إيران بعد الاتفاق النووي

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. ناجي صادق شراب

لا شك أن توقيع الاتفاق النووي أخيراً بين إيران ومجموعة «الخمس زائد واحد» ستكون له انعكاسات كبيرة ودراماتيكية على موازين القوى الإقليمية والدولية، وعلى أدوار كثير من الدول، وسيعيد النظر من جديد في العلاقات بين إيران والدول الموقعة، وخصوصاً الولايات المتحدة. فهذا الاتفاق ليس كأي اتفاق يوقع بين دولة وأخرى، هو اتفاق من اتفاقات القوة بين دول تملك القوة والتأثير في دائرتها، وقد يذكرنا بالاتفاقات التي وقعتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي سابقاً والتي ترتبت عليها إعادة بناء القوة بناء على مصالح هذه الدول، وبناء مكانة الدول على موازين سلم القوة الدولية.
لعل المنطقة العربية والخليج هما أكثر المناطق التي ستتأثر بالتداعيات والنتائج المترتبة على هذا الاتفاق.. إذ لا بد من التأكيد على أن الاتفاق لم يحرم إيران من امتلاك القدرات النووية السلمية وحتى العسكرية في المنظور البعيد. لأن الاتفاق تعامل مع إيران على أنها بالمعنى الشامل دولة نووية، والهدف من الاتفاق ليس الحرمان بقدر الاحتواء للقوة النووية الإيرانية، وهذا أقصى ما يمكن أن تحققه مجموعة «الخمس زائد واحد»، إدراكاً منها أن إيران لن تقبل تحت أي شرط أن تحرم من قوتها النووية. وقد حققت إيران ما تريد من هذا الاتفاق الذي سوف يعلق العقوبات المفروضة عليها، وسوف يفرج عما يقارب 120 مليار دولار من أموالها المجمدة، ما يعني إعطاء قوة دفع قوية للاقتصاد الإيراني، وهو ما قد ينعكس على عملية إحياء لاقتصادها، وزيادة قدرات النظام السياسي الإيراني، وقدرته على مواجهة الضغوط الداخلية، بحيث يتم استبعاد أي إمكانية لأي ثورة أو انتفاضة داخلية، وسيزيد من قدرات إيران في التأثير ومد النفوذ على مستوى المنطقة من منظور دعمها للقوى والفواعل والنظم التي تسير في فلكها.
تدرك إيران تماماً أن امتلاك القوة النووية من دون قدرات اقتصادية قد يفقدها ممارسة دورها الإقليمي والدولي كدولة قوية لها مصالحها ومناطق نفوذها التي ستعترف بها الدول الموقعة على هذا الاتفاق. وتدرك أيضاً أن القوة النووية وظيفتها الردع وليس الاستخدام، وتدرك ثالثاً أن هناك دولاً تملك هذه القوة النووية أكبر بكثير من قوة إيران وخصوصاً «إسرائيل»، ومن هنا جاء التعامل الإيراني مع المفاوضات الماراثونية.. فهي تعاملت مع هذه المفاوضات بعين ونصف، عين على رفع العقوبات الاقتصادية واستعادة دورها في المنطقة، ونصف عين بالنسبة لقوتها النووية في هذه المرحلة.
وفي هذا السياق تكون إيران قد حققت أهدافها السياسية والجيوسياسية، وبالمقابل حققت الدول الأخرى الهدف الرئيس وهو احتواء القوة النووية الإيرانية. وتبقى أمام إيران معضلة أخرى، وهي كيف ستتعامل مع مصالحها ومناطق نفوذها في المنطقة؟ وبأية وسيلة وآلية؟ هل بآلية التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، أم من خلال إعادة النظر في أساس هذه العلاقات، وتبني معايير جديدة تقوم على الاعتراف المتبادل بالمصالح المشتركة، ومن ثم الدخول في حوار مع دول المنطقة الرئيسة مثل مصر والسعودية ودول الخليج لإعادة صياغة علاقات جديدة من منظور المصالح المشتركة. وهذا ما ينبغي أن تدركه إيران.
إن الاتفاق لن يمنح إيران شيكاً على بياض لممارسة أي شكل من أشكال العربدة السياسية، والتدخل السافر في شؤون المنطقة، لسبب واحد وبسيط هو أن دول المنطقة لم تعد هي نفس الدول، التي تقبل بسياسات الخضوع والتبعية، ثم إن هذه الدول تملك من القوة ما يسمح لها بمواجهة النفوذ الإيراني، وما «عاصفة الحزم» إلا أحد أشكال التغيير في سياسات الدول العربية المعنية، كذلك فإن مجموعة «الخمس زائد واحد» وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بحيث لن تسمح بأية سياسات تخرج عن قواعد اللعبة الدولية المتعارف عليها، وما زالت هذه الدول تتحكم بمعايير ومحددات موازين القوة في المنطقة، ولا ننسى في هذا السياق السياسة «الإسرائيلية» التي قد تكون أكثر الدول في المنطقة تضرراً من توقيع هذا الاتفاق كونه يعترف ولأول مرة بتغيير قواعد لعبة القوة التي لم تعد تحتكرها «إسرائيل».
ولا بد من التنويه في سياق نظرية القوة التي أشرنا إليها بأن دول المنطقة لديها القدرة على إعادة النظر في تحالفاتها الدولية التقليدية، وهنا نشير إلى بدايات تحول بدأت تظهر في هذا الصدد من خلال توجه بعض الدول مثل السعودية ومصر نحو روسيا لإعادة التوازن في علاقاتها، وخلق خريطة جديدة من التحالفات.
كل ذلك يستدعي من إيران أن تبادر لإعادة علاقاتها بدول المنطقة على أسس الجوار المشترك، والمصالح المتبادلة، وهذا من شأنه إذا تحقق أن يشكل تحالفاً إقليمياً قد يحدث تحولاً كبيراً في موازين القوة لصالحها على حساب موازين القوى التي كانت تعمل لصالح «إسرائيل» والولايات المتحدة فقط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"