اليمن والسيوف السبعة

04:41 صباحا
قراءة دقيقتين

أجهزة الأمن اليمنية تمكّنت من استعادة سبعة سيوف تاريخية كانت مسروقة من المتحف الوطني في صنعاء، من ضمن مسروقات تاريخية أخرى . وعلى العموم فإن سرقة المتاحف وغيرها ليست صرعة جديدة في الطبعات الحديثة للواقع العربي، إذ إن مشاهد النهب والسرقة في العراق ما زالت طازجة في ذاكرتنا، حتى لو راق لبعض الإعلاميين والمثقفين جعلنا ننسى أن بغداد أسقطت ذات يوم بغزو خارجي حمل لواء "حرية العراق" فحوّلها إلى بحر دم، ما زالت تعوم فيه، وما زال منسوبه يزداد ارتفاعاً، لأن الأدوات تواصل أداء المهمّة .
صحيح أن النسبية تفعل فعلها بحيث تظهر اليمن وكأنها واحة استقرار وسكينة قياساً بما يجري في العراق وليبيا وسوريا، لكن من غير الإنساني أن يتاح لهذه النسبية أن تفعّل معاييرها حين يتعلّق الأمر بحق البشر في الحياة، لأن كل قطرة دم تراق من أي إنسان بريء تلطّخ جبين القتلة وداعميهم والمتواطئين والصامتين بالعار في أي مكان وزمان . لا يمكن لقتل الناس جماعياً في مكان، أن يجعل قتلهم فرادى في مكان آخر أمراً خارج التغطية، سواء قتلوا في صراعات طائفية أو عرقية أو قبلية، أو بنيران الأنظمة والمعارضات المسلّحة، أو بقصف طائرات أمريكية من دون طيار أو ضمير .
اليمن مثال آخر على التيه والضياع وتحطّم البوصلة تحت ضربات مطارق التجاذبات والصراعات العبثية . ففي الجنوب حراك ودعوات لتصعيد المقاومة الشعبية السلمية ضدّ النظام، ومسمّيات لأيام الجمعة وهيئة تنسيقية لتصعيد الهبّة الشعبية، وحديث عن عصيان مدني لا يعرف الداعون إليه أنه لا يمكن أن ينجح ما لم يأت كآخر وسائل النضال الديمقراطي السلمي بعد استنفاد التظاهرات والمسيرات والاعتصامات والمهرجانات والإضرابات العامة، وليس واحداً منها . ويبدو أنهم لا يدركون أنه في حالات العنف والإرهاب يصبح الأمن والسلم الاجتماعي أولوية . وفي هذا السياق ينبغي النظر ملياً إلى المواجهات القبلية والطائفية في صعدة، والاغتيالات والتفجيرات والخطف في كل البلد .
في اليمن الذي حفظنا عن ظهر قلب أنه "سعيد"، يموت أناس كل يوم، يجوع ويعطش أناس كل دقيقة، ويفتك التخلف والفقر بمقومات الحضارة هناك، حيث يعيش مليونا طفل خارج أي شيء له علاقة بالتعليم، وستة ملايين من الراشدين لا يملكون مهارات الكتابة، في حين تصل نسبة الأمية إلى 62 %، ويتدهور اقتصاد البلاد الريفي وتتضخم أسعار الغذاء، وليس غريباً ولا من قبيل الترف أن ترتفع أصوات ترى ضرورة رفع قضية المياه إلى أعلى سلم أولويات مؤتمر الحوار الوطني، وتحديد هوية البلاد الاقتصادية، وفقاً لمواردها والتركيز على التنمية وتطبيق القانون لتحقيق الأمان للناس والاستقرار في البلد .
لا بد من تضافر جهود الأحزاب السياسية والقوى الشبابية الوطنية في اليمن للوصول إلى حوار شامل يعطي الأولوية لوقف النزيف، فقد لا تكون سرقة السيوف السبعة مجرد حادثة جنائية مثل سرقة "جنطات" السيارات بعد سقوط بغداد، فللسيف رمزيته القتالية، وإن تعرّضت هذه الرمزية للتشويه من سكاكين "الثورات" الحديثة، يبقى أن "السيف أصدق أنباء من الكتب . . . في حده الحد بين الجد واللعب" .
[email protected]


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"