عادي
قمم خالدة

آلان تورنج..«أبو الحاسوب» منقذ الحلفاء من النازية

03:17 صباحا
قراءة 7 دقائق

«الأب الروحي لعلوم الحاسوب».. عالم الرياضيات.. مبتكر الآلة، التي عرفت باسمه «آلة تورنج»، الذي حل لغز شِفرة «إنغيما»... الرجل، الذي هزم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، كلها حقائق تليق بالعالم البريطاني «آلان تورنج»، الذي أسهمت أبحاثه العلمية المتخصصة في تطور العلوم، وبالذات علوم الكمبيوتر، والبرامج والحواسيب.

ولد «آلان ماثيسون تورنج» في منطقة مايدا فيل/‏لندن عام 1912، أظهر منذ طفولته دلائل كثيرة على نبوغه، التحق في سن ال13 بمدرسة شيربورن، وكان مهتماً بالدرجة الأولى بدراسة مادتي الرياضيات والعلوم، بعدها التحق بجامعة كامبريدج، بين عامي 1931 و1934، وخلالها قدّم أطروحته، التي أثبت من خلالها صحة نظرية الحد المركزي.

قدّم الكثير من الأوراق البحثية المهمة، وساهم بشكل كبير فيما يُعرف بحرب «فك الشِفرات» خلال الحرب العالمية الثانية.

في عام 1936، طرح ورقة علمية حول «الأرقام المعدودة»؛ قدمت فكرة آلة بإمكانها أداء العمليات الحسابية المعقدة، وتضمنت المفهوم الأساسي للحاسوب.

درس الرياضيات، وعلم الشِفرات في «معهد الدراسات المتقدمة» في برينستون بنيوجيرسي، وحصل فيها على الدكتوراه عام 1938، عاد إلى كامبريدج، وعمل بدوام جزئي في مدرسة الشِفرة والكود الحكومية.

له إسهامات؛ أوضحت بالحساب الرياضي، كيفية فك الشِفرات، انتقل إلى لندن في منتصف أربعينات القرن الماضي، وباشر عمله في مختبر الفيزياء الوطني، كما شغل عدة مناصب مهمة في قسم الرياضيات، ومختبر الحوسبة في جامعة مانشستر، وتابع أبحاثه العلمية حول الذكاء الاصطناعي، وفي عام 1950 نشر بحثاً بعنوان: «الآلات الحاسوبية والذكاء»، واقترح إجراء اختبار عُرف فيما بعد باسم «اختبار تورنج».

من تصميماته

«آلة تورنج» و«محرك الحوسبة الآلي»، وهو أول مواصفة كاملة نسبياً لجهاز كمبيوتر رقمي، متعدد الأغراض، ومخصص لتخزين البرامج.

توفي تورنج بتاريخ 7 يونيو/‏حزيران سنة 1954، وأظهر تشريح الجثة أن سبب الوفاة هو التسمم بالسيانيد؛ حيث خلص تقرير تشريح جثته إلى وجود محلول السيانيد في معدته، وبالتالي أعلن عن انتحاره.

أهم شخصية علمية في القرن ال20

في عام 1999، وصفت مجلة التايم «آلان تورنج» بأنه أهم شخصية علمية في القرن العشرين، معتبرة أنه - ودون أدنى شك- الشخص الوحيد، الذي قدم إسهامات علمية كبيرة، كما أنه غيّر وجه العالم في ثلاثة أشكال من الذكاء، التي لها صلة بالإنسان والتصنيع والجيش.

خلال الحرب العالمية الثانية، لعب تورنج دوراً مهماً في كشف شِفرة التقنية العالية للقرصنة الألمانية، فقلص أمد الحرب في أوروبا، وهو الذي أنقذ حياة ملايين البشر من الموت.

في عام 1936، اخترع جهازاً افتراضياً؛ يحاكي آلة حساب التفاضل والتكامل، سميت «آلة تورنج» لها علاقة بتكنولوجيا المعلومات، وساعدت في فهم الكثير من الحسابات؛ من خلال التلاعب بالرموز، هذه الآلة، تم تكييفها؛ لمحاكاة منطق الكمبيوتر، وهو الذي أسهم في تطوير علوم الحاسوب، الذي نشاهده اليوم.

في عام 1948، عمل تورنج مع «مان نيومان» وهو عالم رياضيات أمريكي من أصل مجري، في مختبر الحوسبة في جامعة مانشستر، وشاركا في تطوير أجهزة الكمبيوتر في الجامعة، بعدها أصبح تورنج مهتماً بالبيولوجيا الرياضية، وخلال هذه الفترة، كتب مقالاً عن القواعد الكيميائية للتكوين، متوقعاً اكتشاف تفاعلات كيميائية متذبذبة (تفاعل بيلورزوف - جابوتينسكي) في إشارة إلى العالم الروسي «جابوتنسكي».

في عام 1950، بحث تورنج في مجال الذكاء الاصطناعي، منطلقاً من حقيقة أنه من الصعب تحديد الذكاء، طارحاً السؤال «هل يمكن للآلة أن تفكر؟» فنشر ورقة بعنوان: «آلات الحوسبة والذكاء»، وكان هذا البحث أحد العناصر الأساسية، التي قامت عليها فلسفة الذكاء الاصطناعي، وهو الذي مهد لقدرة الآلة على محاكاة العقل البشري، وقدرته على التفكير، والاكتشاف، والاستفادة من التجارب السابقة، وكان له الفضل؛ عبر أبحاثه الكثيرة، في التنبؤ أن باستطاعة الكمبيوتر القيام بمهمات أكثر تعقيداً، وهو الذي تحقق اليوم، وقد صدقت توقعاته؛ حين توقع أن يصبح «التعلم الآلي» جزءاً مهماً من عملية بناء الآلات القوية، وهي عبارة يعدها الباحثون المعاصرون مقبولة.

جائزة تورنج

هي أرفع جائزة في تكنولوجيا المعلومات، وتمنحها سنوياً «رابطة الأجهزة الحاسوبية» إلى شخص يتم اختياره؛ لمساهماته ذات السمعة الطيبة، التي يتم تقديمها إلى «مجتمع تكنولوجيا المعلومات».

في الكتب

كان أول عمل قام به آلان تورنج هو اشتغاله على بحث بعنوان: «الأرقام القابلة للحساب»، وأنهى هذا البحث في 1936، وكان سبباً في اختراعه للآلة المعروفة باسمه «آلة تورنج»؛ وهي نموذج نظري بسيط يحاكي طريقة عمل الحاسوب، استطاع من خلالها أن يحاكي المنطق الخوارزمي، كانت ورقة البحث مهمة؛ لأنها مكنت تورنج ومن خلال الآلة، التي ابتكرها بأداء جميع العمليات الحسابية، وبهذا فقد تمكن تورنج من وضع يده على المفهوم الأساسي لنظام الحاسوب.

يتسلسل الكتاب في متابعة مشوار تورنج العلمي؛ بدخوله جامعة برينستون في عام 1938، وحصوله على شهادة الدكتوراه، ومن ثم تقديمه لأطروحته، التي حملت اسم «فكرة الحوسبة النسبية»، بعدها عاد إلى جامعة كامبريدج، وكانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، وهنا، تمكن من حل لغز الشِفرة الألمانية؛ المتعلقة بالقرصنة؛ بعد كشفه لأصفار آلة «إنيغما» الألمانية.

في عام 1948، عين تورنج بقسم الرياضيات بجامعة فيكتوريا في مانشستر، وخلال العام التالي، أصبح نائب مدير مختبر الكمبيوتر في جامعة مانشستر، وفي عام 1950، كتب «مكائن الكمبيوتر» و«الذكاء»؛ حيث يتحدثان مشكلة الذكاء الاصطناعي، وهي الفكرة التي تفترض أن الكمبيوتر يمكن أن يفكر ويتصرف، وكأنه إنسان.

اهتمام تورنج الكبير بعالم الكمبيوتر، دفعه لتكريمه بإنشاء جائزة باسمه هي«جائزة تورنج»، التي منحت لأول مرة في عام 1966، بعد وفاته، والجائزة تماثل «جائزة علوم الكمبيوتر»، التي تمنحها «جائزة نوبل»، كما تم تخليده أيضاً بنحت تمثال كشف النقاب عنه في مانشستر عام 2001.

آلة «إنيغما»

هي آلة تشفير كهروميكانيكية، تم استخدامها من قبل ألمانيا النازية؛ لحماية الاتصالات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.. بطبيعة الحال سارعت الشركات لتصميم هذه الآلة، وتصنيعها والتطوير عليها، ووفقاً لرالف سمبسون صاحب كتاب «حروب التشفير» من متحف تاريخ الكمبيوتر في «ماونتن فيو»، كاليفورنيا، ومتحف «التاريخ للتشفير» في سان خوسيه، فهناك نحو 350 آلة من «إنغيما»، وتحتفظ وكالة الأمن القومي الأمريكية وحدها ب21 آلة، وبعضها في جامعة كارينجي، ومتحف «شيكاغو للصناعة والعلوم»، وبعض الأكاديميات التابعة للقوات الجوية والبحرية الأمريكية.

وبهذه المناسبة، فقد بادرت ال«نيويورك تايمز» لإصدار كتاب بذات العنوان: «إنيغما» وهو المؤلف، الذي ألهم صنّاع السينما، فكان فيلم «إميتيشن غايم»، الذي حاز «جائزة الأوسكار»، وهو من بطولة البريطانيين: بينيديكت كومبيرباتش، وكيرا نايتلي.

جاء في الكتاب «ليس من المبالغة على الإطلاق أن نقول: إن عالم الرياضيات البريطاني آلان تورنج أنقذ الحلفاء من النازيين، واخترع الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي، وأحدث هزة في مجال حقوق الإنسان الشخصية.

كتاب «حياة وتراث آلان تورنج»

هذا الكتاب حرره كريستوف توشر، وجاء فيه: أدت مساهمات آلان تورنج الأساسية في مجال الحوسبة إلى تطوير تكنولوجيا الحوسبة الحديثة، ولا يزال عمله يلهم الباحثين في علوم الحوسبة، وما وراءها؛ والكتاب عبارة عن مجموعة منتقاة من المقالات، التي تتذكر تورنج، من قبل باحثين من ذوي الخبرة في مجال تخصصاتهم في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الطبيعية، والرياضيات، والفيزياء، والتشفير، والدراسات المعرفية، وكذلك الفلسفة والأنثروبولوجيا.

تتوزع مقالات الكتاب؛ لتغطي طيفاً واسعاً من اهتمامات تورنج من بينها مقالة

ل«راي كوزويل»؛ حيث يقدم ضوءاً على مستقبل علوم الحوسبة، وهناك مساهمة بارزة من الفيلسوف دانييل دينيت، والمتخصص بالسيرة الذاتية لتورنج أندرو هودجز، كما يتضمن مساهمة من الباحث الكبير مارتن ديفيز، الذي يقدم مقالاً ناقداً في مجال جديد ومثير للجدل، يطلق عليه اسم «الحواسيب الفائقة». ومن السمات المميزة للكتاب تلك المسرحية، التي أعدتها «فاليريا باتيرا»، وتتناول من خلالها قصة التفاحة القديمة بمنظور أنثربولوجي في إشارة إلى انتحار تورنج بتفاحة مشبعة بالسيانيد، وتعرض غموض الحياة والموت والقدر في إشارة لهذا العالم، الذي فعل الكثير؛ لفك شفرة لغز «إنغيما» خلال الحرب العالمية الثانية. أما الفصول الأخرى، فهي عبارة عن إعادة تقييم لأعمال تورنج المتعلقة بالحساب، والتعامل مع الأسئلة الفلسفية الرئيسية، التي أثارها «اختبار تورنج»، في حين يحتوي الكتاب أيضاً على مقالات تتناول أفكاره الأقل شهرة في موضوع «فيبوناتشي والترابط.

الأعمال الكاملة

وهو كتاب في أربع مجلدات، ويضم الكثير من الوثائق غير المنشورة لتورنج، وتناقش موضوعات الذكاء الاصطناعي والرياضيات البحتة والمنطق الرياضي، وفي هذا الكتاب يذكر اسم تورنج في النقاشات الفلسفية الكبرى؛ بوصفه أحد النوابغ، الذين عالجوا موضوعات تخصصية بحتة.

تورنج وعلم المورفولوجي

قدم تورنج في عام 1952 بحثاً له علاقة باختصاص علم المورفولوجيا، شرح فيه كيف يمكن أن تنشأ شرائط، ولوالب، وبقع، كتلك الموجودة في الكائنات البحرية وخاصة السمك، تحت عنوان «التكون التشكلي»، وقد تم اعتماد هذا البحث بشكل أساسي في علوم الأحياء النظرية.

قصة آلان تورنج

هو كتاب يرصد مسيرة تورنج العلمية، تحت عنوان فرعي: «العبقري المضطهد الذي ساعد في كسر شفرة إنيغما، وابتكار الكمبيوتر الحديث»، وهو من تأليف الكاتب ديفيد ليفيت، الذي كتبه بحساسية الروائي، الذي يلتقط البعد الإنساني في رحلة هذا العالم، في إشارة إلى ما أصابه من ملاحقة قانونية؛ بسبب تواضعه وتألقه وصراحته البالغة.

يقول ليفيت «في كل مرة أقوم فيها بفتح الجهاز الإلكتروني، الذي أكتب فيه هذه المراجعة، أشعر بالامتنان إلى آلان تورنج وأعتذر له أيضاً، على الشاشة، (التفاحة)؛ حيث إن الشعار يذكرني بفخر كبير بإنجازات تورنج، الذي نحزن على نهايته البائسة».

في الكتاب يسلط ليفيت الضوء على حل المشكلات الرياضية المستعصية، التي واجهت هذا العالم الكبير، مروراً بصنع آلته، واجتهاده في ابتكار نظام لفك الشيفرات، وضمان انتصار الحلفاء في الحرب على ألمانيا؛ وذلك بالتعاون مع زملائه العلماء في «بليتشلي بترك»؛ حيث أصبح «تورنج» رمزاً، وعالماً، وبطلاً في حقل الذكاء الاصطناعي، وأحد الذين طوروا حساسية الفكر البشري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"