قواعد الحرب الجديدة

النصر في عصر الاضطراب الدائم
04:10 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

تأليف: شون مكفيت

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

الحرب أبدية في عالمنا. يمكن لبعض الأشياء أن تتغير مثل الأسلحة والتكتيكات والتكنولوجيا والقيادة والأهداف، لكن رغبتنا في الدخول في المعركة لا تتغير. واليوم، نعيش في عصر الاضطراب الدائم كما يعرّفها مؤلف هذا الكتاب، وهي في رأيه ناجمة عن العديد من العوامل مثل: نهوض الصين، عودة روسيا، تراجع الولايات المتحدة، انتشار الإرهاب العالمي، الإمبراطوريات الإجرامية الدولية، تغير المناخ، تضاؤل ​​الموارد الطبيعية، والحروب الأهلية الدامية، هذه العناوين تشكل جوهر ومناقشة هذا العمل، لكن المؤلف يضع قواعد تتعلق بمستقبل الحروب.

«أثارت الاضطرابات المدمرة في العالم أسئلة صعبة مثل: ما هو مستقبل الحرب؟ كيف يمكننا البقاء على قيد الحياة؟ إذا انخرط الأمريكيون في نزاع مسلح كبير، فهل يمكننا الفوز؟» يستدعي شون مكفيت في عمله هذا أساطير الدراسة العسكرية مثل كارل فون كلوزويتز، صن تزو، وغيرهما، إلى جانب تجربته الخاصة، ليضع بعناية القواعد الجديدة لمستقبل الحرب، مقدماً أمثلة من الفتح الروماني، الحرب العالمية الثانية، فيتنام، أفغانستان وغيرها، ويتعامل مع الاختلافات بين الحرب التقليدية والحرب المستقبلية، وخطر الاعتقاد بأن التكنولوجيا ستنقذنا، والرافعة الحقيقية للحروب النفسية وحروب «الظل»، وغير ذلك. قواعد مكفيت الجديدة تحاول تلخيص جوهر الحرب اليوم، وتصف ما هي عليه في العالم الواقعي، وليس ما نعتقده أو نتمنى أن يكون».

بعض هذه المبادئ قديمة وبعضها جديد، لكن كلها ستشكل الحرب بشكل دائم في الحاضر والمستقبل. ويرى أنه من خلال متابعة ما يطرحه، يمكن للولايات المتحدة أن تحكم بتوازن وتماسك وتنتصر في حروبها، «لكن إذا لم نفعل ذلك، فإن الإرهابيين والدول المارقة وغيرهم ممن لا يقاتلون بشكل تقليدي سوف ينجحون ويحكمون العالم»، كما يعلق على ذلك.

أمريكا تخسر حروبها

يستخدم مكفيت أسلوباً غامضاً يستحضر عبره المؤلف الصيني صن تزو صاحب كتاب «فن الحرب»، ويقدّم للقراء تشخيصاً ووصفة لاستراتيجيات الحرب في الماضي والحاضر والمستقبل، وهو يتفوق في كشف الافتراضات غير الحاسمة التي تثير التفكير حول مستقبل الحرب وممارستها. من الواضح أن تسمية المشكلات أمر مهم في مفهوم مكفيت، لكن أساليبه تتموضع في عشر قواعد تحمل مشكلات حقيقية، مثل القتال ضد المرتزقة وضدهم، ودعم أو استغلال نظام دولي مرهق، والتكيف مع الصراع مع مجموعات من الأشخاص الذين لا يشاركون الغرب التزاماً بالسيادة الاجتماعية للدول. توفر القواعد مخططاً سريعاً وصعباً يصف هذه المشكلات بوضوح.

يقول في مقدمته: «لماذا توقفت أمريكا عن الفوز في الحروب؟ في 5 يونيو/ حزيران، 1944 قبل يوم من اليوم-دي، ويعني يوم عملية الإنزال في نورماندي، تحرك الجنرال جورج إس.باتون إلى مسرح مؤقت في جنوبي إنجلترا ليخاطب آلاف الجنود الأمريكيين قائلاً: «يلعب الأمريكيون ليفوزوا في كل الأوقات»، مضيفاً: «لهذا السبب لم تخسر أمريكا على الإطلاق، ولم تفقد حرباً؛ لأن الفكرة نفسها كريهة لأي أمريكي».

ويعلق الكاتب: «منذ ذلك الحين، لم يحصد الجيش الأمريكي شيئاً سوى الخسارة. فكوريا في حالة من الجمود المستمر، وفيتنام أصبحت شيوعية. وفشلت الحروب في العراق وأفغانستان أيضاً، و«داعش» دمرت مساحات واسعة من العراق، وإيران أصبحت تمتلك مخالب في بغداد. طالبان تحكم في أفغانستان أكثر مما تتحكم به الحكومة المحلية. الحروب منذ 1945 أراقت الدم الأمريكي، أضاعت تريليونات الدولارات من أموال الضرائب، وألحقت الضرر بالشرف الوطني، بينما لم تقم بحل شيء على أرض الواقع».

ويقول أيضاً: «نحن نخسر. الناس تشعر بالقلق. هؤلاء الذين لم يقتنعوا بعد أننا نخسر، لديهم قناعة خاطئة عن النصر. النصر لا يتعلق بمن قتل أعداء أكثر أو تحكّم بأراضٍ أكثر. هذه العوامل غير متصلة. الشيء الوحيد الذي يهم هو أين ستكون عندما تنتهي الحرب؟ هل حققتَ الأهداف التي وضعتها في البداية؟ إذا كانت الإجابة لا. لا تستطيع الادعاء بأنك فزت».

مستقبل الحرب

تشكل قواعده العشرة الوصفة التي يجادل بأنها ستعالج أوجه القصور وتمكّن من الانتصار في الحروب المستقبلية. ويناقش بأن الحالة العالمية القادمة ستكون «الاضطراب الدائم». وفي رأيه التهديدات هنا مألوفة وهي ناشئة عن نظام وستفاليا الفاشل (هو مبدأ القانون الدولي بأن لكل دولة سيادة على أراضيها وشؤونها الداخلية، ويتم استبعاد جميع القوى الخارجية، والتدخلات في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. بعد انتشار النفوذ الأوروبي في جميع أنحاء العالم، أصبحت هذه المبادئ المثل العليا في القانون الدولي، وهي موقعة منذ 1648)؛ وصعود القوى الوطنية التحريرية، وتنامي القوى العسكرية الخاصة، والمظالم القديمة المشتعلة ستخلق تحولات عالمية.

ويشير إلى أن النظام الليبرالي القائم على القواعد ينهار إلى نظام تكون فيه الحرب هي القاعدة وليس الاستثناء. ومما يضاعف هذه التحولات هو اللامبالاة الاستراتيجية الغربية. فالغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يعتمد على التكنولوجيا، والقوة النارية، والمعركة الحاسمة التي كانت رابحة في الماضي، لكن لا يمكن التعامل مع النزاعات المستقبلية بالطرق ذاتها. تتطلب الظروف الجديدة للاضطراب الدائم التكيف، ويجب على الغرب التكيف قبل أن يدفع إلى تبني لامبالاة عقلية جماعية.

القواعد التي يذكرها مكفيت في كتابه ويناقشها، هي تحت هذه العناوين في عشرة فصول: الحرب التقليدية زائلة، التكنولوجيا لن تنقذنا، ليس هناك شيء اسمه الحرب أو السلام، كلاهما يتعايشان، دائماً، القلوب والعقول لا تهم، أفضل الأسلحة هي التي لا تطلق الرصاص، المرتزقة سوف يعودون، أشكال جديدة من القوى العالمية سوف تحكم، ستكون هناك حروب من دون دول، حروب الظل سوف تهيمن، النصر ممكن الاستبدال، الفوز بالمستقبل.

قواعده ليست في الواقع مخصصة للعمل بها، ولكنها افتراضات عند التفكير في أفعال مذكورة في الفصول، مثل «الحرب التقليدية زائلة»، و«القلوب والعقول لا تهم»، و«ستكون هناك حروب بدون دول». يحاول الكاتب في معظم العمل تقديم قوانينه العشرة والدفاع عنها. تشترك الفصول في بنية متشابهة، ويمكن قراءة كل منها بشكل مستقل عن الآخر. ويستخدم وصفاً مفيداً لمشكلة ما داخل الاضطراب الدائم، ويصل من وراء ذلك إلى استنتاجات وصفية.

وجهة نظر

قدّم البروفيسور والضابط في الجيش الأمريكي بوب أندروود قراءة لهذا الكتاب في موقع «ذاستراتيجي بريج» ونقداً لما يقدمه المؤلف، وهي تحظى بأهمية كبيرة، ليتسنى لنا النظر إلى هذا الكتاب من وجهة نظر مختلفة، وليس فقط الانسياق وراء ما يقدمه الكاتب، يقول أندروود: «حجج مكفيت تقوم على ثلاثة افتراضات مثيرة للجدل على الأقل، وتفتقر إلى الترابط عبر القواعد العشرة. الأول هو افتراض أن الغرب يواجه معركة وجودية يخسرها بالفعل. إن مناقشة مكفيت للقاعدة 3، والتي تفيد بعدم وجود تمييز بين الحرب والسلام، تشيد باستراتيجية الصين «للحرب الثلاث» وقدرات الصينيين. إلا أن مكفيت لا يقدم سوى القليل من الأدلة على التهديدات الوجودية التي قد تشكلها الصين على الغرب».

«الفرضية الثانية هي أن خصوم الغرب خلقوا اضطراباً دائماً، ولا يعانون أيّ آثار سيئة. يفترض مكفيت أن قادة خصوم الغرب لديهم قبضة شبه خالية من العيوب على خيوط القوة وظروف الاضطراب. هنا، يتبع مكفيت الآخرين في قراءة كل عمل لفلاديمير بوتين أو شي جين بينغ، باعتباره ضربة رئيسية متعمدة، وكل عمل تحت راية روسيا والصين كنتيجة مباشرة لإرادة الزعيم. هذه الصورة للسياسة الداخلية لروسيا والصين تزعزع المصداقية. تطبيق هذا الافتراض على جهات فاعلة مثل شبكات إرهاب المخدرات يبدو خاطئاً تماماً».

«ثالثاً، الافتراض بأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الاضطراب الدائم هي تعلم كيفية القتال في داخله. الموضوع السائد لقواعد مكفيت العشر هو تعلم كيفية التغلب على أولئك الذين ينجحون بالفعل في الاضطراب الدائم في لعبتهم. هناك بعض المزايا في هذا النهج، وقواعد مكفيت هي مكان جيد للبدء. ومع ذلك، قد يبحث المرء أيضاً عن طرق لتخفيف ظروف مثل الفقر والمجاعة التي تجعل هذه المقاربات ناجحة، وهي التي تؤدي إلى اضطراب دائم. هذه الافتراضات الثلاثة شائعة في هذا الأدب، وهنا يطغى مكفيت على الخط التقليدي من دون تقديم أسباب وجيهة للقيام بذلك. هذه الافتراضات مثيرة للجدل، على الأقل، ويمكن أن تؤدي إلى مشكلات. غالباً ما يبدو أن مكفيت يتطلع إلى قراءة الجغرافيا السياسية لعام 1939 في الاضطراب الدائم مع إيلاء القليل من الاهتمام لأهمية عام 1914 كمقارنة تاريخية ذات صلة لها بالمقابل».

تناقض في القواعد

أخيراً - يعلق أندروود- فإن القواعد العشر لا تقدم مجموعة متماسكة من المعتقدات أو الوصفات. فهي تتسم بالتناقض مثل القاعدة 4، «القلوب والعقول لا تهم»، تتعارض مع القاعدة 5، «أفضل الأسلحة التي لا تطلق الرصاص». ففي الرابعة الدرس الذي يقدّمه هو أن النجاح في حرب مكافحة التمرد يتطلب القضاء على التمرد من خلال قتل المتمردين. والدرس الذي يجب أن نتعلمه من القاعدة الخامسة هو أن قتل الناس في الحرب الحديثة لا صلة له إلى حد كبير بالنصر الذي نود الفوز به. لكن لا يمكن أن تكون كلتا القاعدتين صحيحتين في نفس الوقت. لأن القتل إمّا يهم النصر، وإمّا لا. والمثال الثاني هو القاعدة الأولى «الحرب التقليدية زائلة»، والقاعدة الثانية «التكنولوجيا لن تنقذنا»، تميلان إلى التناقض مع القواعد اللاحقة المتعلقة بعودة المرتزقة وصعود القوى العسكرية من دون الدول. وذلك لأن هذه القوى تهدد النظام الدولي على وجه التحديد؛ لأنها تمتلك على الأقل القليل من القوة العسكرية التقليدية والتكنولوجيا.

يحتوي الكتاب على العديد من الأفكار المثيرة للاهتمام، والمناقشات الغنية، بغض النظر عما إذا كان المرء يتفق مع قواعده العشر أم لا. فالكاتب يقدم نقاطاً بارزة بحكم خبرته، مثل مراجعة لمزايا القوة الأمريكية، واطلاعه عن قرب على التاريخ الطويل للتعامل مع حرب المرتزقة السلعية من خلال العرض والطلب.

تقدم قواعد مكفيت العشر نظرة ثاقبة تمهد الطريق للتركيز على المشكلات الجديدة والمهمة. لهذا السبب، فإن الكتاب يتسم بأهمية، ويمكن اعتبار القواعد الجديدة نقطة انطلاق، وبعيدة عن الكلمة الأخيرة عن النصر أو كيفية الوصول إلى تحقيقه.

المؤلف في سطور

* د. شون مكفيت مؤلف وروائي وخبير في السياسة الخارجية. وهو أستاذ الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني وكلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة. إضافة إلى ذلك، فهو مستشار لمركز جامعة أوكسفورد للتكنولوجيا والشؤون العالمية. كان مكفيت متخصصاً في استراتيجية الأمن القومي، وكان باحثاً في مركز أبحاث في مؤسسة «راند»، والمجلس الأطلسي، ومركز سياسة الحزبين، ومؤسسة أمريكا الجديدة. في الآونة الأخيرة، كان باحثاً زائراً في برنامج الطابع المتغير للحرب بجامعة أكسفورد، حيث أجرى أبحاثاً حول الحرب المستقبلية.

بدأت مسيرة مكفيت كقائد مظلي وضابط في الفرقة 82 الجوية في الجيش الأمريكي. خدم في عهد ستان ماكريستال وديفيد بترايوس، وتخرج من برامج تدريب النخبة، مثل مدرسة جنغل وارفير في بنما. ثم أصبح مقاولاً عسكرياً خاصاً. من بين تجاربه العديدة، تعامل مع أمراء الحرب، وقام بتكوين جيوش من أجل مصلحة الولايات المتحدة، وأجرى استطلاعاً استراتيجياً لشركات النفط، ووقع صفقات أسلحة في أوروبا الشرقية، وساعد في منع حدوث إبادة جماعية وشيكة في منطقة رواندا.

كما شغل مواقع إدارية واستشارية رفيعة مع الشركات في عدد من الدول. وله كتب أخرى منها: «المرتزقة الجدد: الجيوش الخاصة وماذا يعني النظام العالمي» (مطبعة جامعة أكسفورد) والذي يشرح كيف تقوم خصخصة الحرب بتغيير الحرب، وحققت كتبه مبيعات عالية على قائمة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
زاندر دنلاب
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر