الإسلام والقضايا المستجدة

03:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

أسمع الناس يقولون: نحن اليوم أمام قضايا مستجدة لم تكن موجودة في الماضي، ومن المستحيل أن نجد حلولها في فتاوى فقهاء المذاهب الأربعة أو غير الأربعة، لأنهم ما عاصروا هذا العصر فكيف يحكمون على مستجداته؟
أقول: هذا القول صحيح من جانب وغير صحيح من جانب آخر، لأن عدم معايشتهم لعصرنا لا يعني أنهم تركونا للزمن والجاهلية العمياء، كلا، فمن المسلّمات أن كل عصر فيه مستجدات مقارنة بالزمن الذي قبله، وما يصلح لهذا الزمن بالتأكيد لا يطابق واقع الحال مع ما مضى أو مع ما سيأتي.
لكن لو عدنا إلى المهمة الأساسية لشريعة الله في إرساله الرسل لوجدنا أنه أرسل الرسل ليُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فالرسل ما ينطقون عن الهوى ولكنه وحيّ يوحى إليهم.
ومن المسلّمات أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أمام قضيتين دائماً: قضية تتعلق بالعقائد والعبادات فكان ينتظر الوحي إذ لا مجال للعقل أن يتدخل في الأمور التعبدية، وقد سئل عن الساعة أكثر من مرة فلم يجب عنها حتى نزل الوحي قال تعالى: «يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله» (الآية رقم 63 من سورة الأحزاب).
وإما أن تكون القضية تتعلق بالمعاملات ومصالح البشر المالية والإدارية وعندئذ كان يجتهد ويفتح الباب أمام العقل البشري، قال تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» (الآية 105من سورة النساء).
وقال القرطبي في تفسير الآية: «معناه على قوانين الشرع إما بوحي ونص، أو بنظر جارٍ على سنن الوحي وهذا أصل في القياس» (انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص 376).
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا قدم المدينة رآهم يؤبرون النخل (أي يلقحون النخل) قال: ما تصنعون؟ قالوا: كنّا نصنعه قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً فتركوه فنغضت (أو قال: فنقصت) قال: فذكروا له ذلك فقال: «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر» (رواه مسلم).
ولعل بعضكم يقول: ولماذا لا يلهمه الله الصواب منذ البداية؟ أقول: إن الرسول قدوة لنا، والله تعالى عندما يقول له: افعل يا محمد كذا أو لا تفعل، يريد أن يدربنا نحن على الاجتهاد وتحري الحق والصدق، فالرسول كان معصوماً من الخطيئة ولم يكن معصوماً من الخطأ لأنه بشر رسول، فالرسالة تعصمه من الخطيئة، والبشرية توقعه في الخطأ، والرسول ما كان يخطئ في التشريع لأنه معزز بالعصمة وقد قال الله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الآية 7 من سورة الحشر).
أما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا والحياة فلم يكن اجتهاده معززاً بالوحي لأنه مبني على تجارب الأمم فكان يتوقع منه أن يكون مخالفاً لأنه راجع إلى العرف والعادة، وكان يقول في مثل هذه الحال: «إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن» (رواه مسلم).
وإذا قلنا بمشروعية الاجتهاد في الأمور الحياتية فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكبر مدرسة لتدريب الناس على الاجتهاد واستخراج الأحكام الشرعية وفق ما يقتضيه عصرهم، ولكن من جاؤوا بعدهم وجدوا أنفسهم أمام فتوحات لبلاد شتى، فانفتحت عليهم حوادث ووقائع لم تكن موجودة في العهد السابق، مما اضطرهم إلى الاجتهاد لمعالجة القضايا المستجدة. (انظر الفكر الإسلامي في تاريخ الفقه الإسلامي للحجوي ج1 ص 158)
لذلك فإنك تقرأ للفقهاء مصطلحات عبر العصور مثل: القضايا المستجدة أو المعاملات الجديدة أو النوازل أو الواقعات أو الفتاوى، وكلها تعني أننا لا نقف مكتوفي الأيدي بل نجتهد حسب المستجدات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"