الوساطة الدولية ليست الحل في كتالونيا

02:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
آنا بالاسيو*

في مساء يوم 10 أكتوبر/‏تشرين الأول، وقف الرئيس الانفصالي لكتالونيا، كارليس بيغديمونت، أمام البرلمان الإقليمي؛ لإلقاء ما كان متوقعاً أن يكون خطاباً انفرادياً يُعلن فيه عن الاستقلال؛ لكنه لم يقدم جواباً قاطعاً. وعلى الرغم من تأكيده «احتمال أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة على شكل جمهورية»، اقترح «تعليق الإعلان عن الاستقلال، وإجراء محادثات في الأسابيع القادمة».
وأدى الخطاب إلى طرح أسئلة أكثر من إعطاء أجوبة؛ لكن ذلك كان صلب الموضوع. لم يكن بيغديمونت يخاطب المتظاهرين المناهضين للاستقلال في شوارع برشلونة، أو المواطنين الإسبان عموماً؛ بل كان يتحدث إلى المجتمع الدولي. وكما هي الحال مع زملائه الانفصاليين الكتالونيين، يعرف بيغديمونت أن فرصة الحركة الوحيدة للمضي قدماً تكمن في التدويل.
ومنذ أن أجرت الحكومة الإقليمية الكتالونية استفتاء غير قانوني حول الاستقلال في فاتح أكتوبر، دعا زعماؤها الانفصاليون والمتعاطفون معهم مراراً إلى الوساطة الدولية في مواجهتهم مع الحكومة الإسبانية. والهدف، الذي يجسده بيغديمونت في خطابه، هو جعل كتالونيا تبدو سمحة، من أجل استمالة المجتمع الدولي وجعله في صفها.

إن الدعوة إلى الحوار- مثل طلب أنيق وبسيط، يتلاءم بدقة مع تغريدة من 140 حرفاً - تتجاوب مع الكثير من وسائل الإعلام الدولية والمجتمع الأوسع المعروف ب «المجتمع الدولي». كما دعا الحكماء الدوليون، بمن فيهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان وزميله الحائز جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو إلى الحوار في مواجهة الفوضى والارتباك، ما الخطأ في الحديث؟
الجواب، بالطبع، لا شيء. فالديمقراطية تعتمد أساساً على الحوار. وفي جوهره، فإن النظام الديمقراطي هو ببساطة إطار قانوني - يدعمه دستور - يسهل المناقشة وحل النزاعات. وهو ليس نموذجاً ثابتاً. إذا كان هناك مشاكل مع النظام، يمكن تغيير الدستور، على الرغم من أن هذا لا يمكن القيام به بشكل طائش. إن الديمقراطية عمل شاق؛ حيث تتطلب الإقناع والتحالفات والتسوية؛ لكن، طالما أن المجتمع يؤمن بها، فإنها ستحقق النجاح.
فعندما يتم دفع الحوار إلى ما هو أبعد من الحدود الدستورية للنظام، تنشأ المشكلة. وليست هناك حاجة للمشاركة في العملية الديمقراطية، إذا أمكن للمرء أن يتحايل ببساطة على قواعدها الأساسية. ومع كل الاحترام الواجب لعنان وتوتو، هذا هو ما ستؤول إليه الوساطة الخارجية - وسوف تهدد بشل الديمقراطية الإسبانية.
ولهذا ينبغي أن يقاوم العالم - وخاصة أوروبا - دعوات الانفصاليين الكتالونيين إلى الوساطة الدولية. مستقبل سيادة القانون والديمقراطية الدستورية في إسبانيا - وأماكن أخرى - رهين بذلك.
ما يحدث في كتالونيا هي مشكلة تهم الأمة الإسبانية، وعلى وجه الخصوص، المجتمع الكتالوني المنقسم. وبينما تُعد إسبانيا ديمقراطية شابة نسبياً، فهي أيضاً ناضجة، بعد أن واجهت العديد من التحديات خلال 42 عاماً منذ وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو. ويجب أن نسمح بنجاح نظامها القوي والفاعل.
والخبر السار هو أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، حتى الآن، اتخذوا هذا الموقف بالتحديد. رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التدخل الأوروبي، معلناً أن ذلك «سيعطي أولئك الذين لا يحترمون سيادة القانون حجة مقنعة».
وعلى الصعيد الأوروبي، حث رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، بيغديمونت على «احترام النظام الدستوري»، على الرغم من بعض البيانات الغامضة حول الموضوع.
وقد أعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز، أن السلطات الإقليمية الكتالونية «اختارت تجاهل القانون» وأنه إذا تمت إزالة أحد الركائز الثلاث للمجتمعات الأوروبية - «الديمقراطية واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان» - فإن البلدان الأخرى ستنهار أيضاً.
ولكن الضغط من أجل التدويل - أو على الأصح «إعطاء طابع أوروبي» للمشكلة - سوف يزيد من استمرارية الأزمة. إن القادة الانفصاليين الكتالونيين أذكياء ومثقفون إعلامياً. وهم يعرفون أن مشاهد العنف، أو حتى الجمود الذي طال أمده، سيضعف عزم القادة الأوروبيين على عدم الانخراط. وهم يعرفون أيضاً أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحكومي لا تعتبر إسبانيا ضعيفة.
على القادة الأوروبيين ألّا يستسلموا لهذا الإغراء. إن الاتحاد الأوروبي، في جوهره، يستند إلى القانون. إن إضعاف دولة القانون والديمقراطية سيشكل لعنة لزعمائها. وينبغي أيضاً أن يكون مقلقاً للدول الأعضاء التي تواصل حماية سيادتها وحقوقها.
وعلى نطاق أوسع، إذا سُمِح للديمقراطية في إسبانيا، في قلب أوروبا الغربية، أن تَضعُف بشكل كبير، كذلك بالنسبة للديمقراطية في كل مكان. ومع ذلك، إذا فُسح المجال لإسبانيا لإيجاد حل للتحدي الذي تواجهه، سيعاد تعزيز سيادة القانون. بالنسبة لأولئك الذين يدعون أنهم أبطال الديمقراطية الليبرالية، فإن تعطيل تلك الإمكانية هو أمر غير مسؤول، ويُعد نفاقاً.

* وزيرة خارجية إسبانيا سابقاً ونائبة الرئيس السابق للبنك الدولي، وعضو في مجلس الدولة الإسباني، والمقال ينشر بترتيب مع
«بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"