انتخابات العراق والدم

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
يستطيع العراقيون أن يعتبروا أنهم طووا صفحة يوم انتخابي كان محفوفاً بالمخاطرة من كل نوع . فالتهديدات الأمنية في هذا البلد لم تكن لتتيح لأشد الناس تفاؤلاً أن يتوقّعوا مشاركة أكثر من نصفهم في الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية منذ الانسحاب العسكري الأمريكي نهاية عام 2011 . وقد عكست هذه المشاركة الواسعة نسبياً رغبة حقيقية وأملاً في أن تنتشل هذه الانتخابات بلادهم من الحالة المزرية التي وضعه فيها الاحتلال والتداعيات التدميرية .
ما هو التغيير الذي يرنو إليه شعب مزقته الحرب والفتن الطائفية والمذهبية وشردت الملايين وخلفت وما زالت تخلف قتلى وجرحى ومشردين؟ . عندما يكون خطر الموت قريباً وداهماً، يكون تحدي الحياة على رأس التحديات . يأتي بعد ذلك حق الحياة الكريمة والمسكن والمأكل والملبس والصحة والتعليم والحركة والاتصال . ولكي يحدث تغيير يلامس هذه القضايا، يجب أن يصار إلى تغيير سياسي جذري يقطع الجذور مع الواقع الذي فرضه الاحتلال والتدخّلات الخارجية .
من الواضح جيداً أن نوري المالكي يسعى لولاية ثالثة على رأس الحكومة، وتمنحه التوقّعات حظاً أوفر للفوز، لكن ليس بالعدد الذي حصل عليه في الانتخابات السابقة، وليس بأغلبية تجعله قادراً من خلال قائمته وحدها على تشكيل أغلبية كافية لولاية ثالثة، علماً بأن كثيراً ممن كانوا معه في الانتخابات السابقة انفضّوا من حوله في هذه الانتخابات .
ليس من اللياقة أن يطلب كاتب أو صحفي من المالكي أن يكتفي بولايتين، طالما أن الدستور يسمح له بذلك، كما أن من يدعو لعدم التدخل الخارجي ينبغي له ألا يتدخّل، ولو بالكلام . لكن من حق العراقيين أن يطووا صفحة كتبتها دبابات الاحتلال ومهرها بريمر بتوقيعه الاستعماري . من حقهم وواجبهم تحويل الانسحاب العسكري إلى انسحاب سياسي واجتماعي، بحيث يستعيدون استقلالهم عن أي طرف خارجي، دولي أو إقليمي، وأن تنتهي إلى غير رجعة كل التدخّلات الهدامة في شؤون بلادهم .
الحلقة المركزية التي ينبغي التركيز عليها هي استعادة العراقيين لمواطنتهم وتبخير الولاءات غير الوطنية . لقد ثبت أن نظام المحاصصة مدمّر لكل العراقيين، وأن المستفيدين منه هم أمراء الحرب والمليشيويون والفتنويون الطائفيون في الداخل والخارج . إذا ترك الأمر للطبقة السياسية التي أتت على ظهر دبابة أمريكية أو بريطانية، فإن هذه الطبقة ستقف سداً منيعاً أمام كل تغيير، وستدافع بأظافرها وأسنانها عن الامتيازات التي وفّرها لها الاحتلال والطريقة الاستعمارية التي لا يمكن أن تؤسس لتغيير يصب في مصلحة الشعب، بدليل أن تجربة الاستعمار التي نجحت في تحقيق أهدافه في العراق، يجري تنفيذها في غير بلد عربي، وبنفس الوسائل (الفتن) .
العراق بلد الشهداء والثورات والثقافة وألوان الفنون، لديه شعب عركته الحياة، وقد عاش قروناً في لحمة ووئام واندماج، وتصاهرت طوائفه وأعراقه عبر التاريخ، وهو قادر على إقامة جبهة حصينة من المواطنة وحصر الانتماء للوطن وعدم الاصطفاف خلف الطائفيين . هذا الشعب الذي يعضّ على الجراح قادر على كنس أمراء الحرب في طبقته السياسية، وأن يؤسس لمستقبل لا يرهن حياة الشعب بأيدي الموتورين وصنّاع الفتن، وإلا ما قيمة سفينة الانتخابات إن كانت تمخر بحراً من الدم؟ .

أمجد عرار
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"