سيناريوهات لإنهاء الاحتلال

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

إنهاء الاحتلال، عبارة تتردد دائماً على لسان المسؤولين الفلسطينيين، وهي مطلب شعبي، وأساس لأي تسوية سياسية. والسؤال كيف ننهي الاحتلال في ظل السلطة القائمة، وإسرائيل كسلطة تمارس كل أشكال الاحتلال على الأرض والإنسان معاً؟ ما السيناريوهات أمام السلطة؟

إنهاء الاحتلال له صور كثيرة أهمها الإعلان الرسمي من قبل سلطة الاحتلال بإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية، وباتفاق مع السلطة المخولة بذلك ووفقاً لاتفاق مكتوب وبضمانات عبر اتفاق تفاوضي، وهذه الصورة لم تتحقق حتى الآن رغم مسيرة تفاوضية تجاوزت العقدين لتنتهي بسلطة أقل من سلطة حكم ذاتي، مع استمرار إسرائيل في احتلال الأرض ومصادرة وتهويد الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، بل إن اتفاق أوسلو السياسي - الأمني يعمق من التبعية ويديم سلطة الاحتلال ويمنحها غطاء لاحتلالها، فهو اتفاق قوة مفروض، كما أن الاتفاق الاقتصادي أو ما يعرف باتفاق باريس يعمق من التبعية الاقتصادية الفلسطينية لإسرائيل، ويحرم السلطة من السيطرة على مواردها الطبيعية.

هذا السيناريو لم يعد صالحاً لإنهاء الاحتلال، والبديل لذلك الإعلان الرسمي لإلغاء الاتفاقيتين والإعلان الصريح والواضح ببدء مرحلة قيام الدولة الفلسطينية وما يترتب على ذلك من إنهاء للسلطة وإعادة تشكيل مؤسسات الدولة عبر الانتخابات. ويدعم هذا السيناريو وضع فلسطين وشخصيتها الدولية كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وعضويتها الكاملة في العديد من المنظمات الدولية، وهذا السيناريو يتطلب المضي في العديد من الإجراءات والمبادرات أولها التمسك بخيار التفاوض، ولكن مرجعية التفاوض هنا تكون الدولة الفلسطينية المستقلة بحدودها المعترف بها دولياً وعاصمتها القدس، وثانياً التقدم إلى الأمم المتحدة بطلب رفع عضوية فلسطين من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال.

وهذا ليس صعباً، ويمكن التغلب على حق «الفيتو» الذي تملكه الولايات المتحدة في مجلس الأمن؛ لأن الاعتراف بالدول الأعضاء يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن بتأييد الدول الخمسة الدائمة، وللتغلب على هذا الوضع يتم دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقاً لقرار «الاتحاد من أجل السلام» استناداً إلى أن عدم قيام الدولة الفلسطينية كخيار للسلام يهدد السلام والأمن العالميين، وفي حال الحصول على ثلثي أصوات الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو أمر ممكن تحقيقه بسهولة، يصبح قراراً ملزماً. وعندها يمكن التوجه إلى الأمم المتحدة بالعمل على إنهاء الاحتلال باعتبار فلسطين أصبحت دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ثم المطالبة بتطبيق الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة لإلزام إسرائيل بالانسحاب.

هنا المعركة هي معركة شرعية دولية بتفعيل المسؤولية الدولية لإنهاء الاحتلال، هذا السيناريو على أهميته وفاعليته لا يكفي، وقد يحتاج إلى وقت طويل، وإلى الآلية الثانية الموازية للآلية الأولى وهي تفعيل المقاومة السلمية الشاملة بكل صورها من مقاطعة كاملة لكل البضائع الإسرائيلية، والحق في المقاومة حتى المسلحة المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية، وهذا السيناريو من شأنه أن يدعم السيناريو الأول ويقويه ويزيد من ممارسة الضغوط الدولية على إسرائيل، وقد يكون مكلفاً بشرياً واقتصادياً، ولكنه سيدفع إسرائيل إلى وضع حد لاحتلالها، لأن إسرائيل بوضعيتها السكانية والجغرافية وبحكم مكونات القضية الفلسطينية الإقليمية لن تستطيع المقاومة طويلاً، لأن موازين القوى سوف تتغير على الأرض، إضافة إلى الضغوط الدولية. وإسرائيل بطبيعتها لا تستطيع تحمّل مثل هذه المقاومة.

هذه الآليات والسيناريوهات تحتاج إلى تفعيل المتغير الفلسطيني، بإنهاء الانقسام أولاً، وثانياً بوضع رؤية وطنية انتقالية لإنهاء الاحتلال، والتنسيق بين قرار المقاومة والقرار السياسي، وهذا شرط أساسي، لا أن تكون غزة في واد والضفة الغربية في واد آخر، أو أن تكون السلطة في واد والفصائل الأخرى وخصوصاً حماس في واد آخر.

خلال الفترة المنصرمة كانت الخيارات الفلسطينية يجهض بعضها بعضاً، وهذا هو أحد أسباب استمرار الاحتلال، ما أدى إلى تفريغ الخيارات الفلسطينية من فاعليتها. وهناك الحاجة أيضاً إلى إنشاء مؤسسات دولة خلال الفترة الانتقالية. وإلى جانب ذلك لا بد من تفعيل الدور العربي باعتباره متغيراً رئيسياً وفاعلاً في هذه المرحلة كي تقوم بدورها ومسؤولياتها في إنهاء الاحتلال.

ويبقى السؤال فلسطينياً، كيف نجعل إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً لاحتلالها لا أن يدفعه الشعب الذي يعاني الاحتلال، كي تقتنع بضرورة إنهاء احتلالها؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ck5hj3v

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"