فرصة أوروبا في 2018

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
آنا بالاسيو*

لقد أصبح من قبيل الابتذال أن نعلن في كل ديسمبر/‏‏كانون الأول أن العام المقبل سيكون حاسماً بالنسبة للاتحاد الأوروبي. والنمط معتاد ومألوف؛ حيث ينتظر أوروبا 12 شهراً من الاضطرابات، المدفوعة بأحداث لم تكن مستعدة لها، فترد باستجابات غير مدروسة، وتعلن عزمها معالجة القضايا البنيوية الأعمق. ثم يصل العام التالي، ومرة أخرى تطغى الأحداث على أوروبا فتربكها، وتصبح عالقة مرة أخرى في وضع الاستجابات القصيرة الأمد للأزمات. فهل يكسر عام 2018 هذا القالب؟
ليس الأمر أن الأفق خال من أي أزمة على حدود أوروبا فحسب؛ بل وعلى الرغم من النمو الهزيل، تبدو التوقعات الاقتصادية مستقرة أيضاً. والأمر الأكثر أهمية هو أن الانتخابات في الاقتصادات الأوروبية الثلاثة الأكبر حجماً في عام 2017 لم تنتج المزيد من التمردات الشعبوية. فالآن تحظى فرنسا برئيس مؤيد لأوروبا في شخص إيمانويل ماكرون؛ وفي ألمانيا ينشأ ائتلاف كبير مؤيد لأوروبا؛ كما تمكنت القيادة البريطانية، على الرغم من انقسامها العميق، من الاتفاق مع شركائها في الاتحاد الأوروبي على مشروع الطلاق، الذي يخدم كمنصة للمفاوضات المتواصلة. وإيطاليا هي الدولة الوحيدة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي التي من المقرر أن تعقد انتخابات في عام 2018.
الآن تواجه أوروبا فرصة ذهبية سانحة لتأكيد أسبقية صنع السياسات في الأهمية لأي ممارسات سياسية، وملاحقة الإصلاحات التي تحتاج إليها؛ لإرساء الأساس لمستقبل أكثر ازدهاراً وأماناً وديناميكية. ولا يملك أحد ترف إهدار الوقت: فالآن بدأ 2019 يتشكل بالفعل بوصفه عاماً معقداً؛ حيث من المقرر أن يشمل انتخابات أوروبية، وتعيين مفوضية أوروبية جديدة، فضلاً عن حلول الموعد النهائي لاتفاق الخروج البريطاني.
وهذا يعني أن أوروبا أمامها 12 شهراً لإحراز التقدم في ما يتصل بمجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الدفاع المشترك، والتجارة، وإنشاء اتحاد الطاقة، وإصلاح اتفاقية شينجن، وإقامة الاتحاد المصرفي؛ لكن الجهود المتضافرة تشكل أهمية خاصة في ثلاثة مجالات - أحدها داخلي، والثاني إقليمي، والثالث عالمي - على مدار العام المقبل.
يتلخص المجال الأول في ضرورة إحراز تقدم ملموس في بناء السوق الرقمية الموحدة. في عام 2015، أطلق الاتحاد الأوروبي «استراتيجية السوق الرقمية الموحدة»؛ بهدف دفع عجلة القطاع الرقمي في أوروبا.
يتعلق المجال الثاني بعلاقة أوروبا بإفريقيا؛ فقد أبرزت أزمة الهجرة ارتباط مستقبل القارتين على نحو لا ينفصم - ومدى انعدام فاعلية السياسة التي تنتهجها أوروبا في التعامل مع إفريقيا حتى الآن. الواقع أن سجل أوروبا حافل بوعود تغيير النهج الذي تتعامل به مع إفريقيا - وكسر هذه الوعود.
الخبر السار هنا هو أن هناك من الأسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن مثل هذا التغيير، وإقامة علاقة مثمرة وموجهة نحو تحقيق النتائج، ربما يكون وشيكاً أخيراً. فالآن أصبح لدى أوروبا مصلحة واضحة في هذا الصدد: فما لم تعمل على خلق الفرص؛ لتثبيت استقرار الحكم في إفريقيا، فسوف تستمر الضغوط التي تفرضها الهجرة وتزداد حدة وقسوة. وقد أثبتت المصلحة الذاتية في كثير من الأحيان كونها حافزاً أقوى كثيراً من الإيثار.
ويتطلب تحقيق النجاح التحول بعيداً عن نهج الماضي الأبوي وتأكيد التعاون المتكافئ. فمن الأهمية بمكان أن تعمل إفريقيا وأوروبا معاً، وعلى قدم المساواة؛ لتجاوز الحلول القصيرة الأمد التي تركز على منع تدفقات الهجرة، واعتماد نهج يعالج أسبابها الجذرية بما في ذلك سوء الإدارة في المقام الأول.
يتمثل المجال الثالث في العمل نحو إحراز تقدم ملموس في عام 2018 في ما يتصل باستعادة دور أوروبا كرائدة عالمية في إدارة السياسة المناخية. والواقع أن الاحتفال المناخي الصاخب الذي اختتمه ماكرون للتو بعث برسالة إيجابية؛ لكنه أكد أيضاً الرغبة، وخاصة بين دوائر مجتمع الأعمال، في تولي قدر أكبر من الزعامة العالمية في مجال العمل المناخي في وقت تتجنب الولايات المتحدة التعاون الدولي، وخاصة في ما يتعلق بالمسائل البيئية.

*وزيرة خارجية إسبانيا وكبيرة نواب رئيس البنك الدولي سابقاً، وعضوة مجلس الدولة الإسباني،
 والمقال ينشر بترتيب مع
«بروجيكت سنديكيت».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"