اتجاهات سوق النفط في 2024

22:21 مساء
قراءة 3 دقائق

د. رامي كمال النسور *
ومع تقدمنا في العام 2024، تواصل صناعة النفط العالمية اجتياز مشهد معقد يتشكل بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي في العالم، والتحولات الاقتصادية، والوتيرة المتسارعة للتحول إلى الطاقة الخضراء أو النظيفة. هذا المقال يتعمق في الاتجاهات السائدة التي تؤثر في سوق النفط هذه السنة 2024، ويستكشف العوامل التي تؤثر في أسعاره بدءاً من تعديلات الإنتاج وأنماط الاستهلاك، والآثار الأوسع على الاقتصاد العالمي.

لقد أظهرت أسعار النفط في عام 2024 تقلبات كبيرة، مدفوعة في المقام الأول بالتوترات الجيوسياسية المستمرة في العالم والمنطقة واضطرابات سلسلة التوريد. ومن الجدير بالذكر أن الصراع في أوروبا الشرقية والحرب الروسية الأوكرانية ما زالا مستمرين في التصعيد، مما أدى إلى تعطيل خطوط الإمداد والتسبب في تقلبات في الأسواق العالمية. وعلى نحو مماثل، أدت التوترات في الشرق الأوسط إلى إبقاء أسواق النفط في حالة من التوتر.

وواصلت مجموعة أوبك+ لعب دور محوري في تشكيل ديناميكيات السوق من خلال تخفيضات الإنتاج الاستراتيجية التي تهدف إلى استقرار الأسعار. ومع ذلك، أدت هذه الإجراءات في كثير من الأحيان إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار، مما أدى إلى زيادة صعوبة تخطيط الميزانية للدول المستهلكة والشركات العاملة في تلك الاقتصادات.

كما يشهد الطلب العالمي على النفط تحولاً دقيقاً حيث تسلك الاقتصادات الكبرى مسارات مختلفة نحو التعافي بعد وباء كورونا، وفي حين تُظهر الصين والهند طلباً قوياً بسبب التصنيع السريع والتحضر، فإن الاقتصادات الغربية تشهد وتيرة نمو أبطأ في استهلاك النفط، متأثرة بشكل أساسي بتراجع النمو الاقتصادي فيها مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وتأثرت بدرجة أقل بزيادة كفاءة استخدام الطاقة والتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.

كما لا يزال قطاع النقل في العالم وفي كل الدول مستهلكاً كبيراً للنفط ومشتقاته، لكن ظهور السيارات الكهربائية بدأ يحدث تأثيراً ملحوظاً. وتشير توقعات محللي الصناعة إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن السيارات الكهربائية يمكن أن تحل محل الطلب على النفط بشكل كبير بحلول نهاية العقد، وخاصة في المناطق الحضرية والبلدان التي لديها سياسات صارمة للحد من انبعاثات الكربون. لكن لا يجب أن ننسى أن مصدر الطاقة الكهربائية المستخدمة في شحن السيارات الكهربائية هو الكهرباء الناتجة في معظمها من محطات تستخدم الوقود أو النفط ومشتقاته.

وقد تميز عام 2024 أيضاً بتطورات كبيرة في تقنيات الطاقة المتجددة، والتي أصبحت قادرة على المنافسة بشكل متزايد مع الوقود الأحفوري. واستمرت تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الانخفاض، بتشجيع من الابتكارات وعمليات التوسع. تعمل السياسات الحكومية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الاتحاد الأوروبي وأجزاء من آسيا، على الترويج بقوة للطاقة النظيفة من خلال إعانات الدعم والتدابير التنظيمية.

ويضغط هذا التحول على شركات النفط لتنويع محافظها الاستثمارية. ويعمل العديد من كبار منتجي النفط على زيادة استثماراتهم في مشاريع الطاقة النظيفة والأبحاث في مجال تكنولوجيات احتجاز الكربون وتخزينه، بهدف تحقيق التوازن بين نماذج أعمالهم مقابل الانخفاضات المحتملة طويلة الأجل في الطلب على النفط. وتتزايد الضغوط البيئية والتنظيمية، مما يدفع صناعة النفط نحو ممارسات أكثر استدامة. وقد أدى التوجه العالمي نحو تحقيق صافي انبعاثات صفرية إلى فرض لوائح أكثر صرامة على أنشطة التنقيب عن النفط وإنتاجه.

علاوة على ذلك، فإن الوعي العام ونشاط أصحاب المصلحة يدفعان الشركات إلى تبني معايير أعلى للمسؤولية البيئية والشفافية في عملياتها.

تعكس اتجاهات الاستثمار الرأسمالي في صناعة النفط في عام 2024 نهجاً حذراً ولكن استراتيجياً. وفي حين تعمل بعض الشركات على تعزيز أنشطتها الأولية للاستفادة من الأسعار المرتفعة الحالية، تعمل شركات أخرى على التحوط من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وقطاعات أخرى.

بالنسبة للاقتصادات التي تعتمد على صادرات النفط، فإن ظروف السوق الحالية تمثل فرصاً وتحديات على حد سواء. وتستفيد دول مثل المملكة العربية السعودية وروسيا ونيجيريا من ارتفاع أسعار النفط، ولكنها تواجه أيضاً الحاجة الملحة إلى تنويع اقتصاداتها مع تطور مشهد الطاقة العالمي.

وهنا تغدو دولة الإمارات العربية مثالاً نموذجياً على نجاح تحقيق التنوع في مصادر الدخل القومي والاستغناء عن الدخل المتأتي من القطاعات النفطية، حيث ترتفع نسبة مساهمة الأنشطة الاقتصادية غير النفطية في الناتج القومي الإجمالي لتشكل ما نسبته أقل من 30%.

في الختام وفي ضوء كل ما جاء شرحه أعلاه فإن التوقعات تتجه أن يبقى سعر برميل النفط حول سعره الحالي وهو 82 دولاراً يتذبذب إلى أعلى أو أقل قليلاً يصعد إلى مستوى ال100 دولار حال ترتب على الانتخابات الأمريكية تبعات غير متوقعة أو حال تصاعدت بشكل كبير ومفاجئ وتيرة الحرب الأوكرانية الروسية وربما امتدادها إلى دول أخرى.

* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3u3sm5

عن الكاتب

مستشار الأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"