الفنون الشعبية العمانية ذاكرة تحركها الإيقاعات

أكثر من 12 فناً موزعاً بين المناطق
19:38 مساء
قراءة 6 دقائق

تشتهر سلطنة عمان بالعديد من الفنون الشعبية، ويعتبر فنا الرزحة والعازي أشهرها وهناك أكثر من 12 نوعاً من الفنون الأخرى تشتهر كل منطقة بنوع معين منها يميزها عن غيرها من المناطق، ومن أشهر هذه الفنون: العازي، وهو فن الفخر أو المدح، يؤدى في كل مناطق الداخلية والظاهرة والشرقية . ويقوم على الإلقاء الشعري من دون تنغيم أو غناء، وهو فن فردي يؤديه شاعر العازي الذي يتقدم جماعته وهو ممسك بسيفه وترسه يسير وهو يلقي بالقصيدة ويهز سيفه عند كل وقفة في الإلقاء هزة استعراضية . ويشارك الرجال الذين يسيرون وراء الشاعر في شكل صفوف تحيط به بهتافات تقليدية منتظمة وهي (وسلمت) في منتصف المقطع (والملك لله يدوم) في نهاية البيت .

قد يسبق العازي أو يتلوه في بعض المناطق التعيوطة أو التعييطة وهي صورة من صور الفخر بكلمة (سود) يرددها المشاركون في العازي ويتبعها المعيط باسم من يريد أن يمدحه .

والأصل في كلمة (سود) هو (أسود) جمع أسد، وفي النطق تسقط الألف، ويرددها المشاركون بصوت واحد .

والرزحة من الفنون الرجالية وينتشر في مختلف ولايات السلطنة ويشارك فيه عدد كبير من الرجال وذلك في شكل صفوف متساوية يتقدمهم رجال يتبارزون بالسيوف والتروس، وكلمات هذا الفن عبارة عن مطارحة شعرية تتناول مواضيع تتعلق بالشجاعة والفخر والمديح والهجاء .

ويستخدم في هذا الفن الطبل العماني الذي غالباً ما يكون متوارثاً عند أبنا القبيلة، حيث يقوم الطبالون بالتحرك بين الصفوف وهم يقرعون الطبل بطريقة موسيقية تتماشى والكلمات الملقاة . وسمي الرزحة بهذا الاسم لأن الرجال المتبارزون بالسيوف يرزحون تحت أثقالها . أي أن كل متبارز يتحمل ثقل سيفه ويقفز عالياً في الهواء ليهبط واقفاً على قدميه .

ومن فنون البدو التغرود، ويغنى على ظهور الجمال (البوش) وهي تهرول وكان فيما مضى يؤدى والرجال متجهون إلى غزوة أو عائدون منها منتصرين أو في رحلات السفر الطويلة كما يؤدى للسمر والترويح والبدو جلوس أمام خيامهم .

والتغرود يسمى رزحة البدو أو رزفة البدو، وهو غناء جماعي في صورة نغمية ثابتة تتميز باستطالة حروف المد في نغمة متموجة هي الصورة المسموعة لحركة سير الجمال، لذا يسمى هذا الفن بشلة الركاب إشارة إلى أدائه والركاب تسير عند جميع أهل البادية في مناطق السلطنة .

أما العيالة فهو من فنون شجاعة الرجال ويصطف فيه المشاركون صفين متقابلين، ويتبادلون الغناء بشلة شعر واحدة يرددها الصفان على التوالي حتى تتم أبيات القصيدة . والحركة في العيالة تميل إلى البطء أما الإيقاع فغالباً ثلاثي باستخدام آلات مختلفة من منطقة إلى أخرى فيستخدم الطبل الكاسر والطبل الرحماني وطبل الرنة كما يستخدم كذلك الدف والطاسة .

ويكثر هذا الفن في منطقتي الظاهرة والباطنة ويؤديه الرجال في شكل صفين متوازيين يقبض كل من بالصف بجاره من معصمه، فيصبح الصف الواحد متماسكاً، بينما يقبض الرجل في اليد الاخرى بالخيزران ويحركها على نقرات الإيقاع الثلاثي مع حركة الرأس من الأعلى إلى الأسفل في حركات واضحة .

ويعرف الهبوت بأنه فن الرجولة والشهامة والفروسية في محافظة ظفار، ويشبه فن الرزحة في مناطق شمال عُمان لكنه يختلف عنه في الكلمات واللحن والإيقاع، ففي الهبوت يصطف المشاركون في صفوف قصيرة مستعرضة يتلو الواحد منها الآخر في نظام متقن بدءاً بكبار السن وانتهاء بالشباب فالصغار، وكلهم يحملون سيوفاً وبنادق وخناجر في شكل موكب رهيب يتقدمهم عدد من الشباب رافعين سيوفهم أو خناجرهم وهم يقفزون في الهواء قفزات شجاعة كأنهم يعلنون عن قدوم الموكب .

والهبوت أنواع عدة منها هبوت أهل المدن وهبوت البادية وهبوت الواقف عند أهل البادية وغيره،ا بالإضافة إلى هبوت خاص يؤديه الأشخاص وهم ذاهبون لنجدة ملهوف أو مكلوم ويسمى هبوت النجدة . ولكل هبوت شاعر ويتبارى الشعراء في شكل مطارحة شعرية في تجويد الشعر في المناسبة التي يقام فيها بالرغم من أن القصيدة في الهبوت غالباً لا تتجاوز البيتين فتكون سهلة الحفظ وسريعة الانتشار .

والونة هو غناء الذكريات ويؤديه منفرد بدوي يسلي نفسه ويطرد عنه النوم وهو على ظهر ناقته في رحلة ليل طويلة . ويؤدى غناء الونة الآن والبدو جلوس على الأرض يحيطون بالمغني الذي يضع إحدى راحتيه على خده ويقفل عينيه أثناء الغناء، وقد يشارك في غناء الونة بدوي آخر يتلقف من المغني شعر ونغم الغناء في آخر بيت الشعر ويعيد غناءه مثلما غناه صاحبه .

يطلق على الونة كذلك اسم بنت العرب في صحار أو ولد العرب في البريمي وذلك نسبة إلى بداوة هذا الفن . والأغلب في شعر الونة أنه يكون لأغراض الذكريات والغزل وقليلاً في مدح النوق، ويطلق على هذا الفن كذلك اسم النوحة إشارة إلى طابعة المتسم بالحزن في الغالب .

ومن الفنون التي تشتهر بها محافظة مسندم الرواح الذي تلتقي فيه فنون السيف مع فنون الشحوح في تكامل منسق، والرواح يختص به بدو الجبال وتقوم رقصته على إيقاع مجموعة من الطبول من أنواع الرحماني والرنة والكاسر، يصل عددها إلى الثمانية أو العشرة . ويختلف الغناء في فن الرواح باختلاف الوقت الذي يؤدى فيه، فللمساء رواحه وكذلك للصباح والظهر والعصر، وغالباً ما يؤدى في حفلات الزواج والمناسبات الوطنية وعيدي الفطر والأضحى .

وهناك النيروز، وهو بالفارسية الربيع، وعند أهل البحر تمام الحول . وكان أهل عمان من سكان السواحل يتجهون في الماضي إلى داخل البلاد في الصيف طلباً لاعتدال الجو، حيث تكثر البساتين وعند انتهاء الموسم يعتدل الجو فيعود الناس إلى ديارهم ويحتفلون بعيد النيروز .

وينفرد هذا الاحتفال في براعة بعض الرجال في تمثيل أو تشخيص بعض الحيوانات كالثور أو الأسد وذلك باستخدام قناع يمثل الحيوان . يصل احتفال النيروز إلى ذروته عندما يصل الموكب إلى البحر ويدخل الرجال إلى الماء مشياً حتى يصل مستواه إلى أكتافهم وهم ينشدون على دقات الطبول وزغاريد النساء سيح نيروز سيح .

وللشباب أيضاً فنونهم ومنها البرعة، وهو أحد فنون مرح الشباب في محافظة ظفار ويؤديها اثنان معاً وقد امسك كل منهما في يده اليمنى بخنجره ويتحرك راقصاً . والبرعة حركة انسجامية يتقدم فيها الشابان ويتقهقران ويدور كل منهما حول نفسه دورة كاملة . ثم يركعان سوياً أمام الفرقة الموسيقية التي تغني وتضبط الإيقاع . أما الآلات الموسيقية المستخدمة في البرعة فهي القصبة والطبل المروس، والطبل الصغير وطبل المهجر، والدف، وغناء البرعة اغلبه في الغزل .

والشوباني هو أحد فنون البحر ويجمع ما بين العمل والتسلية ويمارسه البحارة حيثما حلوا وعندما يصيح الطبل في إيقاع ثلاثي نشط وسريع، يتحرك البحارة على نقراته في حركة مترنحة خفيفة بديعة وهم يحملون بعض ما أنزلوه من على ظهر الخشب من بضائع ثمينة مثل أنياب العاج أو جذوع الأشجار من الخشب النادر، وان كان الميناء هو نهاية رحلة العودة، ينزلون الشراع من ساري السفينة في ظل الغناء المنفرد لعقيد الشوباني، أو قائد المغنين ومجموعة البحارة، كما ينظم المستقبلون إلى موكب البحارة ويرددون معهم الغناء .

وفي ما يخص النساء، هناك فن تشح شح ويؤدى في المناسبات السعيدة كالخطبة والأعراس والاحتفال بمولود وتؤديه في الأغلب فرق محترفة يدعوها أصحاب المناسبة ويكافئها المدعوون بما يطرحونه من نقود في إناء معدني تضعه الفرقة في موضع متوسط من المدعوين، والغناء المنفرد في فن التشح شح يكون في الأغلب لعقيدة الفرقة ويكون الشعر من النوع المخمس أو المسدس أو المسبع يصاحبه غناء لطيف مع تصفيق النساء المرددات وتستخدم في هذا الفن آلات الطبل والدف والطوس .

والحمبورة من فنون النساء في المنطقة الشرقية حيث يجلسن القرفصاء ويتحركن في قفزات إيقاعية، ومن تقاليد رقص الحمبورة أن تقترب راقصتان الواحدة من الأخرى وتلتصق الجبهتان فتصبحان جسداً واحداً .

ويعتبر القصافية أحد فنون المنطقة الداخلية غالباً ما يقتصر على الرجال ويمتاز بالشعر الحماسي لارتباطه بعمل معين . والقصافية رزحة سريعة الإيقاع يبدأ بها لقاء الرزحة ويؤديها الشباب تمهيداً لرزحة الكبار .

وهي بمثابة المدرسة التي يتدرب فيها الشباب على أصول فن الرزحة، فالإيقاع بسيط سواء كان ثنائياً أو ثلاثياً والشعر قصير البحر وأغراضه خفيفة مثل الوصف والغزل .

ولأن الاجيال الناشئة لا تعرف الكثير عن فنونها الشعبية القديمة، خاصة في هذا الوقت الذي غزت فيه البرامج الغنائية التلفزيونية والفيديو كليبات عقولهم، تأتي المهرجانات الشعبية التي تنظمها وزارة الثقافة والتراث إحياءً للماضي العريق وتذكيراً لهذه الأجيال الحديثة التي سقط من ذاكرتها العديد من جنبات الماضي التليد ودور اختلاف الفنون الشعبية من منطقة لأخرى في الثراء الحضاري الذي تتميز به السلطنة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"