عادي
مكتبة الفنون

شوقي زغلول.. تشكيل شاعري يتأسس على بساطة التجريد

02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة«الخليج»

في سن الواحد والأربعين اختطف الموت عدداً من المبدعين والفنانين، بدءاً من النحات محمود مختار، والمصور عبد الهادي الجزار، والرسام كمال خليفة، وسعيد العدوي، وسامح الميرغني، ثم لحق بهؤلاء شوقي زغلول عام 1988 في حادث طريق بمدينة الكويت، حيث كان يبحث عن طريق الأمان والاستقرار له ولأسرته، وربما لعب القدر دوراً في الربط بينه وبين الرسام والنحات كمال خليفة (1926 - 1968) حيث تتلمذ على يديه وتقمص أسلوبه وشخصيته - كما يوضح عز الدين نجيب - بل إن الرسام الشاب أقام في نفس حجرة خليفة الفقيرة فوق سطح إحدى العمارات بحي عابدين، وبعد رحيل كمال بعشرين سنة يرحل شوقي زغلول وهو بعيد عن الوطن وفي نفس السن تقريباً.

يقول نجيب: «نصف سنوات عمره الفني القصير قضاه شوقي زغلول باحثاً عن مكان له على أرض وطنه، ونصفه الآخر قضاه باحثاً عن أمان مادي على أرض الغربة، آملاً في أن يمتلك بيتاً صغيراً قرب أهرام الجيزة حين يعود، لكنه عاد جثماناً في صندوق قبل أن يتحقق حلمه، وفي صندوق آخر جاءت زوجته ومعها من الكويت في سيارة اخترقت الأراضي العراقية، أثناء الغزو العراقي للكويت، حاملة معها مئات اللوحات التي أنجزها في سنوات الغربة، بعد أن فكتها من إطاراتها ولفت قماشها في أسطوانات وجمعت أوراقها في مطويات».

شوقي زغلول كما يرى رضا عبد السلام في كتابه «الفنان شوقي زغلول» من نمط الفنانين الباحثين الذين يعيشون الأسئلة الثقافية في مجرياتها وتفاعلاتها، والممارسة التشكيلية عنده موازية للقراءة والاطلاع الدائم وسماع الموسيقى، وعليه يمكننا الاقتراب أكثر من الفكر التشكيلي عنده، فنلاحظ البساطة التي يرسم بها مفردات أشكاله الإنسانية أو عناصر الطبيعة الصامتة، وهي تعتمد على إيجاد عناصر التشكيل الأساسية التي تحقق لها اتساقاً جمالياً وتعبيرية غير نمطية، من حيث الإيقاع اللوني وتوازن المساحات المتناغمة ونسب الفراغ، كمعادل تشكيلي بالنسبة لحجوم الأشكال وكمية الضوء وتوترات السطح وارتعاشات الخط ودرجات التحريف اللازمة لكل أشكال التعبيريات المرحة والدرامية التي يريدها.
يوضح الكتاب أن لوحات شوقي تكاد لا تخلو بحال من تلك القامات الإنسانية التي يختزل فيها تصوره الفني، الإنسان باعتباره قضية، الإنسان الذي يصوره هنا بطريقة تسمح له بوضع ذلك الإبهام وكل ذلك الحزن على وجهه، والحزن شعور إنساني رهيف ائتلف معه شوقي وأصبح سمة غالبة على أعماله الفنية، يمكنك أن ترى ذلك في تعبيرات قسمات الوجوه وألوانها المستخدمة.لا يركز شوقي زغلول على الملموس والشخصي، إنما على الخطي المستبطن فيما وراء اللحظة الحاضرة، بل يركز على الصفات المجردة التي يميزها العقل الإنساني ويدركها، فمفردات الوجه أصبحت علامات مختزلة موحية، العين بقعة ظلية أو نقطة، أو قد تكون عيناً واحدة واسعة مرسومة بطريقة فرعونية على مساحة الوجه، والأنف تحول إلى خط أو خطين متوازيين مرسومين بطريقة ساذجة، والفم بقعة ظلية صغيرة، مغلق لا يقوى على الكلام، وقد لا يوجد فم.

هذه الشخصية ليست لأحد بعينه، ولا تنتمي إلى طبقة اجتماعية محددة، إنها كيان له صفاته الحسية الخاصة به، وينتمي إلى ذات الفنان، يحمل إحساسه وأفكاره وخياله وثقافته وسيكولوجيته، وهو يتنوع بتنوع الموضوع والتكوين، غير أن كياناته هذه يجمعها نمط أسلوبي مشترك مميز.

يوضح رضا عبدالسلام، أن معالجة شخوص شوقي زغلول الإنسانية وعناصر الطبيعة الصامتة على هذا النحو الأدائي من العفوية والبساطة، داخل فضاءات لونية تجريدية، يفسح مجالاً بصرياً حيادياً ولازماً لرؤية عناصر الأشكال على مختلف أشكالها وحجومها الصغيرة على نحو مباشر، وفي نفس الوقت التأكيد على المحتوى الجمالي والشعري لها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"