، وصديق قديم سبق أن أنقذ حياتك، وشخصية مشهورة تعتبرها قدوة لك، وكان في سيارتك متسع لراكب واحد فقط، فأيهم ستنقله معك؟ هل السيدة العجوز لأنها توشك على الموت، وواجبك الإنساني وأولوية إنقاذها يحتمان عليك ذلك، أم صديقك القديم الذي سبق أن أنقذ حياتك، وقد أتاك الموقف المناسب لترد إليه الجميل، أم الشخص المشهور الذي اتخذته قدوة، وتمنيت كثيراً لقاءه، وقد جاءت به الفرصة إليك على طبق من الحظ السعيد؟ وبعد فرز الإجابات اختارت الشركة مرشحاً واحداً من بين مئتي شخص تقدموا للحصول على الوظيفة، لإجابته المتميزة والمميزة حيث أجاب، ببساطة: سأعطي مفتاح السيارة لصديقي القديم وأطلب منه توصيل السيدة العجوز إلى المستشفى، فيما سأبقى أنا مع قدوتي لانتظار الحافلة.
حين يتم وضع العقل المبدع في المكان المناسب، وفي حضن البيئة الداعمة والمحفزة، تستمر التنمية الشاملة للمؤسسات وتتطور بيئة العمل، ويتحقق الأمن الوظيفي، ويزيد العطاء، وتتطور جودة المنتج، يحدث هذا بكل يقين وتأكيد في ظل وجود القيادة الواعية التي تقدّر الجوانب الإنسانية، وتقوم بدورها التعزيزي بشقيه المادي، والمعنوي، وتعمل بعين البصيرة على معرفة واكتشاف القدرات، فتوظفها، وتعمل على تنميتها معرفياً، ومهنياً، أما إن كان رأس الهرم الوظيفي لا يمتلك أبجديات ما سبق فعلى المؤسسة السلام، وعلى العقول الدعاء بالرحمة، وعلى أصحابها حق الشفقة لما يعانون، فلا عزاء على بيئة العمل حتى إن كانت مكتظة بالمبدعين، إذا كانت إدارتها تعمه في وادي التسلط، وعدم مراعاة الجوانب الإنسانية، وتعيش في بهرج القول غير المحفز، وفي عالم العدم بالنسبة للتعزيز، وفي تسويف الوعود المختومة أصلاً بعبارة إن شاء الله، تعليقاً لا تحقيقاً.
ونحن على مقربة من حلول موعد تحقيق رؤية دولتنا 2021، تسكننا حالة من الصدمة تجاه بعض الإدارات التي تنحر العقول المبدعة من الوريد حتى الوريد، ومن الظاهر حتى نخاع النخاع، من دون مبالاة، أو شيء من المداراة، فكم من موظف أُكل وهُضم حقه، وضاع مستقبله لكونه مبدعاً فقط، وكم من موظفة مبدعة حرمت من الترقية، أو نيل حقها في التقرير السنوي، وبالتالي حرمانها من محاولة الاشتراك في الجوائز التي من معاييرها الامتياز في التقارير السنوية، لا لسبب سوى كونها قد أخذت إجازة وضع وهي حق تعطيه لها كل الشرائع، وكل النظم وقوانين العمل.
ونحن على أبواب يوبيل دولتنا الذهبي، علينا أن نعيد النظر في آلية اختيار قادة مؤسساتنا، وأن نحدد معايير نجاحها برضا موظفيها، فمن غير المعقول أبداً أن نجد، في عصر التواصل الحديث، مسؤولاً لا يقرأ الشكوى، أو الطلب، أو المقترح المرسل إليه من قبل موظف، وأن يتجاهل كل أساليب الخطاب الرسمي، فلا يكلف نفسه بكلمة اعتذار عن الطلب يشعر من خلالها الموظف بأنه ذو قيمة، وله أولوية الاحترام، بل إن المحزن حقاً عدم الاهتمام المقصود بمراسلات الموظفين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"