حتى الثانية الأخيرة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

رائد برقاوي

لا يوجد في العالم ما هو موجود في الأسواق المالية الأمريكية، فهي بالفعل أسواق عريقة وعميقة، ليس لناحية آلاف الأدوات المالية المتاحة للشركات والأفراد، وكذلك القنوات الاستثمارية المتعددة، وإنما لجهة الشفافية المطبقة، والتناغم بين أدوار السلطات الإشرافية والرقابية والقضائية الحكومية، مع الإدارات المماثلة داخل الشركات نفسها التي تطرح منتجاتها أو أسهمها للعموم.

ما يشد المراقب في متابعته لنتائج آلاف الشركات المدرجة في السوق الأمريكي، هو السرية الكاملة عن النتائج حتى الثانية الأخيرة من الوقت المحدد للإعلان، والذي تكون الشركات قد أبلغت الأسواق به قبل أيام وأسابيع من موعد الإعلان.

تخيّل شركة مثل «أمازون» أو «إنفيديا» أو «آبل» قيمتها السوقية بعدة تريليونات من الدولارات على ضخامتها وأعداد القياديين والمسؤولين وكبار الموظفين فيها وهم بالمئات، تجعل أسواق العالم بأكملها تقف منتظرة النتائج ولا تسريب إطلاقاً.. يكون السهم مرتفعاً أو منخفضاً بشكل اعتيادي والتداولات كذلك ضمن المعدل اليومي، لتأتي النتائج بعد الثانية الأخيرة موزعة بعدالة على الجميع.

ماذا يحدث بعد ذلك؟ إذا كانت النتائج أفضل من توقعات المحللين ارتفعت أسهم الشركة بشكل كبير مضيفة عشرات مليارات الدولارات إلى قيمتها السوقية ومن ثم إلى جيوب المستثمرين بعدالة ومساواة، أما إذا كانت مخيبة للآمال، فتنخفض الأسهم وتفقد القيمة السوقية المليارات، ويتكبد المستثمر الخسائر.

في الأسواق الأمريكية هناك مئات الشركات الكبرى التي تقدم باستمرار تحليلاتها عن الأداء والأسواق وتقييماتها السلبية أو الإيجابية على حد سواء.. تحليلات قد تكون مقاربة للواقع أو تبتعد عنه، لكن لا أحد يقترب إطلاقاً من تسريبات مصدرها الشركة أو أي من موظفيها.

استطاعت «وول ستريت» ومعها الأسواق الغربية بشكل عام أن تضع الشركات جميعها على خط واحد مستقيم لا يمكن الحياد عنه، وغلظت العقوبات إلى مصادرة الأموال والسجن لسنوات، وأوجدت أجهزة رقابية واسعة ومتعددة لضمان عدم التلاعب بالأسهم بناء على المعلومات الداخلية، ولهذا أصبح الجميع ملتزمين بالثانية.

ندرك أن أسواقنا المالية حديثة العهد نسبياً، والجهود كبيرة لضمان فعالية الرقابة والمتابعة، وأن القانون شديد وواضح بحق المخالفين والمتابعين، لكن الأمر لا يقتصر على الجهات الرقابية فقط، بل يتعدى ذلك للجهات الأخرى وهي الشركات، حيث تحتاج إلى مزيد من «الشد والربط» حول المعلومات التي بحوزتها لجهة النتائج والخطط والمشاريع وغيرها، إذ يتعين عليها أن تلتزم بالقانون وبنوده.

لا يجوز أن يكون أعضاء مجلس الإدارة والمقربون منهم، وكبار التنفيذيين ومحيطهم، أول العارفين بالتفاصيل والمعلومات الجوهرية التي توثر في السهم، يشترون ويبيعون في الظل، وكأن الأسواق ملكهم.

يثلج الصدور ما فعلته هيئة الأوراق المالية والسلع عندما أحالت إلى النيابة العامة، قضية تتعلق بقيام عدد من المستثمرين باستغلال خبر إيجابي، والدخول وشراء كميات كبيرة نسبياً على أحد الأسهم المدرجة قبل الإفصاح عنه لعموم المستثمرين.

مثل هذه القضية من شأنها أن ترسل إشارات إيجابية إلى الأسواق والشركات بأن الرقابة آخذة بالتوسع لتحقيق العدالة لجميع المتعاملين في أسواقنا، حتى نصل بها إلى العالمية، والمراكز الأولى، وهو ما يتوافق مع رؤية القيادة بأن تحجز دولة الإمارات مكانتها المتقدمة عالمياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m2ffvpt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"