غزة.. هل من بديل للحرب؟

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تساؤلات كثيرة تفرضها حرب غزة غير المسبوقة في تاريخ كل الحروب، من حيث حجم التدمير الذي وصل إلى حد الإفناء الكامل. لماذا غزة؟ وما أهداف هذه الحرب وما سبقها؟ وهل حققت الحرب أهدافها؟ وما هي أهدافها الحقيقية؟ وما الذي تشكله غزة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية؟

ابتداء، لا بد من تأكيد أن الحرب ليست خياراً لغزة، وهذا بحكم خصائصها الجيوسياسية من حيث أنها ذات مساحة صغيرة لا تتجاوز ال 360 كيلومتراً مربعاً، بطول أربعين كيلومتراً وعرض لا يتجاوز العشرة كيلومترات، وبكثافة سكانية تقارب المليونين ونصف المليون نسمة، وبموارد اقتصادية ضعيفة، ونسب فقر وبطالة تتجاوز الخمسين في المئة، وبحدود محاصرة من قبل إسرائيل من كل الجهات، باستثناء معبر رفح الذي يربطها تاريخياً بمصر. ومن ناحية أخرى غزة تقع في قلب الدائرة الأمنية الأولى لإسرائيل، ما يعني عدم السماح بأن تتحول إلى بؤرة تهديد لها. وتشكل غزة أيضاً أهمية أمنية لمصر تاريخياً، فهي بوابتها الشرقية وملاصقة لمنطقة سيناء التي شهدت حالات من العنف والإرهاب من قبل جماعات إسلامية متطرفة، لهذه الأسباب يصبح خيار الحرب غير مثمر ولا يحقق الأهداف السياسية للحرب.

والسؤال، لماذا التسلح وتطوير الأسلحة الصاروخية من جانب المقاومة؟ هل الهدف هو التحرير أم رفع الحصار المفروض على القطاع؟ أم وضع القضية الفلسطينية على خريطة الاهتمام العالمي؟ في هذا السياق يمكن فهم عملية طوفان الأقصى.

في حالة غير مسبوقة، في أدبيات وتاريخ الحروب، أن تشهد غزة، هذا الجزء الصغير، ست حروب خلال عقدين من الزمن، وآخرها الحرب الدائرة الآن، والمختلفة من حيث مدتها وأهدافها وحجم تدميرها. فالحروب السابقة لم تصل لهذا المستوى، بل كانت أقرب لسياسة «جز العشب»، وهدفها تقليص قدرات حماس دون التخلص منها، لأن هدف إسرائيل كان عدم قيام دولة فلسطينية وتشجيع الانقسام، وهذا ما ساعدت عليه مختلف القوى والفصائل الفلسطينية عن قصد أو من دون قصد، وبقيت العلاقات بين حماس وإسرائيل في سياق التفاوض غير المباشر في قضايا المعابر وتشغيل آلاف العمال من غزة الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الطوفان، وما شكلته من تحول في دور حماس ووظيفتها من منظور إسرائيلي. وهنا الهدف ليس تقليص قدرات حماس، بل القضاء على كل بنيتها وعدم عودتها للحكم، إضافة إلى هدف آخر مهم وهو إغلاق ملف القضية الفلسطينية ووضع نهاية لوكالة الغوث «الأونروا» من أجل تصفية القضية الفلسطينية.

المفارقة في هذه الحروب، أنها تتم بين إسرائيل كدولة تمتلك قوة كبيرة وشاملة، وتملك من السلاح والتفوق التكنولوجي ما يكفي ليس فقط لتدمير غزة بل لتدمير دول، وبين قوات مقاومة تمتلك القليل من السلاح الذي لا يضاهي أبداً ما تمتلكه إسرائيل.

إذاً، هناك معادلة غير متكافئة وظالمة لغزة وسكانها. والمفارقة الأخرى التي تحكم علاقة غزة بإسرائيل أنها تختلف عن علاقة إسرائيل مع أسس العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي يفترض أنها تملك الشرعية الفلسطينية كلها، فالعلاقات تحكمها اتفاقات أوسلو واتفاقات اقتصادية ونبذ العنف والتركيز على الخيارات التفاوضية الدولية. أما نموذج غزة فتحكمه خيارات الحرب وهدن مؤقته وتفاهمات غير رسمية.

إن فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بشأن تسوية أساسها قيام الدولة الفلسطينية وفقاً لاتفاقات أوسلو، أوصلنا إلى الوضع الحالي. ولو نجحت المفاوضات لكنا شهدنا قيام الدولة في عام 1999. هذا الفشل لا شك كان أحد الأسباب الرئيسية لحالة الحرب الدائمة في القطاع. والسبب الثاني هو استمرار الاحتلال بما يتبعه من استيطان وتهويد وسيطرة كاملة على القدس. كل هذه الأسباب أوصلت لحالة من الإحباط السياسي وانسداد الأفق، ما سمح بتنامي قوة المقاومة ودعم مواقفها ورفضها للخيار السياسي التفاوضي غير المجدي، والتمسك بخيار المقاومة المسلحة. وهذه الظروف كلها ساهمت في خيار الحرب على غزة.

والسؤال: هل من بديل لخيار الحرب؟ الإجابة بنعم. إن هذه الحرب دمرت كل الحياة في غزة، لدرجة أننا أصبحنا في غزة جديدة. المطلوب الآن وقف الحرب، وربط غزة بسياقها الفلسطيني، وبالتركيز على الإعمار وعلى المتطلبات التنموية المدنية. وهذا يتطلب إعادة النظر في أسلوب المقاومة، لكنه يتطلب أيضاً، وهذا هو الأهم، أن تعترف إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وأن تتخلى عن مخططات التوسع والاستيطان والتهويد، وأحلام «إسرائيل الكبرى». فلا توافق بين السلام وإعادة الإعمار وبين منطق الحرب الدائم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2szpdhbj

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"