مطلوب من أمريكا تحسين الأداء في مواجهة «الموجة الثانية»

02:21 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد العريان
محمد العريان

تعثرت جهود مكافحة وباء «كوفيد -19» في الولايات المتحدة، في «تجربة طبيعية» تفوق نتائجها السلبية على المستوى الوطني حتى الآن النتائج الإيجابية، مع تسجيل المزيد من الخسائر في الأرواح، والمزيد من حالات المرض المنهك، ناهيك عن نكسة الانتعاش الاقتصادي. وهي الآن تواجه تجربة «طبيعية ثانية» من المرجح أن تكون نتائجها مخيبة للآمال ما لم تكن على استعداد لتعلم الكثير من دروس التجربة الأولى.
ونتيجة التخلي عن كثير من القرارات الجريئة في المواجهة، والاتكال على جهود الولايات منفردة؛ انتهى الأمر بالولايات المتحدة باتباع نهج مختلف تماماً عن الأغلبية العظمى من دول العالم الأخرى في الخروج من عمليات الإغلاق الصارمة التي فرضها الفيروس. بينما تتباين النتائج الفردية على مستوى كل ولاية، وهناك الآن أدلة دامغة على أن أغلب الولايات التي أعيد فتحها في وقت مبكر؛ أصبحت الآن مثقلة بالأزمات الصحية والاقتصادية مع عدم وجود طريقة سريعة؛ لحل كليهما في نفس الوقت.
وتسجل ولايات مثل: فلوريدا وتكساس أعداداً قياسية في الإصابات، ودخول المستشفيات، كما يترفع فيها عدد الوفيات. وقوض نقص الاختبارات، وتأخر النتائج قدرة السلطات على تجنب تدهور ظروف الصحة العامة، حتى في الولايات التي أدركت خطورة الوضع. والنتيجة هي أن الانتعاش الاقتصادي سيتباطأ حتماً، ليس فقط بسبب التراجع عن إعادة الفتح، لكن أيضاً بسبب فقدان الثقة المحتمل بين الأسر والشركات، والذي من المرجح أن يضعف حماسهم لإعادة الانخراط بمجرد إعادة فتح الأنشطة مرة أخرى.
في الطرف الآخر من الطيف، تتمتع الولايات التي أعيد فتحها ببطء أكثر، خاصة شمال شرق البلاد، بوضع صحي أفضل بكثير. ويرجع ذلك جزئياً إلى تجاوب الحكومات المحلية السريع الذي فرضته شدة الموجة الأولى من الوباء. والأهم من ذلك تعاون سكان تلك الولايات والتزامهم بالتوجيهات الخاصة بارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي؛ لذلك تجري عملية «إعادة الفتح» بطريقة أكثر تنظيماً واتساقاً حتى الآن.
وتبدو النتائج مختلطة في المجموعة الوسط من الولايات، التي لم يلتزم أفرادها بسلوكات صحية مع غياب القرارات على المستوى الاتحادي أو الحكومة المحلية. ويبدو ذلك جلياً كل يوم في جنوب كاليفورنيا؛ حيث دفع ظهور الإصابات مجدداً، السلطات إلى التراجع عن بعض عمليات إعادة الفتح، وفرض الأقنعة في الأماكن العامة؛ لكن الناس كانوا بطيئين في الاستجابة، ويبدو أنهم لم يتعلموا الكثير من التجربة السابقة لولاية نيويورك على وجه الخصوص.
وفي بعض المناطق لا ترتدي الأغلبية العظمى من الناس في الأماكن العامة، أقنعة، كما أنهم لا يلتزمون بقواعد التباعد الاجتماعي. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى مجموعة من المعلومات الخاطئة، والرسائل غير المتسقة التي دفعت الأفراد، وخاصة الشباب، إلى عدم إدراك مخاطر سلوكهم على المجتمع ككل. كما أن زيادة عدد الاختبارات لم يواكب الطلب المتزايد عليها، ما أدى إلى تشتت جهود المواجهة وتباطؤ التعافي.
وترسم نتائج هذه التجربة الطبيعية الأولى صورة مخيبة للآمال على المستوى الوطني، ممثلة في مستويات قياسية من الإصابات اليومية، ما يقرب من 80 ألفاً، والضغوط الهائلة على طاقات المشافي وارتفاع عدد الوفيات. وتهدد هذه النتائج مصير التجربة الثانية بنتائج غير مقصودة بدأت تتجلى في إدارة بلد يتحرك بسرعات متعددة، يأمل فيه الأشخاص الذين أعيد فتح الأنشطة أمامهم ويتمتعون بصحة جيدة، في تجنب العدوى من البقية.
تحقيقاً لهذه الغاية، انتقلت العديد من هذه الولايات إلى اتباع نهج متردد في مواجهة هذه المرحلة الصعبة من المواجهة مع الوباء، وهي المرحلة التي ستلازمها إلى أن تترسخ مؤشرات المناعة الجماعية أو يتوفر لقاح. ومن أبرز معالم هذه المرحلة: اللجوء مجدداً إلى الحظر والحجر الصحي الذي بدأت نيويورك في تطبيقه لمدة 14 يوماً على القادمين إليها من ولايات أخرى. وتدعو حكومة الولاية حكومات ولايات أخرى لاتباع نفس الإجراءات؛ خاصة مع الولايات الأكثر تضرراً بالعدوى.
لكن القدرة على المحافظة على إعادة الفتح هذه ليست في يد حكومات الولايات وحدها. وبمقتضى الاعتبارات الدستورية وغيرها مثل: الحرص على حماية مواطني كل ولاية من العدوى، سيعتمد الكثير على مدى سرعة تعلم الولايات الأخرى، بما في ذلك الأشخاص الذين يعيشون هناك، الدروس من التجربة الطبيعية الأولى. وينطبق هذا أيضاً على الحكومة الفيدرالية.
والمطلوب بإلحاح حالياً هو مجموعة من الإجراءات المدعومة علمياً، وتعزيز نهج التواصل والتوعية؛ بهدف فرض سلوك صحي قبل أن يتدهور الموقف
ويصبح فرض أسابيع من عمليات الإغلاق واسعة النطاق أمراً لا مفر منه. وإذا حدثت مثل هذه الإغلاقات، فستكون لها آثار اقتصادية واجتماعية سلبية شديدة، ليس أقلها دفع البلاد إلى الركود مرة أخرى، والمخاطرة بالتذبذبات المالية المتجددة.
وعلى الرغم من التقدم المشجع في توفير العلاجات واللقاحات، فإنها في الوقت الحالي هي الطريقة الوحيدة الممكنة؛ لتجنب مجموعة من الأزمات:
1- إفلاس واسع النطاق وموجة ثانية من البطالة بعد ضخ الحكومة والبنك الاحتياطي الفيدرالي موارد كبيرة للإغاثة.
2- ضربة أخرى تطال الثقة في فاعلية المؤسسات وجدوى القرارات السياسية.
3- تفاقم عدم المساواة في الدخل والصحة وتكافؤ الفرص.
4- تقييد وصول الأطفال إلى التعليم الصحي، وإثارة شبح «الجيل الضائع» المخيف الذي ينتهي بهم إلى مستوى معيشي أسوأ بكثير من مستوى والديهم.
5- تأجيج الاضطرابات الاجتماعية في وقت يزداد فيه الوعي بالظلم الطويل الأمد الذي يعمق تآكل التماسك الاجتماعي اللازم؛ لضمان المسؤولية الجماعية للتغلب على تحدي الأجيال.
ويبقى الهدف الأساسي من التجارب الطبيعية؛ هو استخلاص النتائج، والانفتاح على آثارها، وتعديل السياسات والسلوكات وفقاً لتلك المعطيات. وما لم تطور آليات التعامل مع التجارب السابقة، وتتعلم دروسها، فسوف يسجل التاريخ فشل التجربتين الأولى والثانية، ونتائجهما الكارثية على الأجيال المقبلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"