الاستثمار السياسي للهجرة في أوروبا

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

تواجه أوروبا مشكلة مزدوجة مع ظاهرة الهجرة، فهناك صراع وتوتر مجتمعي متصاعد بشأن هذه الظاهرة من جهة، وهناك، في السياق نفسه، توظيف سياسي لها من جهة أخرى؛ وقد عاد مؤخراً ملف الهجرة، بكل تفاصيله وأبعاده، إلى واجهة الأحداث في القارة العجوز بعد مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون مثير للجدل يضع قيوداً غير مسبوقة على الهجرة إلى فرنسا، بالتوازي مع إقرار الاتحاد الأوروبي لاتفاق وصف بالتاريخي، يتعلق بإجراء إصلاح واسع لسياسة الهجرة في دول الاتحاد، في محاولة من الدول الأوروبية الموازنة بين حاجتها الملحة ليد عاملة شابة، وذات مؤهلات عالية، والخوف المتزايد لقسم كبير من الأوروبيين من الأجانب، بخاصة أولئك القادمين من الدول العربية والإسلامية.

وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن ظاهرة الهجرة مرشحة في السنوات المقبلة لأن تأخذ أبعاداً أكثر خطورة، وأكثر تأثيراً في الدول الوطنية، فبعد أن كانت الهجرة تمس نحو 2,5 من سكان العالم خلال السنوات الماضية، فإن الظاهرة تفوق الآن ما نسبته 3 في المئة من سكان المعمورة، نتيجة لانتشار الحروب وانعدام الاستقرار وارتفاع مستويات الفقر، إضافة إلى التحولات البيئية الناجمة عن ارتفاع حرارة الأرض.

ويمكن القول إن القرن الماضي، اعتبر من طرف الكثير من الباحثين، قرن الهجرة بامتياز، بعد أن أصبح الانتقال للعيش في دول ووسط اجتماعي وثقافي جديد ظاهرة عالمية، الأمر الذي جعل أحد المؤرخين الأمريكيين يصف القرن العشرين ب«القرن اليهودي»، للتأكيد أن الترحال الذي كان يُميّز سلوك الأقليات الدينية والعرقية مثل الأقليتين اليهودية والأرمينية، أصبح يمثل ثقافة ونمط عيش عالميين، وبدأت الدول تأسيساً على ذلك، بإعادة تعريف الانتماء الوطني بناء على منطلقات سياسية وتشاركية داخل المجتمع، وليس اعتماداً على الانتماء الديني والعرقي، وأضحى من ثم، لمفهوم الثقافة دلالات أكثر اتساعاً وانفتاحاً.

ومن الواضح أن قسماً كبيراً من المجتمعات الأوروبية بات يتعامل مع الهجرة بكثير من التشنج والعنصرية، بخاصة مع ازدياد نشاط الأحزاب اليمينية المتطرفة، وانتشار السلوكات الشعبوية بين السكان الأصليين؛ وغالباً ما يتم ربط المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للدول الأوروبية بملف الهجرة، كأن المهاجرين -لاسيما المسلمين منهم- مسؤولون عن كل الأزمات التي تعرفها المجتمعات الأوروبية.

وأخطر ما أصبح يميّز الحديث عن الهجرة والمهاجرين في أوروبا، هو التوظيف السياسي المبالغ فيه لهذا الملف؛ ويعتبر النقاش الذي دار مؤخراً، في فرنسا حول قانون الهجرة الجديد، خير مثال على ذلك، فالرئيس الفرنسي الذي انتخب لولاية رئاسية ثانية من أجل وقف زحف اليمين المتطرف، أخلّ بالتفويض الشعبي الذي مُنح له وتبنّى – من خلال قانون الهجرة الجديد- معظم الأطروحات المتطرفة التي كانت تدافع عنها زعيمة التجمع الوطني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/c76y4fr8

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"