بو راشد و«ثورة الحكومات»

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*

ربما يظن القارئ الكريم، أن ثمة إبهاماً في عنوان هذا المقال؛ فالثورات تندلع ضد الحكومات، فماذا تعني ثورة الحكومات؟ المقصود، هنا، هو تثوير العمل الحكومي، لتقديم أفضل خدمات إلى المواطنين، وتحقيق سعادة المجتمع، والوفاء بمتطلبات التنافسية، وإنجاز التنمية المستدامة.

وهذا بالتحديد هو مضمون الثورة الشاملة التي يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، منذ توليه رئاسة الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات في 11 فبراير/شباط عام 2006، ثم مبادرته الرائدة بإنشاء منصة القمة العالمية للحكومات في عام 2013، والتي تُعد منتدى عالمياً لتبادل المعرفة بين الحكومات، وتحدد لدى انعقادها سنوياً برنامج عمل حكومات المستقبل.

وقد شهدت مسيرة العمل الحكومي تحت قيادة بو راشد العديد من الإنجازات التي جعلت الإمارات من أسرع دول العالم نمواً وتطوراً في مختلف المجالات؛ ونموذجاً تنموياً متميزاً يسعى الكثير إلى اقتفاء آثاره. وطوال فترة رئاسته للحكومة، كان الإنسان هدف التنمية وغايتها، وأداتها ووسيلتها. ولذلك، أكد تمكين المواطن؛ بمعنى إطلاق طاقات الإماراتيين إلى آفاق أكثر رحابة، وتوسيع مجالات المشاركة أمامهم في المجالات التنموية كافةً.

وكانت النتائج غير مسبوقة، والإنجازات أقرب إلى الخيال. فهذه الدولة صغيرة الحجم قليلة السكان، أصبحت قوة اقتصادية كبيرة بالمعايير الإقليمية والدولية جميعاً، وغدت وجهة محورية للأعمال في الاقتصاد العالمي، وصارت وجهة استثمارية واعدة تتصدر دول المنطقة في استقطاب الاستثمارات، وسهولة ممارسة الأعمال والتصنيف المالي السيادي، وتبوأت المرتبة الأولى في أكثر من 186 مؤشراً تنموياً عالمياً، والمركز الأول في أكثر من 430 مؤشراً إقليمياً.

وقد حققت الحكومة الاتحادية تحولاً لافتاً في مستوى ونوعية الخدمات المقدمة للمتعاملين، انطلاقاً من قناعة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بضرورة تسريع وتيرة التحول الرقمي، وتقديم خدمات سلسة واستباقية ومتكاملة، تواكب التوقعات وتلبي المتطلبات.

وفي إطار استعدادات دولة الإمارات لمرحلة ما بعد النفط ومئويتها الأولى، تم برعاية بو راشد إصدار رؤية شاملة وطويلة المدى، هي «مئوية الإمارات 2071»، تتضمن خريطة طريق لِمَا بعد النفط، تُغطي مجالات التعليم والاقتصاد والتطوير المؤسسي والتماسك المجتمعي. وتهدف الرؤية إلى الاستثمار في الأجيال المقبلة، ولاسيما الشباب، عن طريق إعدادهم بالمهارات والمعارف اللازمة لمواجهة التغيرات السريعة، وتنشئتهم على منظومة أخلاقية إماراتية، والاستثمار في التعليم الذي يركّز على التكنولوجيا المتقدمة، وضمان وجود مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية بعيداً عن النفط، ورفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، وتعزيز التماسك المجتمعي، وتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة ورفع مستوى تنافسيتها، وجَعْل مدن الإمارات الأفضل للعيش في العالم بحلول المئوية المقبلة.

ومن المستوى الوطني إلى المستوى العالمي، انسابت ثورة بو راشد الحكومية. ففي عام 2013، أسس سموه القمة العالمية للحكومات، التي تُعد أكبر منصة دولية للارتقاء بمستقبل الحكومات وتمكينها من أداء وظائفها. وعلى مدى عشر سنوات، ناقشت قيادات الحكومات والفكر وصانعو السياسات والقطاع الخاص أهم القضايا وأحدث الاتجاهات المستقبلية لتثوير العمل الحكومي، وأهمها: بناء ثقة المواطن في الهيئات الحكومية، ورفاهية المواطنين وسعادتهم، وصناديق الأدوات الحكومية الذكية، والابتكار في تقديم الخدمات الحكومية، وخفة الحركة الحكومية.

كما تداولت هذه النخبة الخبيرة بصناعة الحُكم «الثقيلة» موضوعات الحكومة الرقمية، والمدن الذكية والابتكار، واستشراف مستقبل الحكومات في ضوء الثورة الصناعية الرابعة، وثورة الذكاء الاصطناعي. وقبل أن يلتفت منظمو مؤتمر دافوس الاقتصادي هذا العام إلى إلحاح قضية الذكاء الاصطناعي والفوضى التي قد تنجم عن تطبيقاته المختلفة، كانت قمة الحكومات في عام 2018 قد بحثت كيفية توجيه هذه التطبيقات لتحقيق سعادة المواطنين.

واستناداً إلى الرؤية المستنيرة عند بو راشد، تحولت القمة العالمية للحكومات من استشراف مستقبل الحكومات إلى الإسهام في صنعه، أي تحديد شكل حكومات المستقبل، وهو تحولٌ ثوري بلا شك. ولذلك، سوف تلتئم القمة هذا العام تحت شعار «تشكيل حكومات المستقبل»، للإسهام في تطوير الأدوات والسياسات والنماذج التي تعتبر ضرورية في تشكيل الحكومات المستقبلية.

وعندما يلتقي بو راشد بمشاركة قادة الفكر ونخبة الخبراء وصنّاع القرار من جميع أنحاء العالم الأسبوع المقبل في دبي، يتطلع الناس إلى أن يُسهم هذا اللقاء في تشكيل مستقبل أفضل للبشرية، عن طريق تعزيز وتيرة النمو والتغيير​ لحكومات فعّالة؛ واستقراء الآفاق المستقبلية الجديدة للذكاء الاصطناعي، وتحديد ملامح الرؤية الجديدة للتنمية ​واقتصادات المستقبل.

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mryacap2

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"