أستراليا بين الجاذبية والمعاناة

22:32 مساء
قراءة 4 دقائق

روس ستيت*
لسنوات عديدة، تجاوز صافي هجرة النيوزيلنديين عبر بحر تسمان إلى أستراليا 20 ألف مهاجر سنوياً، وبلغ العدد ذروته عام 2012 مع ما يقرب من 44 ألفاً. لكنه عاد وانخفض بشكل كبير في الفترة ما بين 2014 و2020.

ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أعداد المهاجرين من نيوزيلندا إلى أستراليا مرة أخرى، لتبلغ أكثر من 17 ألف شخص بين عامي 2022 و2023. فما الذي يجذب المزيد من بلد الكيوي إلى أرض الكنغر الشاسعة؟

يقول محللون إن الأمل بالحصول على وظائف أفضل أو أجور أعلى، فضلاً عن انخفاض أسعار المنازل، من أهم الفوائد التي ستظل عوامل جذب على المدى المتوسط ومحدداً أساسياً للهجرة عبر بحر تسمان. ولكن ذلك يرتبط إلى حد كبير بالإنتاجية والأداء الاقتصادي النسبي، خصوصاً أن أستراليا لديها تحدياتها الخاصة مع بدء العام الجديد.

وأشارت التوقعات الاقتصادية والمالية لمنتصف العام إلى نمو مؤشر أسعار المستهلكين في أستراليا بنسبة 3.75% حتى 30 يونيو/حزيران 2024. والأهم من ذلك، أن أحدث الأرقام الصادرة عن معهد ملبورن سجلت انخفاضاً مستمراً في توقعات التضخم للمستهلكين الذي بلغ ذروته.

وأسعار الفائدة هي أيضاً عند ذروتها أو بالقرب منها. وينقسم المحللون حول ما إذا كان المركزي الأسترالي سيرفع سعر الفائدة للمرة الأخيرة.

ومع ذلك، هناك إجماع على أن البنك سيبدأ بخفض الأسعار في وقت لاحق من هذا العام، أو مطلع العام المقبل. ورغم أن ارتفاع أسعار الفائدة على مدى العامين الماضيين كانت له عواقب وخيمة على بعض المقترضين، فإن النبوءات الرهيبة بشأن «هاوية الرهن العقاري» لم تتحقق.

وفي السياق ذاته، لعب سوق العمل الأسترالي «المرن»، والأجور الحقيقية التي بدأت تنمو من جديد، دوراً مهماً في الحفاظ على التوازن الاقتصادي للبلاد، في وقت لا تزال البطالة عند مستويات منخفضة تاريخياً على الرغم من ارتفاع معدلات الهجرة. ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات، بلغت نسبة البطالة في أستراليا 3.8% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن التوقعات تشير إلى أن النسبة سترتفع إلى 4.25% هذا العام، وستبلغ ذروتها عند 4.5% في عام 2025.

ورغم انخفاضه على أساس نصيب الفرد العام الماضي، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي في أستراليا معقولاً في الآونة الأخيرة مقارنة ببلدان مماثلة، ومدفوعاً في المقام الأول بصادرات التعدين (المنقذ الدائم للبلاد). لكن بالنظر إلى المستقبل، فإن القراءات ليست ملهمة إلى حد كبير. حيث إنه من المتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.75% فقط في السنة المالية الحالية، ثم ترتفع النسبة إلى 2.25% في عام 2025. ومرة أخرى، سوف تساهم صادرات التعدين بقدر كبير من هذا النمو.

وتستمر الموارد الأرضية بتقديم الهدايا للاقتصاد الأسترالي من خلال تعزيز فائض ميزانية الحكومة العام الماضي، ويبدو أنها في الطريق الصحيح لتكرار ذلك هذا العام. إلا أن الإيرادات غير المتوقعة الناتجة عن خام الحديد والفحم والذهب والغاز، قد لا تكون كافية لإنقاذ الميزانية الأسترالية على المدى المتوسط، في وقت تتزايد فيه الضغوط على جانب الإنفاق مثلما هي الحال في نيوزيلندا.

وتشمل هذه الضغوط خدمة الديون المستحقة خلال جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة رعاية السكان المسنين. كما أن هناك بندين آخرين يلوحان في الأفق في الميزانية الأسترالية، وهما الدفاع والخطة الوطنية للتأمين ضد العجز.

من المتوقع أن يبلغ إنفاق أستراليا على قطاع الدفاع أكثر من 50 مليار دولار العام الحالي، مع متوسط نمو سنوي يتجاوز 6% خلال العقد المقبل. كما التزمت البلاد بإنفاق مئات المليارات من الدولارات لشراء غواصات تعمل بالطاقة النووية. والمفارقة هنا، أن قسماً كبيراً من الإنفاق الدفاعي الأسترالي موجه نحو التهديد المتصور الذي تمثله الصين، في حين يتولد قسم كبير من الإيرادات لتمويل هذا الإنفاق من الصادرات المتوجهة إلى الصين نفسها.

علاوة على ذلك، لدى أستراليا قصة سيئة لترويها عن الإنتاجية. إذ شهدت الفترة منذ عام 2000 تراجعاً مقلقاً في نموها، ولم تفعل الحكومة الأخيرة الكثير لعكس هذا الاتجاه المشؤوم باستثناء إدخال ضريبة السلع والخدمات في ذلك العام، كما لم يكن هناك أي إصلاح اقتصادي كبير للفترة ما بين 1983 و1996.

وفي العام الماضي، أصدرت لجنة الإنتاجية الأسترالية تقريراً بعنوان استقصاء الإنتاجية لمدة 5 سنوات، موضحاً النمو الحاصل في العقود الستة الماضية. ويؤكد تقرير حديث آخر بعنوان «حواجز التعاون والتسويق»، الصادر عن «إندستري إنوفيشن آند ساينس أستراليا»، على مشكلة الإنتاجية وكذلك عدم وجود تعقيد في الاقتصاد الأسترالي، مستشهداً كذلك بتحليل مثير للقلق من مختبر النمو بجامعة «هارفارد».

ويقارن هذا التحليل مستوى التعقيد الاقتصادي، وهو مقياس شامل للقدرات الإنتاجية، عبر مجموعة من البلدان. ويشير إلى أن أستراليا أقل تعقيداً من المتوقع بالنسبة لمستوى دخلها. وهذه طريقة مهذبة للقول إنه بالمقارنة مع الدول المتقدمة المماثلة، فإن أستراليا المحظوظة تعتمد بشكل كبير على استخراج الأشياء من الأرض، لكنها تفتقد لوجود نشاط تصنيعي ذي قيمة مضافة أكثر تطوراً. والنتيجة بالنسبة لكانبيرا، هي أنه من المتوقع أن يتباطأ نموها الاقتصادي أكثر.

ختاماً، هل يهتم معظم النيوزيلنديين الذين يفكرون في الهجرة إلى أستراليا بمثل هذه التطورات على المدى المتوسط، أم تركيزهم لا يزال منصباً فقط على معدلات الأجور الحالية وأسعار المنازل؟

* كاتب مستقل حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية «إنترست دوت كوم»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/39frk95x

عن الكاتب

كاتب مستقل حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية «إنترست دوت كوم»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"