اليوم العالمي للصحافة

04:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو مسمى متفائل، ومجاز مرسل على اعتبار ما قد يكون، تتحفنا منظمة "فريدوم هاوس" غير الحكومية، وهي غطاء مناسب لأشياء كثيرة أكثر من حكومية، بأن حرية الصحافة في العالم تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات . هذا بالخطوط العريضة، أما التفصيل فتؤكد أن 14 في المئة فقط من سكان العالم يصلون إلى صحافة "حرة"، وهذا يساوي شخصاً واحداً من أصل سبعة . التفصيل يقول كذلك إن 44 في المئة من سكان العالم يعيشون في مناطق لا تتمتع فيها الصحافة ب "الحرية"، و42 في المئة يعيشون في مناطق تتمتع فيها وسائل الإعلام ب "حرية جزئية" .
من نافل القول أن صحافة الحرية المطلقة تمتلك من حيز الوجود الواقعي ما تملكه "المدينة الفاضلة" . الصحافة لا تكون حرة في مجتمع طبقي كما هي المجتمعات الصناعية الكبرى، مهما سمّت هذه الصحافة نفسها وساقت من ادعاءات، ذلك أن حرية الثرثرة ليست هي الحرية الحقيقية التي تكون فيها حرية الكلمة انعكاساً لملكية الشعب لوسائل الإنتاج المادي والفكري، بما فيها وسائل الإعلام . لكن حتى بعيداً عن هذه الصورة المفقودة عموماً، وبالمعايير الدارجة لحرية الإعلام، فإن هذه الحرية لا وجود لها إلا بالمعنى النسبي، وبالمنسوب الذي يبقي على معادلات المجتمع الرأسمالي قائمة، من حيث خدمة هذه الوسائل لآلية الاستغلال القائمة، إنما في إطار مقنّن تحوله ماكينة الإعلام إلى جزء من واقع ونمط حياة .
لا يضاف جديد إذا قيل إن العالم العربي يعاني كثيراً من ناحية الحرية الإعلامية، وهذه الحالة لها أسبابها الكثيرة التي لا تلامس سقف المبررات بطبيعة الحال، بقدر ارتباطها بالسياق التطوري ذاته للمجالات الأخرى، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية . لكن محللاً سياسياً عربياً (بالمعنى المجازي) لم يتوقف طيلة حلقة حوارية في إذاعة غربية، عن الاستشهاد ب "عدوّنا" واصفاً إياه ب "الديمقراطي" الذي يتمتّع ب "حرية الإعلام" . هذا المحلل السياسي (العربي) لم يزر فلسطين المحتلة، ولا نريده أن يزورها تحت الاحتلال، وهو لم يشهد بأم عينه ما يفعل المحتلون بكل من تتحرك قدماه على الأرض الفلسطينية، سواء كان فلسطينياً أو عربياً أو أجنبياً، مواطناً أو صحفياً . ولو اطلع على ما يجري هناك، لعرف أنه في العام الماضي، ارتكبت سلطات الاحتلال ألفاً وستمائة انتهاك بحق الصحفيين الفلسطينيين، ولعرف أيضاً أن الصحافة "الإسرائيلية" نفسها تخضع للرقابة الاستخبارية، وفي كثير من الأحيان تمنع من نشر أخبار وتقارير ومعلومات، تحت ذريعة مساسها ب "أمن إسرائيل" .
مهما يكن من أمر، ستبقى المنظمات المعنية بحرية الصحافة تتحدث عن انتهاكات على مستوى العالم، لأن الأساس السياسي المعطوب لن يفرز مظاهر صحية على مستوى الصحافة، وسيبقى هناك من يخاف من الحقيقة . لكن الإعلام نفسه ليس كلّه بريئاً من ارتكاب الانتهاكات بحق السياسيين والجمهور . ومثلما أن الانتهاكات بحق الإعلام في العالم العربي مرتفعة، فإن انتهاكات بعض وسائل الإعلام مرتفعة أيضاً، فهي لا تكتفي بتشويه الحقيقة أو تركيبها على أهداف مسبقة، إنما دخل هذا البعض على خط صب الزيت على نار الفتنة، التي قد تحرقها هي نفسها ذات يوم .

أمجد عرار
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"