المجدُ يا سلطان عوفي إذ عوفيتَ والكرمُ

إطلالة
04:48 صباحا
قراءة 6 دقائق

سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، المجدُ عوفي إذ عوفيتَ والكرمُ . والدنا الكريم أنا لا أخاطبك لأني ابنة اختك وأنت خالي، لكنني أخاطبك لأني واحدة من أبناء ضمير الاتحاد، واحدة من أبنائك المحبين المخلصين الأوفياء .

والدي العظيم، لحظة وصولك إلى أرض البلاد في مطار الشارقة، لحظة تداول العالم التهاني والتبريكات بكل وسائل التكنولوجيا المتاحة لدى محبيك الأوفياء، اللحظة التي كتبت فيها سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي جوهرة الشارقة على التويتر Home sweet Home، ليلتقطها الجميع بشارة عودتك سالماً معافى بنعمة من الله ورحمته، لحظتها تلقيت مكالمة هاتفية من كاتب ومؤرخ سعودي يستفسر عن صحتك، فرددت: بحمد من الله ورحمة عاد والدنا الكبير سالماً معافى . وإذا به يلقي علي هذه الأبيات وأنا صامتة، وعيوني تغرورق بالدموع، وسألته: لمن هذه القصيدة؟ رد بأنها للمتنبي يخاطب بها سيف الدولة، وقلتها لأن سلطانكم هو سلطان المجد .

بعدما انتهت المكالمة قفزت لأبحث عن القصيدة، فإذا بالمتنبي يخاطبك أنت يا سيدي قائلاً:

المجد عوفِيَ إِذ عوفِيتَ وَالكَرَمُ

وَزالَ عَنكَ إِلى أَعدائِكَ الأَلَمُ

صَحَّت بِصِحَّتِكَ الغاراتُ وَاِبتَهَجَت

بِها المَكارِمُ وَاِنهَلَّت بِها الدِيَمُ

وَراجَعَ الشَمسَ نورٌ كانَ فارَقَها

كَأَنَّما فَقدُهُ في جِسمِها سَقَمُ

وَلاحَ بَرقُكَ لي مِن عارِضَي مَلِكٍ

ما يَسقُطُ الغَيثُ إِلا حَيثُ يَبتَسِمُ

يسمى الحُسامَ وَلَيسَت مِن مُشابَهَةٍ

وَكَيفَ يَشتَبِهُ المَخدومُ وَالخَدَمُ

تَفَرَّدَ العُربُ في الدُنيا بِمَحتِدِهِ

وَشارَكَ العُربَ في إِحسانِهِ العَجَمُ

وَأَخلَصَ اللهُ لِلإِسلامِ نُصرَتَهُ

وَإِن تَقَلَّبَ في آلائِهِ الأُمَمُ

وَما أَخُصُّكَ في بُرءٍ بِتَهنِئَةٍ

إِذا سَلِمتَ فَكُلُّ الناسِ قَد سَلِموا

نعم يا والدي الكبير، إذا سلمت فكل الناس قد سلموا . المجد والكرم يا سلطان، المجد عوفي إذ عوفيت، وعوفي الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وعوفيت أرواحنا التي ظمئت لوجودك بيننا، وعوفيت النفس حين اطمأنت بالأمن والأمان لحظة ما وطئت قدماك أرض مطار الشارقة، طال غيابك يا أبانا وطال الحزن بقلوبنا، ما عادت القلوب تحتمل كل هذا اليتم بغيابك، عوفي الكون يا سلطان وعوفيت الشارقة بكل أهلها وناسها وسكانها . عوفيت الشارقة بكل مدنها وشوارعها وحدائقها ومبانيها .

صحّت يا سلطان بصحتك الدنيا، وصحّت القلوب التي أحبتك خالصة لوجه الله محبة لا زيف فيها ولا نفاق ولا خوف ولا رياء، وهذا يقينك فينا جميعاً، وتآلفت قلوب وأرواح وسواعد اجتمعت على محبتك الخالصة حين انطلق صوت أحمد سالم بوسمنوه أنت حقاً ضمير الاتحاد، لترفع لك راية الحب والولاء والوفاء باسم أبناء ضمير الاتحاد لتلتف الشارقة بكل ما ومن فيها من دوائر ومؤسسات وأسر وأفراد ونساء ورجال وكبار وصغار حولهم، أبناؤك يا ضمير الاتحاد يحملون رسالة واضحة جلية مضمونها نحن مجموعة من شباب الشارقة الذين اجتمعوا على إحياء التوجيهات الإنسانية والاجتماعية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، كما اجتمعوا على حبه وتقدير مجمل أعماله، فللشيخ سلطان مواقف ومبادرات عديدة يعرفها البعض ويجهلها الكثير من الناس . وسموه ممن ينكر ذاته ولا يحب الأضواء والشهرة، لذا اضطلعت اللجنة بمهمة نشر سيرته وإنجازاته ومبادراته .

يا سلطان المجد والكرم، لقد كتب أبو الطيب المتنبي ميميته في سيف الدولة، ولو كان بيننا اليوم والتقاك لكانت ميميته هذه لك . نعم لقد سرق غيابك من الشمس نورها وأظلم الكون من هذا الغياب . لقد ولدت يا أبانا كبيراً وعشت نبيلاً وعظيماً، وتربعت على عرش قلوبنا كريماً عزيزاً، لم يعشك أحد مثل ما عشتك أنا . ما زلت أذكر عودتك من وقت لآخر من دراستك في القاهرة، وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري، حين كنا نتحلق حولك مساء . كنت تحدثنا عن مصر أم الدنيا وعن عبدالناصر وعن فلسطين، علمتني ما هي مصر، علمتني أن مصر هي شريان الأمة العربية، هذا الشريان المتدفق عروبة وعزة وكرامة، هذا الذي أبقى الدول العربية بقوة أمام كل المعتدين، هذه التي ظن البعض أنهم يملكون مقومات عظمتها، وحين فشلوا دسوا خناجرهم في خاصرتها، وهاهم يتفرجون على أزماتها، ويدهم ملوثة بدمها، بعدما تلوثت بدم فلسطين قبلها، ويدهم الأخرى تصافح أعداء الله وأعداء الإسلام وأعداء العروبة، وبقيت أنت مخلصاً لعروبتك .

عروبياً كنت وما زلت حد النخاع . لا يهمني من أي طريق بدأت كما ذكرت في كتابك سرد الذات، بعثياً كنت أم شيوعياً أم ماركسياً، الحكمة يا والدي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وأنت الأحق بها في هذا الزمن بعدما آتاك الله الحكمة (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَاب) (البقرة: 269)، حين قرأت هذه المرحلة في حياتك تذكرت كيف تقلب سيدنا إبراهيم من عبادة الشمس والقمر حتى وجد ضالته، ووجدت أنت يا والدي ضالتك، فهل أنت ضمير الاتحاد فقط؟ إنك والله ضمير العروبة حين بيعت الضمائر، فقاتل الله من باع وقاتل من اشترى .

سيدي الوالد الرحيم، لقد آتاك الله الحكمة وآتانا نحن قيادتك الحكيمة حين حملت بين جنباتك أمانة الدين في زمن أصبح فيه الدين غريباً، فطوبى لك وللغرباء، وكنت القابض عليه بقوة رغم اشتعال جمرته بين أصابعك، وكنت لنا به الحارس الأمين . لقد أخلصت بنصرتك لله وللإسلام حين تخبط العالم في دينه وعقيدته، وكنت كما قال رسول ملك الفرس لسيدنا عمر بن الخطاب عدلت فأمنت فنمت يا عمر، وما ينام قرير العين إلا من أعلى كلمة الله على كل كلمة وعدل وأحسن، وها هي شارقة الإيمان بقيادتك تحرسنا مآذنها وأذانها، وها هي شريعة الله تحمينا بتوجيهاتك المستمدة من القرآن والسنة، ووضعت القوانين التي تعيننا على العيش في دفء العقيدة والإيمان، وكنت العادل في أحكامك حين طبقت هذه القوانين على نفسك وبيتك والقريب قبل الغريب، فهل أنت ضمير الاتحاد فقط؟ إنك يا والدي ضمير الأمة الإسلامية، وحامي الثقافة والحضارة الإسلامية .

أنت يا سيدي ضمير الثقافة وحامي العلوم والتربية والفنون والتراث، ومن أراد المزيد فليطف بالشارقة، هذه الإمارة الجميلة التي تخطف الأرواح والقلوب لكل من يدخلها، ويستشعر دفأها . أرض يأخذك جمالها إلى أقدم المدن الإسلامية غرناطة الأندلس الحمراء، مدينتك الجامعية تعيد للقادم إليها كل صباح الجامعات الإسلامية والعربية العريقة .

هل أنت ضمير الاتحاد فقط؟ أنت ضمير التاريخ، ومفند الحقائق والأكاذيب على التاريخ العربي والإسلامي، حملت الحقائق بين ضلوعك وكفيك، عاهدت نفسك أن تكون أميناً عليها، شغلت بهذه الرسالة العظيمة وانكببت تمحص الكتب والمؤلفات وتكشف الأكاذيب وتسجل الحقائق، وأنت تعلم أن استحقاقك الرئاسة الفخرية للمؤسسة الدولية لتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين عام 2008 لم يكن تشريفاً وإنما تكليفاً، أنت تعيد التاريخ وتصنع تاريخاً جديداً من الحقائق .

أنت ضمير الحق والعدل والإنصاف، وناصر المرأة ونصيرها، هي الأم وهي الأخت وهي الابنة التي حملت نفسك على رعايتها وتربيتها، وكانت رفيقة دربك سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، الأم التي أحسنت اختيارها لتشاركك مسيرة عظيمة، وتحمل معك الجانب الآخر المرأة وهمومها وحاجاتها وكانت خير رفيقة، فكانت المخلصة والأمينة على رسالتك الإنسانية في هذه الحياة، ولو يعرفها العالم كما أعرفها أنا عن قرب لعرفوا أننا، نحن النساء، نحظى بالقدوة والمثل الأعلى في حياتنا بالسير على دربك ودربها . نعم حظينا نحن النساء منك بالإنصاف والتكريم، وأكبر شهادة على هذا التكريم كتابك صلة الأرحام، الذي سجلت فيه أسماء بنات الأسرة واحدة واحدة تقدمنا للعالم بكل فخر، وتوقف طباعة كتابك في اللحظة الأخيرة لتسجل أحد الأحفاد واسم أمه . فهل هناك أجمل وأروع من هذا الإنصاف؟

الضمير يا سيدي الوالد هو شريان الحياة الذي يتدفق فيه الدم ويبث الحياة في الجسد، وأنت ضمير الإنسانية في زمن فقد العالم إنسانيته، وأصبحنا في غابة تحكمها الحيوانات المفترسة، وحين تحيط بك الحيوانات المفترسة من كل اتجاه تبحث عمن ينتشلك من هذا الحصار، وليس أقوى من الضمير منقذ، وأنت الضمير المنقذ لنا يا والدنا .

لك يا أبانا كل المحبة والمودة والإخلاص والوفاء والولاء، ضمائرنا تتجه بوصلتها صوبك لأنك ضمير الإنسانية، نسير في خطاك ونهتدي بهداك، ونعاهدك أن نكون مع أبناء ضمير الاتحاد في رسالتهم العظيمة لخدمة الشارقة، رغم كل ما كتبت يعرف الجميع أنني لم أوفك حقك بعد، فدمت لنا سالماً معافى، فإِذا أنت سلمت يا سلطان فَكُلُّ الناسِ قَد سَلِموا .

لقد كتبت كل ما كتبت وأنا كلي فخر أنني من أبنائك، كتبت ما كتبت وكلي شرف وكرامة أنني ابنة أختك وأنت خالي . خطاك الشر يا سلطان . . خطاك الشر يا سيدي ووالدي وخالي . . خطاك الشر يا معلمي وأستاذي ومرشدي . . خطاك الشر والضر والسوء . . خطاك الشر يا فخر القواسم يا فخر أهلي وأجدادي العظام . . خطاك الشر يا فارس الكلمة وحارس التاريخ . . خطاك الشر يا حامي الدين والقيم والأخلاق . . خطاك الشر يا باني الشارقة عزها ومجدها وتاريخها ومستقبلها .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"