هل العالم جاهز للتعامل مع بطاريات الليثيوم؟

22:42 مساء
قراءة 4 دقائق

د. رامي كمال النسور *

يُعد انتشار السيارات الكهربائية (EVs) عنصراً حاسماً في التحول العالمي نحو النقل المستدام، وقد بلغ عدد السيارات الكهربائية التي بيعت بأسواق العالم 10.5 مليون سيارة في 2022 مقابل 6.6 مليون وحدة في العام السابق عليه، وشكل ذلك حصة 14% من إجمالي السيارات الجديدة المباعة في العالم، ارتفاعاً من نحو 9% عام 2021، وأقل من 5% عام 2020، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع يحمل معه تحدياً ناشئاً وهو كيفية التخلص من بطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية وإعادة تدويرها. ومع زيادة اعتماد السيارات الكهربائية، سيتزايد أيضاً حجم البطاريات منتهية الصلاحية، ما يشكل تحديات بيئية واقتصادية كبيرة. يستكشف هذا المقال ما إذا كان العالم مستعداً لمعالجة مشكلة بطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية، ودراسة حالة الاستعداد الحالية والتحديات الرئيسية والحلول المحتملة.

ابتداء فإن بطارية المركبة الكهربائية هي بطارية قابلة للشحن تستخدم في تزويد المحركات الكهربائية بالطاقة في المركبات الكهربائية الخالصة أو الهجينة، إن أكثر أنواع بطاريات المركبات الكهربائية انتشاراً هي بطاريات أيونات الليثيوم وبطارية بوليمرات الليثيوم؛ بالإضافة إلى بطارية النيكل والكادميوم وبطارية النيكل وهيدريد الفلز؛ وبشكل أقل بطارية الزنك والهواء وبطارية مصهور الملح. وتستحوذ البطاريات -بحسب الخبراء- على ما بين 60% إلى 70% من قيمة السيارات الكهربائية، ويتراوح عمرها الافتراضي في السيارة الواحدة بين 8 إلى 13 عاماً، ويتراجع أداؤها في العادة ما بين 10% إلى 15% بعد 8 أعوام من الاستخدام، وفي هذه الحالة يمكن استبدال الخلايا التالفة فيها.

ويمثل الليثيوم المعدن الأكثر أهمية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، إذ تبلغ حصته نحو 65% من إجمالي المعادن المستخدمة في تلك الصناعة. فإن إحدى المشكلات الشائعة في بطاريات السيارات الكهربائية هي أن الليثيوم أيون معدن نادر. لذلك، يعد إنتاج بطاريات الليثيوم أمراً مكلفاً للغاية، كما أن المزيد من تعدين الليثيوم له مخاطر بيئية

يختلف مدى الاستعداد لإدارة والتعامل مع بطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية بشكل كبير عبر المناطق المختلفة. وقد بدأت الاقتصادات المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان في تنفيذ الأطر التنظيمية والاستثمار في تقنيات إعادة تدوير البطاريات. ومع ذلك، في العديد من البلدان النامية، لا تزال البنية التحتية لمثل هذه المبادرات في مراحلها الأولى أو غائبة تماماً.

في أوروبا مثلاً، تفرض اللوائح التنظيمية، مثل توجيه البطاريات، جمع البطاريات وإعادة تدويرها، مما يؤدي إلى إنشاء منهج منظم لإدارة نهاية عمر البطارية. وتشهد الولايات المتحدة مبادرات مماثلة، على الرغم من أن اللوائح يمكن أن تختلف بشكل كبير من ولاية إلى أخرى.

ويُنظر إلى إعادة التدوير على أنه الحل الأكثر جدوى لإدارة بطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية. تتقدم تقنيات إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون، لكن القدرة على التعامل مع الحجم المتوقع لا تزال قيد التطوير. وتتولى شركات مثل Li-Cycle في أمريكا الشمالية، وUmicore في بلجيكا، وSungEel HiTech في كوريا الجنوبية الريادة في هذه الجهود.

كما يتم تخصيص استثمارات كبيرة لتحسين الكفاءة وخفض تكاليف إعادة تدوير البطاريات. لا تزال الأبحاث جارية حول طرق جديدة يمكنها استعادة المزيد من المواد بدرجة نقاء أعلى، وهو أمر بالغ الأهمية لجعل إعادة التدوير مجدية اقتصادياً.

وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعيق الإدارة الفعالة لبطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية، فمن جهة هناك التحديات اللوجستية حيث يتطلب جمع البطاريات المستعملة وفرزها ونقلها بأمان وكفاءة شبكات لوجستية متطورة لم يتم إنشاؤها بعد على مستوى العالم، كما أن الجدوى الاقتصادية لإعادة التدوير مهمة حيث لا تزال تكلفة إعادة التدوير تفوق العائد الاقتصادي من المواد المستردة للعديد من أنواع البطاريات. وبدون حوافز مالية أو تفويضات تنظيمية، قد يجد القائمون على إعادة التدوير أن نموذج العمل غير مستدام.

وعمليات إعادة التدوير الحالية ليست باهظة الثمن فحسب، بل تستهلك الكثير من الطاقة أيضاً وليست فعالة تماماً في استعادة جميع المواد القيمة من البطاريات. وقد يكون التعامل مع البطاريات المستهلكة ومعالجتها أمراً خطيراً، مما يتطلب بروتوكولات أمان صارمة لإدارة المخاطر المرتبطة بالمواد الكيميائية السامة والحرائق المحتملة.

بناء على ما ذكرت أعلاه تظهر الحاجة للاستعداد للتدفق المتزايد لبطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية، من خلال الحلول الشاملة والتعاون الدولي فمثلاً أن يتم توحيد تصاميم بطاريات السيارات الكهربائية ويمكن أن يؤدي وضع معايير مشتركة لتصنيع البطاريات إلى تبسيط عملية التفكيك وإعادة التدوير، مما يجعل العمليات أكثر فعالية من حيث التكلفة، وكذلك فرض معايير صارمة لإعادة التدوير وتقديم إعانات أو خصومات ضريبية لدعم تطوير البنية التحتية لإعادة التدوير.

كما يمكن أن يؤدي التعاون بين البلدان إلى ابتكارات واستراتيجيات تقنية مشتركة تتعامل بكفاءة مع البطاريات منتهية الصلاحية وستكون مواصلة البحث في تقنيات إعادة التدوير الجديدة الأقل استهلاكاً للطاقة والقادرة على تحقيق معدلات استرداد أعلى أمراً حيوياً، ويأتي تثقيف المستهلكين والمصنعين حول أهمية إعادة تدوير البطاريات ليشجع على ممارسات أكثر استدامة طوال دورة حياة المنتج.

إن السيارة الكهربائية في مرحلة استخدامها لا شك صديقة للبيئة لكن في مراحل ما قبل إنتاجها وما بعد انتهاء صلاحيتها تظهر تحديات عديدة تضر بالبيئة منها تحديات التعامل مع بطاريات السيارات الكهربائية منتهية الصلاحية، وعلى المجتمع العالمي أن يستعد تدريجياً لمعالجتها. خاصة مع استمرار توسع سوق السيارات الكهربائية، وستكون هذه الجهود حاسمة في الحفاظ على استدامة هذا التحول الأساسي نحو النقل الأخضر والنظيف.

* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/599tzkz5

عن الكاتب

مستشار الأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"