عادي
أحد أعمدة البحث العلمي المدعم بالحجج والبراهين

ويليام هارفي..مكتشف الدورة الدموية الكبرى

03:15 صباحا
قراءة 7 دقائق
ويليام هارفي (1578-1657) طبيب إنجليزي له الفضل في اكتشاف الدورة الدموية الكبرى؛ ابتكر أفكاراً جديدة ومختلفة عن كيفية استخدام الجسم للدم، وركزت أبحاثه على آليات تدفق الدم في جسم الإنسان، فيما كان يعتقد أطباء زمنه أن الرئة كانت مسؤولة عن نقل الدم في الجسم، فأكد أن الانقباض هو المرحلة النشطة لحركة القلب، فيضخ الدم من خلال تقلص عضلته، وأدرك أن كمية الدم التي تصدر من القلب أكبر من أن تمتصها الأنسجة، وكان قادراً على إظهار أن الصمامات الموجودة في الأوردة تسمح للدم بالتدفق فقط في اتجاه القلب، وأثبت أن الدم يدور حول الجسم ويعود إلى القلب.
هو أول من عرف الدورة الدموية الكاملة للدم في جسم الإنسان، وقدم تجارب وبراهين لدعم هذا التعريف.
كان لهارفي 7 أشقاء وشقيقتان، وكان والده توماس هارفي مزارعاً يمتلك عدداً من الفدادين، التحق هارفي بكلية الملك في كانتربيري/كنت، من عام 1588 إلى عام 1593، واستمر في دراسة الفنون والطب في كلية جونفيل وكايوس، كامبردج، من عام 1593 إلى 1599. واصل دراسته في جامعة بادوا، كلية الطب الأوروبية التي كانت رائدة في مجال تخصصها في ذلك الوقت، وأصبح طالباً عند أستاذ علم التشريح الإيطالي هيرمان فابريوس، الذي كان له تأثير كبير في هارفي. ويقال إنه درس على يد الفيلسوف الإيطالي سيزار كريمونيني، أحد أتباع أرسطو البارزين.
حصل هارفي على درجة الدكتوراه من بادوا في 25 أبريل 1602، ثم عاد إلى إنجلترا للعمل كطبيب. في عام 1604، تزوج من إليزابيث براون، ابنة لونسلوت براون، وهي طبيبة عملت لدى جيمس الأول ملك إنجلترا واسكتلندا.
كان هارفي زميلًا في الكلية الملكية للأطباء في لندن منذ عام 1607، وكان نشطاً في هذا المجتمع طوال ما تبقى من حياته. في عام 1615 تم تعيينه محاضراً في الجراحة ضمن ما يعرف ب«محاضرات لومليان» وهي سلسلة من المحاضرات السنوية التي بدأتها الكلية الملكية للأطباء في لندن في عام 1582.
في عام 1609 تم تعيينه طبيباً في مستشفى سانت بارثولوميو، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1643، إلى حين أن استولت عليه السلطات البرلمانية في لندن، حيث كان هارفي مؤيداً قوياً للملكية.

طبيب الملك

تم تعيين هارفي طبيباً لجيمس الأول في عام 1618، واستمر في عمله كطبيب لتشارلز الأول بعد وصول الأخير إلى العرش في عام 1625. بنى هارفي علاقات كثيرة وحسنة في هذه الفترة، وتعرف إلى كثير من الشخصيات المهمة مثل: المؤلف والفيلسوف السير فرانسيس بيكون. في عام 1625، قاد هارفي مجموعة من الأطباء الذين حضروا أثناء مرض جيمس، وكان شاهداً مهماً في محاكمة جورج فيليرز، دوق باكنجهام، الذي اتهم بتسميم الملك. تمت مكافأة هارفي من قبل تشارلز الأول لرعايته لجيمس. كان تشارلز وهارفي يتمتعان بعلاقة ودية، حيث كان يسمح لهارفي بإجراء التجارب المخبرية على قطيع الغزلان التابع للملك، وتقديم المشورة الطبية المثيرة للاهتمام إلى الملك.
كما أنه كان على دراية بجون أوبري، كاتب السيرة في القرن السابع عشر، الذي قدم سرداً عن هارفي في كتابه «حياة موجزة».
عاش هارفي ما يعرف بفترة مطاردة الساحرات في أوروبا، حيث كانت الكنيسة تلاحق وتضطهد من يمارسون السحر والشعوذة، وكان حينذاك متورطاً مع إحدى هذه الحالات في عام 1634، واضطر إلى فحص أربع نساء متهمات بالسحر، في الوقت الذي كان فيه الاعتقاد بالسحرة أمراً شائعاً، وكان من السهل جداً تفسير أي سلوك مشبوه أو وضع علامة على الجسم كدليل إيجابي على السحر.
يرجع الفضل لهارفي في أنه تعامل مع القضية بعقل متفتح، وكان على استعداد للنظر في تفسيرات علمية للأدلة التي يُزعم أنها تظهر السحر. انتهت المحنة بتبرئة الساحرات المزعومات.
في عام 1636، عمل هارفي كطبيب في مهمة دبلوماسية أرسلت لرؤية الإمبراطور الروماني فرديناند الثاني. وامتدت هذه المهمة ما يقرب من عام من السفر في جميع أنحاء أوروبا. التقى أستاذ الطب الألماني الشهير كاسبر هوفمان في نورنبرج وعرض عليه أبحاثه في الدورة الدموية. كان لدى هارفي أيضاً اهتمام واسع بالفلسفة والأدب والفن، وخلال مهمته الدبلوماسية زار إيطاليا للبحث عن لوحات فنية لضمها للمجموعة الملكية، وكان صديقاً لروبرت فلود، وهو طبيب وفيلسوف إنجليزي مهم، كما كان مهتماً بالطبيعة والفلك والتنجيم وعلوم السحر، ويذكر أنه صادق توماس هوبز، الفيلسوف السياسي الشهير.
كان هارفي ملازماً للملك ومشاركاً في جميع الحملات الإسكتلندية من 1639 و1640 و1641، ورافق الملك كذلك من 1642 إلى 1646 خلال الحروب الأهلية الإنجليزية، وقدم بعض آرائه السياسية في الملك في كتابه الأكثر شهرة: «اكتشاف الدورة الدموية».

وفاته

في حياة هارفي اللاحقة عانى النقرس وحصى الكلى والأرق، وفي 1651 نشر أعماله الأخيرة «تمارين على جيل الحيوانات»، وفي 3 يونيو 1657 توفي عن عمر يناهز 79 عاماً، جراء إصابته بجلطة دماغية.

نكسة

إحدى أهم النكسات التي مر بها هارفي تتعلق بمداهمة شرطة من البرلمان لمنزله في وايتهول عام 1642، حيث فقد قدراً كبيراً من أعماله البحثية المنجزة، خاصة عمله المكتوب عن جيل الحشرات الذي يتضمن قدراً كبيراً من الأبحاث المعمقة، كما فقد ملاحظاته على المرضى وفحوص ما بعد الوفاة، وتشريح الحيوانات، وفقد سجلات أخرى في حريق لندن الكبير عام 1666، حيث أتى الحريق على كامل المكتبة التي ساعد هارفي في تأسيسها.

اكتشافات

كان عمله الرئيسي «تمرين تشريحي حول حركة القلب والدم في الحيوانات»، ونشر في 1628، مع إصدار آخر بالإنجليزية في 1653، الذي أثبت فيه أن الدم يتدفق بشكل سريع حول جسم الإنسان، ويتم ضخه من خلال نظام فريد من الشرايين والأوردة، ودعم هذه الفرضية بالتجارب والحجج، وعدّل فيه كثيراً من الفرضيات المتعلقة بهذا الجانب سواء في المنظور الطبي التقليدي الأوروبي (الطبيب الإسباني سيرفيتوس في القرن السادس عشر)، أو عند الطبيب المسلم ابن النفيس (في القرن الثالث عشر)، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، الذي قال إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة، وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، فيمتزج بالهواء، ثم يذهب إلى البطين الأيسر.
وكان يُعتقد أن هناك نظامين منفصلين للدم في الجسم. تُفهم أنظمة الدم هذه على أنها دم مزيل للأكسجين ودم مؤكسد. في ذلك الوقت، لم يكن مفهوماً تأثير الأكسجين على الدم. علاوة على ذلك، لم يكن متداولاً عند النخب الطبية أن الدم يدور حول الجسم، وكان يعتقد أن الجسم يستهلكه بنفس معدل إنتاجه. ولم تكن هناك معرفة معمقة بالشعيرات الدموية، والأوعية الصغيرة التي تربط الشرايين والأوردة، وهذه تم تأكيدها في وقت متأخر من القرن السابع عشر بعد هارفي، عندما تم اختراع المجهر.
ادعى هارفي أن أبحاثه قادت للنظر في الصمامات الوريدية. كان من المعروف أن هناك مساماً صغيرة داخل الأوردة تسمح بمرور الدم في اتجاه واحد، ولكن تمنع بشدة تدفق الدم في الاتجاه المعاكس. وكان يعتقد أن هذه المسام تمنع تجميع الدم تحت تأثير الجاذبية، لكن هارفي أثبت أن كل هذه اللوحات تتجه صوب القلب.

في الكتب

«أعمال ويليام هارفي».. نشر الكتاب في عام 1847، عن دار نشر سيدنهام في لندن، وموضوعاته تدور الفسيولوجيا والدورة الدموية، وبدأ بمقدمة عن حياة هارفي ووصيته الأخيرة، مع شهادة له وتشريح حول حركة القلب والدم في الحيوانات، وهو أول بحث تشريحي من نوعه حول الدورة الدموية وجهه إلى جون ريولان، كما يتضمن الكتاب استنتاجاً لجون ريولان، يتم فيه دحض العديد من الاعتراضات على الدورة الدموية، وتمارين تشريحية على توليد الحيوانات، مع مقالات عن الولادة وتفاصيل الأغشية وسوائل الرحم، عند الحمل، ويتضمن كذلك فحصاً تشريحياً لجسد توماس بار.
يعتبر هذا الكتاب ثورياً في مجال الدورة الدموية، وقد نشر باللاتينية عام 1628، وأظهر لأول مرة كيف يضخ القلب الدم عبر الجسم. أسفرت نتائج هارفي عن قلب الفهم الأساسي للعالم بشأن الطريقة التي يعمل بها الجسم، وغيّر المعرفة الأساسية في علم وظائف الأعضاء. مثل أي عمل علمي في التاريخ، ستوفر أعمال ويليام هارفي للعلماء والطلاب والأشخاص العاديين المهتمين إمكانية الوصول إلى الأعمال الأصلية لأحد أهم الرواد الذين شكلوا فضاء العلوم المعاصرة.
«ميكانيكا القلب».. يشتهر هارفي بأنه مكتشف الدورة الدموية ووظيفة القلب. وهو أول من أسس لطريقة جديدة وتوصل إلى استنتاجات علمية تعتمد على التجربة كدليل علمي، وهو الأسلوب المتبع اليوم لدى كافة الأطباء ومعتمد في الأكاديميات والأبحاث المتخصصة في العلوم الطبية، لقد دحض هارفي خلال حياته آراء أقرانه من الأطباء، مقدماً أفكاراً جديدة وحيوية بالنسبة لميكانيكا القلب، والكتاب فضلاً عن ذلك يقدم نبذة عن حياة هارفي الذي كان مؤمناً بالملاحظة والتجربة، وكيف شكلت الأحداث السياسية والدينية والثقافية حياته، وكيف كان لثورته العلمية دور في نهوضه وشهرته، حيث أصبح في زمنه طبيباً شخصياً للملوك، ويكشف الكتاب كيف أصبح هذا العالم الدؤوب رائداً في الطب الحديث.
«يوميات ويليام هارفي».. في هذا الكتاب لمؤلفه الطبيب الفرنسي جان هامبرجر، ثمة ضوء على حياة ويليام هارفي يقدم من خلاله صورة حميمة لهارفي ويسمح لموضوعه برواية قصته على شكل مذكرات مكتوبة خلال سنوات هارفي الأخيرة، تمزج بين البحث التاريخي والعنصر الفني والشعري، تظهر اليوميات شخصية رائعة ولكنها تتميز بروح إنسانية عالية. كان طبيباً فذاً، ملكي النزعة خدم لدى للملك جيمس الأول والملك تشارلز الأول، كما ارتبط بصداقات وعلاقات وطيدة مع كتاب وفلاسفة ورموز شهيرة في زمنه.. كان بحثه العلمي وميله إلى تقديم الحجج والبراهين، إحدى الميزات التي مكنته من الريادة العلمية فصار من أهم أعمدة وركائز الطب الحديث.

نظرية

نشر ويليام هارفي نظريته في كتابه «حركة القلب والدم» في عام 1628، حيث رأى القلب كمضخة عضوية، وليس كمضخة ميكانيكية. كما قام بتفسير الدم على أنه يمتلك قوة حياة خاصة به وغير قابلة للاختزال. عارض هارفي على نحو قاسٍ ولاذع الفلسفة الميكانيكية لعالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وكذلك أي تصور ميكانيكي بحت لجسم الإنسان.

تدفق الدم

كان عمل هارفي الرئيسي ذا صلة بكمية الدم التي تتدفق عبر القلب. وقدّم تقديرات لحجم البطينين، ومدى كفاءتهما في قذف الدم، وعدد دقات القلب في الدقيقة. لقد كان قادراً على تقديم أدلة وتقديرات حول حركة الدم في القلب، حيث أشارت حساباته إلى كميات ضخ القلب للدم بنسبة تتراوح بين 0.5 و1 لتر من الدم في الدقيقة (القيم الحديثة حوالي 4 لترات في الدقيقة، و25 لتراً في الدقيقة أثناء التمرين).
من المهم أيضاً القول، إن فحوص هارفي في طبيعة ضربات القلب، شملت حجم القلب الداخلي. فلاحظ حالة نبض القلب في العديد من الحيوانات، خاصة في الحيوانات ذات الدم البارد، والحيوانات القريبة من الموت، وخلص إلى أن المرحلة النشطة من ضربات القلب، تكون في حالة انقباض العضلات، حيث يقلص القلب حجمه الداخلي، ويقذف الدم بقوة كبيرة خارجه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"