مأزق العدالة الدولية

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

هل تتحقق العدالة الدولية على أنقاض ما لحق غزة من قتل ودمار، أم يستمر ارتكاب الجرائم والخروقات بمنطق العدالة المؤجلة؟

شكّلت العدالة مطلباً إنسانياً ملحاً على امتداد التاريخ الإنساني كمدخل لترسيخ احترام القوانين وتعزيز السلام والأمن. وعلى المستوى الدولي، ومع تطور المجتمعات برزت الكثير من المبادرات الرامية لإرساء قضاء يدعم المساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في هذا الصدد وما تمخض عنها من مكتسبات تجلت في إحداث عدد من المحاكم الدولية، فقد ظلت هناك الكثير من الصعوبات التي تعرقل تحقيق العدالة الدولية المنشودة.

كان للأزمات والنزاعات والحروب الكبرى التي مرّ بها العالم في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أثر كبير في إنضاج فكرة تشكيل مؤسسات دولية سياسية واقتصادية وقانونية، توكل إليها مهمة التنسيق بين الدول في مختلف المجالات وتثبيت السلم والأمن الدوليين.

وفي هذا السياق، أُحدثت المحكمة الدائمة للعدل الدولي التي تمثل أول محكمة دولية دائمة بموجب البند العاشر من عهد عصبة الأمم، حيث رأت النور بمقتضى بروتوكول سنة 1921، وأسهمت بشكل ملحوظ في إثراء القانون الدولي عبر إصدارها مجموعة من الأحكام القضائية والآراء الاستشارية. وبعد انهيار عصبة الأمم، تأسست محكمة العدل الدولية كجهاز رئيسي للأمم المتحدة، حيث اعتبرت بموجب المادة 92 من الميثاق الأممي بمثابة الجهاز القضائي الرئيسي للمنظمة، وقد حدد سيرها بمقتضى نظامها الأساسي المرفق بميثاق الأمم المتحدة، الذي تعد جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة طرفاً فيه.

وعلى الرغم من كون الميثاق الأممي نص على اعتبار المحكمة أحد أهم الأجهزة المنوطة بتحقيق السلم والأمن الدوليين على المستويين الوقائي والعلاجي، إلا أن هناك مجموعة من الصعوبات التي تحول دون استئثار هذه الهيئة بمهامها على أحسن وجه، ذلك أن ربط هذه المؤسسة بالمنظمة الأممية يجعلها تخضع في آخر المطاف لموازين القوى داخل هذه الهيئة، بخاصة إذا ما استحضرنا أن الميثاق الأممي بموجب المادتين 36 و37 منه يمنح مجلس الأمن إمكانية عرض نزاعات قانونية عليها (المادة 96 من الميثاق الأممي) وسلطة تنفيذ قراراتها في مواجهة الدول (المادة 94 من الميثاق الأممي).

كما أن المحكمة لا تحظى بإمكانية التحرك التلقائي لمباشرة مهامها المتصلة بحل النزاعات القانونية، حيث يبقى ذلك مشروطاً بموافقة الأطراف الدولية المعنية بهذه النزاعات أو بمبادرة من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، ناهيك عن غياب آليات فعالة تكفل تنفيذ قرارات المحكمة في مواجهة الدول بخاصة الكبرى منها.

ومن جهة أخرى، تبين منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي أن مجلس الأمن أصبح يتغول ويترامى على اختصاصات المحكمة، وهو ما تجسد بشكل جلي في أزمة «لوكيربي».

وقد شكّل إحداث المحكمة الجنائية الدولية خطوة مهمة على طريق تعزيز العدالة الدولية وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، غير أن إرساء عدالة جنائية صارمة كفيلة بتحقيق هذا الرهان، لا يزال بعيد المنال ويتطلب جهداً كبيراً.

ورغم حجم الانتهاكات المتتالية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل، إلا أن رد فعل القضاء الدولي لم يكن في مستوى المسؤوليات المنوطة به في هذا الخصوص.

فقد أصدرت محكمة العدل الدولية في عام 2004 رأياً استشارياً اعتبرت فيه أن بناء الجدار العازل يتناقض مع قواعد القانون الدولي، حيث طالبت إسرائيل بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية، وتقديم تعويض للمتضررين من بنائه، كما دعت المجتمع الدولي إلى الامتناع عن الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بنائه، ومع ذلك بقي هذا الرأي حبراً على ورق.

ويشكل الوضع الراهن في غزة وما يتصل به من جرائم خطيرة ترتكبها قوات الاحتلال، باستهدافها الأطفال والنساء والمدارس والمستشفيات ودور العبادة.. محكّاً حقيقياً لقياس مدى نجاعة وفعالية المؤسسات القضائية الدولية، بعدما خاضت جنوب إفريقيا الأسبوع الماضي معركة قضائية أمام المحكمة ضد حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل.

فهل تتحقّق العدالة الدولية على أنقاض ما لحق غزة من قتل ودمار، أم يستمر ارتكاب الجرائم والخروقات بمنطق العدالة المؤجلة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/x3jyp45j

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"