واقع من لا يملك أدوات العطاء

04:33 صباحا
قراءة دقيقتين
عبدالله الهدية الشحي

يُحكى أن ذبابة وقفت فوق قرن ثور حراثة وحين عادت إلى سكنها سألتها ذبابة أخرى، قائلة: أين كنتِ؟ فأجابت كنت أحرث مع الثور، وأقدم المشورة لصاحب المزرعة، وقد تأخرت تطوعاً؛ من أجل إنجاز العمل، ويُحكى أيضاً أن ذبابة أخرى وقفت على قرن ثور آخر؛ تقديراً لذاتها، ولحاجة في نفسها، وحين قررت الطيران تقدمت إلى الثور لتقدم له الشكر، فقال لها: لماذا الشكر، وأنا أصلاً لم أشعر بوجودك !. لا شك أن في مضمون الحكايتين وقفات عدة، واستنباطات كثيرة، خاصة إذا تم الربط بينهما، وواقع الحال الذي يعيشه أدعياء العطاء، الذين لا نراهم إلا في سويعات التتويج، ولا نسمع أصواتهم وآراءهم إلا في حال زيارات القيادات العليا لهذه المؤسسة أو تلك، أو من خلال التباهي بالمنجز الذي ليس لهم فيه أي ناقة أو جمل بين الأصحاب والزوار.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، يحدث هذا فعلاً وتماماً كحال الذبابة الأولى، ويحدث أيضاً في الاتجاه المقابل؛ ولكن بصورة أخرى كحال الذبابة الثانية حين يطمح هذا الموظف الصغير بحجم خبرته وضحالة فكره وانعدام إبداعه، فيعطي لنفسه من حيث لا يدري، بعد أن تسيطر عليه أحلام اليقظة، وحديث النفس، وأضغاث الأحلام، المكانة التي لا يراه الناس فيها، ولا يشعر المنصب أصلاً بوجوده وأثره، وإن طالت مدة جلوسه على كرسي عرشه، فيسعى ليزاحم أصحاب الإمكانات والحق والجدارة تحت مبدأ المساواة والعدل، وهو يجهل معناهما والفرق بينهما، والغريب في الأمر أن هذا المدعي قد يجد نفسه فعلاً لسبب ما أو لأسباب خارج الحسبان والمنطق والعرف والقانون والمألوف والمعروف، وربما لهذا الظرف أو ذاك على هرم المؤسسة التي كان يحلم بالتسلق على أصابع رجليها، فكيف به وهو على تاجها! ولكن قبل هذا ترى ألم يخطر بباله حال واقعه في اليوم الذي سيودعها وتودعه فيه إن كانت ستشعر بفراقه وهي التي لم تشعر بوجوده ؟.
الطموح دائماً محفز لاجتياز الصعاب وبلوغ المرام تلو المرام، والنجاح بعد النجاح دون توقف، ولكن إن لم تكن مع الطموح، الأدوات والإمكانات التي تعين على تحقيقه واستمراره فلا فائدة أبداً من وجوده كشعار تلعب به أحلام اليقظة والمصادفة، وما يُسمى بالفن الممكن حين يخرج عن سياقه الحقيقي إلى دروب الزيف وخداع ذات المدعي، قبل خداع الآخرين الذين أصبحوا بفضل العلم وانتشار المعرفة أصحاب خبرة في معرفة أنماط الشخصيات، وقراءة لغة الجسد، ومعرفة الفوارق بين صاحب الإبداع والشخصية القيادية ومدعي النجاح والعطاء، الذي يجهل نفسه ويفشل حتى في قيادة ذاته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"