عادي
قراءات

بول إيلوار.. شاعر الحب والمقاومة

02:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: الخليج

كان فرانسوا مورياك، يقول إن على جميع تلاميذ فرنسا أن يحفظوا قصيدة بول إيلوار «حرية» عن ظهر قلب، وهذا يعكس إعجاب مورياك بالشاعر المناضل، تلك الصورة التي لم تعد موجودة، فقد فقدت قصائد إيلوار الجانب السياسي، وتغيرت الظروف، حتى إن الناقد ريمون جان يقول: «انتقل مركز الثقل في شعر إيلوار، لم تعد المقاومة أو الفترة التي تلتها، اللحظة الكبرى في تاريخ ذلك الشعر، وأصبحت السيريالية ممثلة لتلك اللحظة، وإذا سلمنا بأن إيلوار شاعر سيريالي كبير، فإن الذين يوقفون مؤلفاته عند مرحلة معينة من تطورها، يفرغونها من اتجاهها اللاحق»، بينما يقول البعض الآخر إن إيلوار شاعر الحب أولاً وقبل كل شيء.

يؤكد هذا التضارب في الآراء، الصعوبة التي يلقاها الناقد في الإلمام بمؤلفات إيلوار في مجموعها، فإذا ألقي الضوء على جانب معين منها، كان هذا على حساب الجوانب الأخرى، لأنه لا توجد أمثلة كثيرة لشعر كهذا، يظل دائماً في مستوى نوعي عالٍ، بلا جهد ظاهر أو أدنى قدر من التوتر، ويمكن مع هذا تعيين فترات في مؤلفات إيلوار، لكنه في كل هذه الفترات تحدث بذات اللهجة دائماً، سواء تناول الحب أو الموت أو السلم أو الحرب.

ولد إيلوار واسمه الحقيقي «بول جريندل» في 14 ديسمبر عام 1895 كانت أمه حائكة، وأبوه محاسباً، اتجه إلى شراء العقارات وبيعها، وكانت هذه المهنة مصدر رزق وفير للأسرة، وكان أول حدث مهم في حياة إيلوار ذلك اليوم الذي بصق فيه دماً، ما جعله يقطع دراسته ويذهب إلى المصحة، وهو بعد في 16، وبالتالي لم يدرس في المدرسة الثانوية أو الجامعة؛ بل استعاض عنهما بالثقافة الشخصية العميقة، وكان أول أعراض المرض قد ظهر عندما كان يقضي إجازته في سويسرا، فعاد إليها وأقام فيها حتى عام 1914.

تميزت هذه الفترة- كما تقول د. سامية أسعد في ترجمتها لمختارات إيلوار الشعرية- باكتشافات عدة منها أنه اكتشف المناظر الطبيعية المختلفة عن المناظر التي اعتاد رؤيتها عندما كان طفلاً يسكن ضاحية باريسية عادية، واكتشف الحب عندما التقى الروسية جالا وتزوجها عام 1917 ومعها بدأت انطلاقة الشعر العاطفي، واكتشف الكثير من خلال قراءاته، وكان يهتم بالكتاب المحدثين والمعاصرين، وهكذا اكتشف نيرفال وبودلير ولوتريامون.

في عام 1946 أصدر إيلوار ديوانه «شعر لا ينقطع»، وفي هذا العام ماتت زوجته الثانية، ما أحدث تغييراً عميقاً في كتاباته، أحس الشاعر آنذاك بفراغ كبير، غير أن اليأس لم يولد الثورة إلا لكي يتجاوزها ويتخطاها، وتزوج زوجته الثالثة وكتب لها ديوانه «العنقاء»، ومات بجوارها بعد إصابته بذبحة صدرية عام 1952.

اختلطت حياة إيلوار لفترة ما بتاريخ الحركة السيريالية؛ حيث كان مثلاً لذلك الجيل الذي رأى في العاصفة التي اجتاحت أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، مدعاة لرفض كل القيم الموروثة، وطالب بلغة جديدة، واشترك في تحرير أول نص سيريالي جماعي «جثة» والمقصود بالجثة هنا الكاتب أناتول فرانس، وانضم مع أراجون وبريتون إلى الحزب الشيوعي الفرنسي.

كان إيلوار، قد اشترك في صياغة التاريخ المعقد للعلاقة بين الحركة السيريالية والحزب الشيوعي الفرنسي، وبالتالي تأثر بتطور تلك العلاقة والتقلبات التي تعرضت لها، والمتناقضات التي اتسمت بها، وحتى بعد أن قطع صلته بالحزب، ظل شاعراً سيرياليا ثورياً مخلصاً، وكان لابد للقطيعة أن تأتي، فميول إيلوار السياسية وتطور موقفه الشعري، ولغته التي أصبحت أكثر ميلاً إلى الوضوح، وأسهل في وصولها إلى الناس، كانت من بين الأسباب التي أدت إلى تلك القطيعة.

كان لعامي 1936 و1937 أعمق الأثر في اتخاذه موقفاً أكثر وعياً بدور الشاعر، فعندما دعي لإلقاء محاضرات في إسبانيا بمناسبة معرض لبيكاسو تعرف الشاعر إلى لوركا، وفي عام 1937 هاجم الطيران جورنيكا، التي كتب لها قصيدته «انتصار»، وعندما جاءت الحرب العالمية الثانية ردد الشاعر نداءه: «إلى الإخوة والأمل، والثورة عند الحاجة»، وانتشرت قصيدته «حرية» في جميع أرجاء العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"