مصائب قوم عند قوم فوائد

03:19 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبد العزيز المقالح

لم يكن أبو الطيب المتنبي في هذا الشطر من قصيدة له يقول فيه: «مصائب قوم عند قوم فوائد» يصوغ حكمة؛ بل كان يؤكد حقيقة تاريخية عرفها البشر عبر العصور؛ تلك هي حقيقة المستفيدين من المصائب التي تنزل بالأرض والناس.
وأشهر العبارات المتداولة عن مثل هذه الحالة، تتجسد في قولهم: «تجار الحروب»، و«أثرياء الحرب»، أولئك الذين يستفيدون إلى أقصى مدى، من آلام الناس وكوارثهم. ويزيد خطرهم ويتعاظم، إذا كانوا جزءاً من القيادة السياسية في أي وطن من الأوطان، فهم من ذلك الموقف المتحكم، يعرفون كيف يُطيلون أمد الحرب ويجعلون من مجازرها المرعبة وسيلة للإثراء، وإطالة زمن النفوذ؛ نفوذهم ومن يشاركهم فوائد الحرب وما ينتج عنها من وسائل للكسب غير المشروع، الذي يدخل في باب ما يسمى بالمحرمات الكبرى.
وبما أن الوطن العربي يتعرض في عدد من أقطاره للحروب ومصائبها غير المتوقعة، فإن هناك قوى إقليمية وأجنبية تشارك تجار الحروب في الاستفادة القصوى من هذه الحالات، فتسارع بالتدخل تحت مسميات مختلفة، وإنْ كان المسمى الأوضح هو إيجاد موطئ قدم للنفوذ، ليس بعيداً أن يتحوّل إلى احتلال.
وما يحدث في سوريا نموذج بارز لحالة المستفيدين من مصائب هذا البلد العربي ومعاناته، وسيكون من الصعب بعد ما «وقع الفأس في الرأس»، وفقدان هذا البلد لمقوماته السيادية، أن يتخلص من هذا الأخطبوط ويتجاوز محنته بسهولة، وهو يشكل بحالته الراهنة عبرة لبقية الأقطار العربية التي لم تستيقظ بعد، من قبضة الحرب، وتتصاعد بين أبنائها الخلافات لتصل إلى المستوى الذي يسمح للمستفيدين من المصائب، بالتدخل المباشر، بعد أن كانوا في وقت من الأوقات يكتفون بالتدخل غير المباشر.
إن تجار الحروب أو على الأصح تجار المصائب، يتوقف خطرهم عند رفع الأسعار واحتكار المواد الضرورية والغذائية منها خاصة، أما أولئك الباحثون في المصائب عن النفوذ السياسي والاقتصادي، فإن خطرهم أكبر وأعظم بما لا يقاس.
ولا أحد يدري كيف غابت عن القيادات الحاكمة للأقطار التي تقع ضحية الحروب والمنازعات، وكيف أفقدتها الخلافات، القدرة على النظر إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة ومن دوافعها الآنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"