أهمية التخطيط

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

التخطيط أساس التنمية الفردية والجماعية، المؤسساتية والحكومية، ويعكس الوعي بتراكم الإنجاز، ويعد تقويماً للواقع والحيثيات والكفاءات والخبرات، ورؤية علمية للمستقبل، تختبر الماضي والحاضر، وتضيف إليه الأهداف والطموحات، ضمن خطط يتم تقسيمها زمنياً وعلى مراحل؛ بحيث تحمل كل مرحلة سيناريوهات عمل وخطط بديلة.
 والعملية تشبه إلى حد كبير استراتيجيات عمل فريق كرة القدم؛ من حيث التدريب والاستعداد، ووضع الخطط المرنة، وفي ترجمتها على أرض الملعب يتم اختبارها، ووفق الأداء يتم استبدال اللاعبين، وربما خطط الهجوم والدفاع. وهذا الاستبدال تقتضيه سرعة تحقيق الأهداف، لهذا، لا خطط نهائية في التفكير الاستراتيجي، مع تأكيد ثبات الأهداف الكبرى والرسالة والرؤية، وهي مفردات عريضة تتسع لحركة دائمة، لا تضر بالمسار العام والأهداف الشمولية.
 لعل أهم مجال يتطلب التركيز فيه على التخطيط بمفهومه السابق هو مجال التعليم، فالمناهج ليست مقدسة، وكذلك طرائق التعليم، حتى الأهداف تتغيّر بين فترة وأخرى، وفق تغيّر الوعي والمستجدات العلمية والفتوحات في العلوم الإنسانية والتطبيقية. فما كان صالحاً في مجال التعليم قبل ثلاثين عاماً قد لا يصلح الآن، لأن الوعي الطلابي، الذي أسهمت فيه ثورات التكنولوجيا والاتصال والمعلومات، لم يعد يشبه الوعي الطلابي قبل انتشار الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، وطرائق التعليم قبل خمسين عاماً لم تعد صالحة للعصر التكنولوجي والرقمي والذكاء الاصطناعي. فمن كان يفكّر، مجرّد التفكير، بالتعلّم عن بُعد، والحصول على مؤهلات جامعية عن بُعد؟ 
 والأمر ذاته ينطبق على العمل الفكري والسياسي والاقتصادي، من كان يفكر بعقد مؤتمر باستخدام تقنيات الفيديو؟ وحتى أنماط الوظائف وأنواعها وطريقة القيام بمهامها تغيّرت، هناك مسمّيات جديدة، ووظائف جديدة طبقاً للمستجدات التي طرأت في أماكن العمل، وفي مستوى الأداء؛ بل في جوهر العمل الوظيفي، الإداري والعلمي. وعلى سبيل المثال، أصبح الإنسان الآلي يجري عمليات جراحية دقيقة وناجحة ونظيفة، ويمكن القياس على هذا في جميع مجالات العمل والحياة المهنية؛ بل والاجتماعية.
 إن الأخذ بالحداثة لا يعني التنكّر لمجهود الماضي وإنجازاته؛ بل إن الحداثة الحقيقية هي التي تستلهم الماضي بإنجازاته، وتعمل على تحديث ما يجب تحديثه، وترك ما يجب تركه، في سبيل الحصول على نوعية متقدّمة، ولهذا، لا نستطيع اتهام تعليم (الكتاتيب) مثلاً بالتخلّف، لأنه أسس لشريحة معيّنة من الرجال المتعلّمين، الذين قادوا المسيرة التعليمية وطوّروها، ويمكن النظر إليهم على أنهم الأصل. 
 وفي عملية التخطيط، لا بد من دراسة مراحل التعليم كافة، ابتداء من (الكتاتيب) وصولاً إلى مرحلة التعلّم عن بُعد، ومقارنة ذاك بهذا، وإعطاء كل مرحلة قيمتها، فلا نضع المرحلة القديمة في المتحف، وإنما في الوعي الجمعي الثقافي، حتى يكتسب التعلّم عن بُعد معناه الحقيقي الذي يمكن البناء عليه، والمحافظة على منظومة القيم، في احترام المعلم وقيمته.
 أعتقد جازماً بأن الأهل يجب أن يشاركوا في عملية التخطيط، وأن يقدّموا مقترحاتهم لإدارات المدارس، خاصة في ما يتعلّق بالوعي الطلابي، وكيفية تطويره واستثماره، وتبدو هذه المسألة مُلحة ونحن على أعتاب العطلة الصيفية للمدارس والجامعات؛ إذ يجب أن يكون التخطيط مختلفاً، ويحمل في طياته أهدافاً لا تقل عن أهداف العملية التعليمية، ويجب إعطاء الطالب الحق في المشاركة في التخطيط لإجازته؛ بحيث تكون استمراراً للفصل التعليمي، إضافة إلى توفير بعض الترفيه، وهنا على الأهل أن يتنازلوا عن الخطط التقليدية لللإجازة الصيفية، وأن يتجنّبوا الرحلات الانفرادية والتمسّك بالرحلات الجماعية؛ حيث هنالك مدير إداري وآخر تعليمي وآخر للأنشطة الترفيهية، ولا بد أن تصب جميعها في جعل الإجازة خبرة تضاف إلى الخبرات الصفّية.
 المجال التعليمي والإجازة هما نموذجان لفكرة التخطيط الأسمى، الذي وإن اتّسم بشيء من المثالية والتنظير، إلا أنها ضرورية للحياة المعاصرة، بما تحمله من أعباء معيشية، ومواكبة للمستجدات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"