الاستسلام ليس خياراً

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
 محمد عبيد
التهديد الظلامي الإرهابي آخذ في التصاعد واتخاذ أشكال ومسميات مختلفة، لكنه في نهاية المطاف يلتقي في أهداف متشابهة، إن لم تكن متطابقة، فهو موجه لاغتيال الإنسانية، وللحط من كرامة بني البشر واستعبادهم بأبشع الصور، وبناء كيان عابر للحدود يتخذ من الدين والدعاوى اليمينية المتطرفة ستاراً، ويدعي سعيه إلى "خير عام"، الأمر الوحيد الذي لا يستشف من جرائمه المروّعة الدموية .
وأمام هذا التمدد غير المسبوق لهذا التهديد الوجودي الذي يطال دولاً ومجتمعات، ويلغي أي حدود بين المقبول والمرفوض، ويستخدم أي أداة ممكنة في سبيل إرهاب العالم، واتخاذه رهينة، فإن الخيارات تغدو شديدة الوضوح، وتتمثل في المواجهة الشاملة المفتوحة، التي تتضافر فيها الجهود، وتتلاقى فيها الدول والمجتمعات على المصلحة العالمية العليا، وتنبذ فيها الأجندات المحلية والإقليمية والدولية، لقوة أو قوى عظمى لعلها تفكر حيناً في توظيف هذا الخطر لمصلحتها .
والأكيد أن الاستسلام ومحاولة دفن الرأس في الرمل ليس أحد الخيارات المتاحة، إلا لمن ارتضى أن يكون إما شاهد زور على هذه المرحلة التاريخية الصعبة، أو لمن قادته أحلام النفوذ والسلطة وجنون وأوهام العظمة إلى موقع النقيض المتماهي مع التهديد الوجودي الذي يجابه العالم ككل .
تمدد الإرهاب من المنطقة إلى خارجها بهذه السرعة القياسية ليس أمراً مثيراً للعجب، أو مجالاً للتساؤل والتشكيك، فقد بات واضحاً أنه لم ولن يتوقف عند أي حد، ما لم ترسم حدود واضحة لردعه وإيقافه ومن ثم القضاء عليه تماماً، وهذا لن يكون طالما بقيت دول وقوى قادرة متخفية خلف شعارات ومزاعم المواجهة، وطالما ظلت تلك القوى تدعي عكس ما تفعل تماماً .
ما يبحث عنه العالم اليوم ليس أمراً في المتناول، فالأمن العالمي المهدد في مناطق، والمفقود تماماً في مناطق أخرى، ليس مجرد مشكلة عابرة، بل هو ظاهرة تحتاج إلى كثير من العمل لمحوها وإزالتها، ومن ثم معالجة آثارها بكل قدر ممكن من الحكمة والحنكة .
ما يحتاج إليه العالم حقيقة في المرحلة الحالية، يتمثل في إعلاء القيمة الإنسانية، والكف عن الحسابات العنصرية القائمة على العرق واللون والديانة والمذهب، ما يحتاج إليه العالم حالياً، أكبر بكثير من وهم قوة عظمى أنها قادرة على التغيير وقتما تشاء وكيفما تشاء، من دون أن تتأثر، المطلوب أبعد بكثير من ذلك، فهو يتمثل في وضع الحسابات الضيقة والمصالح الذاتية جانباً، والتحرك سريعاً إلى إنجاز ما يحفظ مصالح البشرية ككل، والتزام حماية هذه المصلحة التي ستعود على الجميع في نهاية المطاف بالخير، وستساعد في الخروج من الأزمة الكبرى التي يمر بها العالم .
لا مجال لمستسلم أو مختبئ أو متجاهل، فهذه لحظة الحقيقة للعالم، لا تخص أحداً بعينه، ولا تقتصر بآثارها على فئة من دون أخرى، والإدانة والتنديد والاستنكار وحدها لا تكفي، وتحتاج إلى ترجمة عملية تتمثل في وضع استراتيجية شاملة يتحمل كل مكون من مكونات المجتمع الدولي دوره فيها، وينجز الواجب المترتب عليه لوقف هذا التدهور المتسارع نحو المجهول .
العالم مطالب باستعادة التضامن، والعمل الجماعي، ونبذ كل من يحاولون الاستفادة أو تسجيل النقاط على هامش المأساة، وإعطائهم حجمهم الحقيقي، والتوجه نحو الحل من دون إضاعة الوقت .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"