عادي
أفق

“الأكول”

01:32 صباحا
قراءة دقيقتين

المتعة الفكرية واللغوية التي حظيت بها من خلال قراءة كتاب الأكول للكاتب الإماراتي أحمد أميري، من منشورات دار كتاب الإماراتية ،2011 تضاهي متعة متابعة مسلسل تلفزيوني ناجح وسلسلة من الحكايات التي تملؤها المفاجآت والمواقف المثيرة، ويأخذك من الصفحة الأولى إلى الفصل الرابع عشر المخصص لسيناريو فيلم الأكول إلى أكثر من منطقة، ويمتعك بما لذ وطاب من الحكايات ومغامرات الطفولة الواقعية، وصولاً إلى يوبيل البدانة الفضي .

لم أبدأ قراءة الأميري وأنا لا أعرفه، بل كنت قد تابعت مقالاته ومجموعته القصصية الأسد الذي اعترف، وكنت أرى في كتاباته نكهة مختلفة، لها مذاق ممتع ويمكن أن تلتهمها في جلسات قصيرة ومن دون إحساس بالملل .

ولكن في كتابه المعنون بالأكول، يضع لنا الأميري ضمن أربعة عشر فصلاً منوعة، سيرة واعترافات، يقول في مقدمة الكتاب عنها إنها اعترافاته الشخصية بمناسبة احتفاله بالذكرى الخامسة والعشرين لبدانته، ولأن هذه البدانة قد غيرت مسيرة حياته، وجعلته شخصاً آخر غير الشخص الذي تمنى أن يكونه، ويفاجئنا هنا بسلسلة من المتع والمواهب الكتابية بحرفية .

وكتب الأميري في مقدمته رجاء بأن لا يكون عنوان الكتاب الأكول مضللاً للقارئ، فهو يؤكد أنه لن يجد فيه سيرة الطعام فحسب، بل سوف يتنقل بين تاريخ طويل، وممتع، عاشه الأميري في ظل عائلة محبة للضيوف، وكريمة المحتد جعلت من استضافة الناس وإكرامهم جزءاً من شخصيتها المحبة، وجعلت من الأكول نفسه بطل السيرة أكولا بلا تحفظ ونهما للمنافسة في ظل اضطهاده أمام ذلك الكرم الحاتمي الكبير .

في كتاب أحمد الأميري مجموعة من الحكايات المبدعة والممتعة، والتي جاءت في تركيبة غنية بالمفاجآت والابتسامات، وجعلتني أضحك أكثر من مرة وأنا أتخيله يجري حافياً في المدرسة ويحارب للحصول على حقه في الحلويات المدسوسة عنه، كما أمتعتني تلك السيرة الجميلة لتاريخ دبي والمعالم والأماكن التي كانت ولا تزال جزءاً من ذاكرة كل من كبر فيها ومعلماً لا ينمحي من عقولنا الطفلة .

ولاشك في أن كون السيرة مجموعة من الاعترافات الشخصية والواقعية، قد أضفى عليها تميزاً يندر أن يحدث في أي كتابات أخرى، خصوصاً أن الأميري لم يكذب أبداً، ولم يترك جزءاً من التاريخ يقف أمام مرآة التجميل، ولم يترك لقلمه العنان في وضع رتوش مضللة على وجه ذاكرته الحقيقية .

إن الصدق الذي يملأ الكتاب، والحكايات الباسمة فيه، وتلك النوادر الظريفة التي لابد وأن تعثر لنفسها على محطات في نفوس القراء على اختلاف ميولهم وأهوائهم، جعلتني أثق بأن لدينا كاتباً محترفاً في فن الكتابة الساخرة، وهو قادر على التمييز بين تلك المبتذلة والرديئة وبين السخرية الجميلة والذكية، والتي تملأ أعطاف السطور وحنايا الفصول بالعديد من القصص والتي تشكل عالماً متماسكاً لطفل كبر اليوم وأصبح كاتباً ذا قلم شفاف ونبيه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"