الزي الخاص .. رمز ودلالة

14:11 مساء
قراءة 17 دقيقة

مهن كثيرة يستدعي العمل فيها ارتداء زي خاص يميزها عن غيرها، حتى أصبحنا نعرف مهنة الشخص من زيه، ولكل زي لون له دلالة خاصة، وشكل يتناسب مع الوظيفة التي يمثلها ومتطلباتها، فهناك الطاقم الطبي بلونه الأبيض الذي يعتبر رمزاً للسلام، والأمر يختلف في ساحات القضاء وقاعات المحاكم، فاللون الأسود سيد الألوان هناك للدلالة على السيطرة والسلطة، وعلى الأسود تتمايل بعض الألوان التي أرادت أن تعبر عن سبب اختيارها هي لا غيرها، بالإضافة إلى زي جنود المفاجآت رجال الإطفاء والمسعفين الذين يرتدونه في ثوان استعداداً لرحلة لا تعرف عواقبها.

في هذا الملف تجولنا في المستشفيات والمحاكم والتقينا رجال الإسعاف والإطفاء لنلقي الضوء على ما يمثله الزي الموحد للعاملين في هذه المجالات.

الأخضر والأزرق للعناية المركزة والعمليات

الرداء الأبيض وقاية للطبيب والمريض

حين نرى الطبيب بردائه الأبيض النقي الذي يرمز للسلام، يعترينا شعور بالراحة والأمان، فهو من نلجأ إليه ليخلصنا من آلامنا، وأول من نتجه نحوه طلبا للمساعدة، وهو من نختاره من بين المئات ليداوي جراحنا، فهو بردائه الأبيض كملاك الرحمة، ورغم هذا الشعور الذي يمنحنا إياه هذا الرداء إلا أن العديد من الأطباء لا يحبذون ارتداءه والالتزام به، فهو في نظرهم كحاجز يقف بينهم وبين مرضاهم، ولا يقتصر زي الطبيب على البالطو الأبيض بل هناك الزي الخاص بالعمليات الجراحية وغرف العناية المركزة بلونيه الأخضر والأزرق، وهو الزي المكون من قطع عدة إلى جانب قناع الوجه، وغطاء الشعر، والقفازات والخف، وتكون هذه القطع معقمة، ويلبس فوقها رداء أزرق اللون معقم بشكل كامل.

دخلنا إلى عالم الأطباء وسألناهم عن البالطو الأبيض والرداءين الأزرق والأخضر في محاولة للتعرف إلى سبب اختيار ألوانها ودلالة هذه الألوان ومدى التزامهم بها.

الدكتورة أمل جنيد، استشارية أنف وأذن وحنجرة، تفضل ارتداء البالطو الأبيض لأنه يدل على النقاء والصفاء والسلام، واللون الأبيض كما ذكرت مرتبط بالسلام منذ قديم الزمان، وترى أن مسؤولية الطبيب هي تخليص المريض من آلامه فهو في نظرها الجندي المجهول الذي يفني عمره بين الأمراض، وترى أن زيه وسيلة تقرب بينه وبين المريض، لتجعله مميزا عمن حوله كما أن لهذا الزي تأثيراً إيجابياً في المريض، فهو يشعره باهتمام الطبيب وحرصه على مقابلة مريضه بعد استعداده له وارتدائه الزي المخصص وتعقيم يديه وأدواته ليكون بذلك دليلا على النظافة.

وتستنكر الدكتورة جنيد عدم ارتداء بعض الأطباء للبالطو الأبيض بحجة أنهم يريدون التقرب من المريض، وترى أن في ذلك خطأ كبيراً فزيارة المريض للطبيب ليست زيارة عائلية الهدف منها التقرب منه، بل بقصد العلاج الذي يجب احترام قواعده الصحية وأصوله المهنية.

وفي ما يخص الرداءين الأخضر والأزرق فهما مخصصان لغرفة العمليات، وهذان اللونان يعطيان الشعور بالهدوء والطمأنينة، فهما لون السماء والشجر، وبجانب هذا الرداء يجب الالتزام بارتداء غطاء الوجه الماسك، والقفازات، والخف، وغطاء الرأس، ولا يسمح لأي طبيب دخول غرفة العمليات من دون الالتزام بها وذلك لأنها تكون معقمة ومخصصة لإجراء العمليات الجراحية.

وعن شعورها لحظة ارتداء زي العمليات الجراحية تقول: يعطيني هذا الزي بلونيه الأخضر والأزرق شعورا بالمسؤولية، فأي غلطة قد تؤدي إلى فقدان حياة إنسان، كما يجعلني دوماً على أهبة الاستعداد.

أما الدكتورة عبير جرجاوي، أخصائية نساء وتوليد بمستشفى الوصل في دبي، فهي لا تحب الالتزام بارتداء البالطو الأبيض لأنها تشعر بأنه يقف حاجزاً بينها وبين المرضى، ويضايقها كثيرا بكاء الأطفال حين يرون الطبيب قادما نحوهم، وترجع السبب في ذلك إلى النظرة الخاطئة التي أوصلها لهم أهلهم عن الطبيب، وفي موقف تذكره دائما تقول: كنت يوما في قسم الطوارئ وسمعت مريضة تتشاجر مع زوجها لخوفها من الأطباء، فقد كانت حاملا في شهرها السابع وتعاني هبوطاً في الضغط، وكانت مشكلتها الكبرى تتمثل في خوفها من المبيت في المستشفى، فقمت فورا بخلع البالطو الأبيض وجلست إلى جانب المريضة وهدأت من روعها، وتحدثت معها بكل هدوء كصديقة وسألتها عن حالها، وطمأنتها إلى أن دور الطبيب هو مساعدة المريض وتقديم الرعاية الكاملة له، فهدأت وابتسمت.

وتؤكد د. جرجاوي أن عدم الالتزام بالزي لا يقلل من احترام المهنة، وترى أن معاملة المريض هي الاحترام نفسه، فهي ليست بحاجة إلى بالطو أو بطاقة تعريفية تحدد هويتها، فيكفيها أن تتحدث إلى المريضة وتعرفها بنفسها مما يقرب بينها وبين مريضتها.

وعن الرداءين الأزرق والأخضر تقول: نرتدي الرداء الأزرق في عنبر الولادة فهو يوحي بالراحة والهدوء، وارتداؤه ليس إجبارياً، بينما الأخضر فمخصص لغرفة العمليات ويجب الالتزام بارتدائه لأنه يكون معقماً وخاصاً للاستخدام في غرفة العمليات.

وتشترك الدكتورة عبير عمار، استشارية نساء وتوليد بمستشفى الوصل في دبي، مع صديقتها الدكتورة جرجاوي في عدم حبها لارتداء الزي الخاص بالطبيب، وخصوصا الزي الأزرق المستخدم في عنبر الولادة، وتقول: البالطو الأبيض معروف كرداء للطبيب في جميع دول العالم ومنذ سنين طويلة، هو دليل على الصفاء والنقاء، ويعبر عن أن الطبيب حامل للسلام، أما الرداء الأخضر فيستخدم في غرفة العمليات مع القفازات والخف والماسك وغطاء الرأس، ويجب الالتزام بارتداء جميع القطع لأنها تكون معقمة، وعن سبب اختيار اللون الأخضر للعمليات تقول: لا أعرف السبب وراء اختيار هذا اللون بالذات فالمرضى يكونون في حالة تخدير غير مدركين ما يحدث حولهم، ولكن هذا اللون يعطي دوما الشعور بالاسترخاء والهدوء.

نظراً لكونه جراح تجميل، فإن الدكتور محمد ثابت صلاحية، لا يحتاج للالتزام بارتداء البالطو الأبيض لأن زائري عيادته ليسوا من المرضى بل من الباحثين عن إجراء جراحات تجميلية، ولذا فإن ما يرتديه عند مقابلتهم عبارة عن صدرية معقمة فقط، ولكن الأمر يختلف في غرفة العمليات التي تستدعي ارتداء الرداء الأخضر بجانب الماسك والخف والقفازات وغطاء الرأس، وارتداء رداء أزرق فوقه عبارة عن جاكيت مغلق من الأمام ومعقم جيدا، واختيار اللونين الأخضر والأزرق حسب رأيه اختيار موفق ومقصود لأنهما لونان هادئان، وهو ما يحتاجه المريض حين يستيقظ من التخدير، والذي يعمل على شعوره بالراحة النفسية، وعدم ارتداء بعض الأطباء للزي الخاص بالطبيب لا يعتبر عدم احترام للمهنة في رأيه، فليس هناك طبيب لا يحترم مهنته لأن من اختار مجال الطب ومداواة آلام المرضى يكون هدفه أسمى من كل شيء.

وعن أهمية ارتداء البالطو الأبيض يقول: يجب ارتداؤه لأنه يمنع انتقال الجراثيم إلى بيت الطبيب، ولكن مع الأسف لم يعد مقتصراً على الطبيب فقط، بل أصبح منتشرا بكثرة في كثير من المهن.

يرى الدكتور خالد النونو (جراح) أن الالتزام بارتداء البالطو الأبيض يعد احتراما للمهنة وللمريض وللثقة التي منحها لطبيبه، بالإضافة إلى أن هذا الرداء يميز الطبيب ويدل على التزامه بقواعد المهنة الصحية، ويعطي المريض شعورا بالأمان، أما في غرفة العمليات فيجب ارتداء الزي الخاص ذي اللون الأخضر أو الأزرق، وارتداء البالطو المعقم فوقه.

وعن شعوره لحظة ارتداء البالطو الأبيض أو الزي الخاص بالعمليات الجراحية يقول: أشعر بأنني أمام مسؤولية كبيرة، وأكون متيقظا وحذرا في كل كبيرة وصغيرة، فحياة الإنسان أمانة يجب الحفاظ عليها، ويستنكر عدم التزام بعض الأطباء بالزي الخاص بالطبيب بحجة أنه يعمل كحاجز بين الطبيب والمريض فهو يراه عكس ذلك لأنه يدل على اهتمام الطبيب بمريضه وبنظافته وبمظهره العام.

الدكتور إرشاد علي المسؤول عن الطاقم الطبي بمستشفى الزهراء في الشارقة، ذكر أن البالطو الأبيض رداء عالمي معروف بين الأطباء في مختلف دول العالم، وهذا الرداء أداة تعريف الطبيب الأولى ولونه الأبيض يعطي انطباعا جيدا للمرضى، ويتم ارتداؤه في المستشفى والعيادات ولاستقبال المرضى والكشف عليهم، أما في غرفة العمليات والعناية المركزة فلا يستخدم الأطباء ثيابهم الخاصة بل يرتدون الزي الأخضر أو الأزرق، والذي يجب توافره في كل المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية، واختيار اللونين الأخضر والأزرق لأنهما يبعثان في النفس شعورا بالاسترخاء والراحة والهدوء وهذا ما يحتاجه المريض.

وأكد الدكتور إرشاد أنه يجب على كل مستشفى اتباع الإجراءات الطبية والتقيد بالزي في المكان المخصص له، وأن التزام الطبيب بهذه الإجراءات يدل على احترامه لنفسه ومهنته ومرضاه.

أناقة وردية خلف القضبان

بعيداً عن المهن، هناك جهات ومؤسسات تتطلب ارتداء نزلائها زياً موحداً وهذا ما نراه في السجون، فالسجناء والسجينات يرتدون زياً خاصاً يميزهم عمن سواهم، التقينا الرائد فوزية الملا، مدير إدارة سجن النساء في الإدارة العامة للمؤسسات العقابية بدبي، التي قالت: بمجرد أن يصدر الحكم على السجين أو السجينة حتى يتم تسليم ثياب السجن له، وهذا الزي يكون رادعاً للسجين وتمييزاً له عن غيره من فئات المجتمع، وهو عبارة عن قميص طويل وبنطلون ويتميز بأنه مريح وعملي وتسهل فيه الحركة، ومصنوع من خامة جيدة تناسب فصلي الصيف والشتاء، وتصميمه بسيط بحيث لا يحتوي على زخارف ونقوش، وأهم ما يميزه أنه طويل وساتر للجسم، وهو أبيض اللون للرجال ووردي اللون للنساء، ويحتوي الرداء على شريط على الصدر والأكمام بلون معين يتغير من سجينة لأخرى، ويعبر عن المدة الزمنية التي تقضيها السجينة في السجن، فمثلا حين يكون الحكم من شهر وحتى 11 شهرا يكون الشريط باللون الأخضر، أما من سنة وحتى 3 سنوات فيكون باللون الأزرق، ومن 4 سنوات وحتى عشر سنوات فيكون باللون الأصفر، أما الحكم من 11 سنة وحتى الحكم المؤبد والإعدام فيكون الشريط باللون الأحمر، وإلى جانب الزي هناك بطاقة تلتزم بها كل سجينة وهي بطاقة تعريف تحوي صورتها ويذكر فيها اسمها وتهمتها ومدة الحكم الصادرة عليها. ويجب على كل سجينة الالتزام بزيها لحظة خروجها من غرفتها، وحين تتنقل من مبنى لآخر، ولكن بإمكانها ارتداء ثيابها الخاصة حين تكون في غرفتها فقط.

وكان زي السجينات في السابق رمادي اللون، ولكنه تغير بعد ذلك إلى اللون الوردي، وعن فكرة هذا التغيير تقول الرائد فوزية: كان التغيير فكرتي، وقد تم اختيار اللون الوردي بعد استفتاء واستطلاع لآراء السجينات التي استقرت على هذا اللون، وأرى أنه يناسب المرأة، كما أن للون تأثيراً كبيراً فيها، فنحن في سجن دبي هدفنا إصلاح النزلاء وعملية الإصلاح هذه تستدعي توفير الجو المناسب، وقد أثر اللون الوردي فيهن كثيرا فقد امتص الكثير من غضبهن، بالإضافة إلى أنه يتماشى مع جميع ألوان البشرة، وكوني أماً في المقام الأول وامرأة باحثة ودارسة في علم الإجرام فإني أفهم شعور المرأة التي تزج بالسجن نتيجة ارتكاب خطأ ما وتحرم من قضاء الوقت مع أبنائها، بالإضافة إلى أن أغلب هؤلاء السجينات هن ضحايا الاستغلال من قبل الآخرين، ولذا فنحن نسعى بشكل دائم للتخفيف عليهن، وفهم حالتهن النفسية لنحسن التعامل معهن ومحاولة إصلاحهن فيما بعد.

"روب" المحاماة شرط حضور الجلسات

الأسود يتربع على عرش القضاء

يلتقي المحامي بالقاضي في قاعة المحكمة يرتديان رداء أسود اللون، لكن يختلف كل زي في شكله وتفاصيله، فهذا تتقدمه غرة بيضاء تعطي الأمل والتفاؤل بأن الحق سيظهر عما قريب، وذاك بتفاصيله المميزة يعطي هيبة للقاضي ويعبر بالألوان التي يحتويها على سلطة القضاء والعدل الذي يمثله ويثبته، ومن مكان

لآخر يبقى اللون الأسود صامدا ولكن يختلف اختيار الألوان في مقدمة الرداء تبعاً للجهة التي ينتمي إليها.

التقينا عدداً من المحامين والقضاة الذين وصفوا لنا رداءهم، وعرفونا على دلالة الألوان التي يحتويها، وهل من الممكن ممارسة المهنة من دون الالتزام به أم لا؟

المحامي حمدي مجاهد الشيوي، يصف رداء المحامي بأنه أسود اللون، مفتوح من الأمام ويصل طوله إلى الركبة تقريبا، وكمه فضفاض، والرداء بلونه الأسود متعارف عليه في كل العالم تقريبا، والالتزام به فيه احترام لمهنة المحاماة وساحات القضاء فهو من أعراف وتقاليد المهنة وارتداؤه عرف جرى بين المحامين، ويؤكد أنه من الممكن للقاضي (رئيس الجلسة) أن يقوم بتأجيل الجلسة، أو يمنع المحامي من حضورها إذا نسي رداءه، وحدث أكثر من مرة يحضر المحامي بلا رداء، ليسأله القاضي: هل أنت محام؟ فيجيبه: نعم، ليسأله: فأين رداؤك؟ ولكن في أغلب الأحيان تعالج هذه الأمور بسرعة، فقد يستعير المحامي رداء زميل له.

ويصف المحامي حسين الجزيري الرداء بأنه أسود فضفاض وله أكمام واسعة، وزي المحامين العرب -حسب قوله- مأخوذ من الزي الذي كان سائدا في فرنسا والدول الأوروبية، والمحامي يرتدي روب المحاماة فوق ثيابه لتميزه عن غيره من الموجودين في قاعة المحكمة، وعن شعوره وهو يرتديه يقول حسين الجزيري: أشعر بمسؤولية كبيرة حين أرتدي هذا الزي لأنه يشعرني بأني المسؤول عن الموكل الذي أمثله وأدافع عن مصالحه، وعن الأحكام التي تنفذ عليه، فأنا مسؤول عن موكلي، ويضيف: حين يرتدي المحامي روب المحاماة ويرضى لنفسه أن يسير في هذه المهنة، ويضع الموكل بالتالي ثقته فيه، يصبح المحامي هنا سلاح الموكل لإيصال الحقيقة، ويؤكد أنه في بعض الأحيان يسمح تجاوزا بأداء العمل بلا ارتداء الروب، ولكن اليوم ومع تزايد عدد المحامين والقضايا والأشخاص المتواجدين في ساحات القضاء فيجب ارتداؤه بالإضافة إلى البطاقة التعريفية، وهذا يعمل على تمييز المحامي عن بقية المحامين، ويذكر أنه قد نسي رداءه ذات يوم فتعامل مع الموقف بسرعة واستعار رداء زميل له، لأن التزامه بالرداء سيجعل الأمور تسير على ما يرام وحتى لا يعرض نفسه أو يعرض القضية لأي إحراج.

ويرى المحامي صلاح عافية أن الالتزام بارتداء الروب يعد احتراما لمهنة المحاماة ويقول: في المادة الأولى من قانوني المحاماة الإماراتي والمصري أسبغ المشرع على المحاماة الوصف الذي تستحقه فقرر أنها مهنة حرة تؤدي خدمة عامة، كما بوأها مكانة عليا وجعلها شريكة للسلطة القضائية كما سن لها طريقاً سوياً، وهو مشاركة السلطة القضائية في تحقيق رسالة العدالة، وتأكيد على سيادة القانون، وكفالة حق الدفاع عن الحقوق والحريات. ومن مقتضيات هذه المكانة، فقد أوجب القانون على المحامي الحضور أمام المحكمة برداء خاص وهو ما يطلق عليه روب المحامي وهذا الرداء له دلالته، فهو رداء أسود له غرة بيضاء ولا يحوي جيوبا، والسواد للدلالة على تفاعل المحامي مع هموم موكله، والغرة البيضاء هي الأمل الذي يبثه المحامي في نفس موكله للحصول على حقه، وعدم احتوائه على جيوب للدلالة على أن الهدف الأسمى من الدفاع ليس الحصول على المال -وإن حصل على أتعاب بالفعل- وإنما هو تحقيق رسالة العدالة وتأكيد على سيادة القانون والدفاع عن الحقوق والحريات، وجاء النص المصري أكثر مواءمة، فبعد أن قرر أن حضور المحامي أمام جميع المحاكم يكون بالرداء الخاص بالمحاماة، أضاف: على المحامي أن يحافظ على أن يكون مظهره لائقا وجديرا بالاحترام، وهو ما فرض على المحامي الحضور أمام المحكمة بزي كامل تحت الرداء الخاص وأن يرتدي ربطة عنق، وفي واقعة مشهورة حضر أحد كبار المحامين أمام المحكمة الدستورية العليا المصرية برداء المحاماة من دون ربطة العنق، وكان رئيس الإدارة هو المستشار المرحوم الدكتور عوض المر وهو من له بصمة في تاريخ المحكمة الدستورية العليا ولايزال، فباغت المحامي بالسؤال، وكان ذا قدر، أين ربطة العنق؟ فقرر له أن قانون المحاماة لا يلزم المحامي بارتداء ربطة العنق فرد بصرامة معروفة عنه: وأين التقاليد والأعراف القضائية؟ وتم رفع الجلسة على الفور. وهو موقف له دلالة عظيمة بين شخصيتين لهما قدر، ويبعث برسالة إلى كل من يمتهن المحاماة بوجوب الالتزام برداء المحاماة، وبأن يكون مظهر المحامي لائقاً.

القاضي محمد يوسف، نائب مدير عام محاكم دبي وقاضي تمييز أول، حدثنا عن تاريخ القضاء في فترة ما قبل الإسلام وبعده، ففي عصور ما قبل الإسلام كان للقضاء دور كبير، كما كان القاضي في ذلك الوقت يحظى باحترام وتقدير كبيرين، حيث كان القضاة في المسرح الروماني يجلسون على يمين الملك أو القيصر تقديرا لهم واعترافا بفضلهم ومكانتهم المميزة، ويجلس أتباعه على يساره، وكان للقضاة منذ ذلك الوقت رداء يميزهم عمن سواهم فهم فئة لها مكانة اجتماعية مرموقة، وفي عصر الإسلام كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أول قاض في الإسلام وهو المكلف برسالة القضاء، ومنذ ذلك الوقت كان لكل شخصية قيادية كقائد الجيش والقاضي وقاضي القضاة وأمير المؤمنين زي مخصص يميزه عن غيره ويتعرف الناس إليه من خلاله، وتوارث الخلف عن السلف هذا الزي ليبقى خالدا حتى اليوم في بلاد الشام مع بعض التغييرات التي يتطلبها كل وقت، ولا تزال العمامة موجودة في بلاد الشام ويرتديها المفتي ليعرفه الناس بها، كما أن هناك عمامة خاصة للقاضي وأخرى لقاضي القضاة، وكانت العمامة هي التي تميز كل شخص عن الآخر، أما في ما يخص الرداء فيختلف الأمر، فرداء القضاة في أغلب البلدان فضفاض واسع ومفتوح من الأمام وكمه واسع وهو شبيه بالبشت المعروف في الإمارات، وتصميمه واحد في أغلب البلدان ولكن ربما يختلف في ألوانه من دولة لأخرى إلا أن اللون الغالب عليه هو الأسود، وبالنسبة للقضاء في الإمارات فهو قضاء محلي واتحادي، وهناك قضاء اتحادي للشارقة وأم القيوين والفجيرة وعجمان، ورجال القضاء الاتحادي يرتدون البشوت السوداء التي تحتوي على خط ذهبي، وفيما يخص القضاء المحلي فقد أتاح دستور الإمارات لكل إمارة أن تستقل بقضائها، ولكل قضاء زيه الخاص. وبالنسبة لقضاة دبي فيلتزمون بارتداء الزي الأسود الذي يحوي خطين باللونين الأحمر والأبيض، ولهذين اللونين أكثر من دلالة، فعلم دبي القديم قبل الاتحاد كان باللونين الأحمر والأبيض، والدلالة الأخرى شعار محاكم دبي الذي يأخذ شكل الدائرة المقسمة لنصفين أحمر وأبيض، ويضم القرآن والميزان والسيف وفرع الشجرة الأخضر ولكل رمز من هؤلاء دلالة. ويقول: للقضاء أعراف وتقاليد يجب مراعاتها والالتزام بها، ولكن عدم ارتداء الرداء لا يبطل الحكم ولكنه يعد من أعراف وتقاليد القضاء، ويؤكد أنه قد حصلت أمامه عدة مواقف لم يكن المحامي فيها ملتزماً بروب المحاماة وهو ما يضايقه ويزعجه ليطلب من المحامي أن يذهب لارتداء الروب أو أن يستعير رداء زميل له، لأنه يرى أن في ذلك احتراماً للمهنة.

ويؤكد محمد مبارك السبوسي، القاضي بمحكمة الاستئناف في محاكم دبي، أن ارتداء القضاة لالروب الخاص بالقضاء يدل على أنهم يعملون معا تحت مظلة قانون واحد وتشريع واحد، ويظهرهم بالمظهر الرسمي، كما أن لون الرداء يدل على الوقار والهيبة، واللونان الأحمر والأبيض هما لونا علم إمارة دبي قبل الاتحاد، والشعار الرسمي للمحاكم. وبالنسبة لشعوره لحظة ارتداء الروب يقول القاضي محمد السبوسي: يعطيني الشعور بأنني أمام مسؤولية كبيرة، وأنني أمارس عملاً رسمياً كانعقاد جلسة أو هيئة قضائية، ويضيف: يجب أن يكون هناك التزام داخلي من القاضي بأهمية ارتداء روب القضاة لأنه رمز من رموز المهنة المهمة، أما بالنسبة للمحامين فأغلبهم ملتزمون بردائهم، وأرى أن عدم التزام بعضهم بردائه يكون ناتجاً عن النسيان في أغلب الأحيان ولا يكون مقصودا، وغالبا ما تحل هذه الأمور بسرعة عن طريق استعارة المحامي لرداء زميل له ولا يؤثر ذلك في سير القضية، كما أن المحكمة تتجاوز عن هذه الهفوات الصغيرة لمصلحة أعم وأشمل وهي سير العملية القضائية، ويؤكد أن الروب لم يعد ارتداؤه مقصوراً على القضاة والمحامين فقط، بل يرتدي مترجمو المحكمة اليوم روب خاصاً بهم، لتمييزهم وإعطائهم الطابع الرسمي، ويختلف كل روب عن الآخر في شكله ليصبح كأداة تمييز بين مهنة وأخرى داخل لمحكمة نفسها.

وصف شهاب الشحي (قاضي ابتدائي أول في المحكمة الابتدائية بمحاكم دبي) رداء القاضي بأنه أسود اللون ويحوي خطين أحمر وأبيض، وهما لونا علم دبي قبل الاتحاد، ويدل اللون الأبيض على السلام، والأحمر على السلطة والسيطرة والقوة والحيادية، ويشعر حين يرتدي روب القضاء بالمسؤولية الكبيرة أمام رب العالمين، وهو تكليف لا تشريف، وعن مدى الالتزام بالرداء يقول القاضي شهاب الشحي: يجب على القاضي الالتزام بارتداء روب القضاء فذلك من تقاليد وأعراف القضاء، ويؤكد أن هناك التزاماً كبيراً من المحامين بردائهم، وغالباً ما يكون عدم الالتزام به غير مقصود.

طوق نجاة لرجال الإسعاف والإطفاء

أبطال في "ثوب" الشجاعة

مهن عديدة يمكن تسميتها بمهن المفاجآت غير السعيدة، أهم هذه المهن الإسعاف والإطفاء، فالعاملون فيها دوماً على أهبة الاستعداد لتوقع ما لا يمكن توقعه والتعامل معه بسرعة وبأقصى درجات الحذر، ولهاتين المهنتين زي خاص يجب الالتزام به فهو الأكثر تناسبا مع المهنة والأكثر تلاؤما مع صعوباتها ومشقاتها، كما أنه لا يمكن ممارسة العمل من دونه وخصوصاً في مهنة الإطفاء التي يعتبر فيها الزي الأساسي في هذه المهنة، فهو مصمم ليكون عازلا للحرائق والكهرباء وغيرها من المخاطر التي يتعرض لها رجال هذه المهنة.

تحدثنا مع بعض هؤلاء الجنود الذين يعشقون اختيار الصعاب ليحدثونا عن الزي الخاص بمهنتهم والذي يساعدهم كثيرا على اجتياز الكثير من الصعوبات.

جميلة خليفة الزعابي، رئيس قسم الإشراف الفني بمركز خدمات الإسعاف بدبي والملقبة بأم الإسعاف، وصفت الزي الخاص بالمسعفين وهو عبارة عن قميص أبيض طويل عملي ومريح ولونه الأبيض يدل على السلام، ومن الناحية المهنية يدل على النظافة، بالإضافة إلى بنطلون أزرق داكن، وتؤكد أن ما نسبته 60% من دول العالم يرتدون هذا اللون، والاختلاف يكون بلون القميص، ففي الإمارات يتناسب اللون الأبيض مع حرارة الجو، ولكن في بريطانيا يرتدي المسعفون بنطلوناً أخضر اللون، وتؤكد أن ارتداء الزي فيه ولاء للمهنة وفخر لمرتديه لأنه صاحب الحق في ارتدائه وهو من يمثل هذه المهنة المميزة.

وتقول: الالتزام بالرداء فيه احترام وولاء، ويبني الثقة بين صاحب الزي والشخص الذي يحتاج إلى المساعدة، لأن المريض ينظر للمسعف بعين الأمل ويميزه عن بقية الأشخاص.

تؤكد علياء حسين الماس، فني طب طارئ بمركز خدمات الإسعاف بدبي، على ضرورة الالتزام بالزي الموحد وقت العمل وتشعر بالفخر حين ترتديه، كما تشعر بالراحة فهو زي عملي ومريح ويجعلها تمارس عملها بسهولة وإتقان، وترى أنها بزيها تتميز عن غيرها فهي التي تنقذ من يحتاج إلى المساعدة، وتصف الزي فتقول: عبارة عن قميص أبيض وبنطلون أزرق داكن، مشابه لزي المسعفين الرجال إلا أن الاختلاف يكون في الكم حيث يكون كم الرجال غير كامل، وتشعر علياء بمسؤولية كبيرة وهي ترتدي زي الإسعاف حيث يعني لها توقع ما لا يمكن توقعه، وتحمل جميع الصعوبات والمشقات والمهمات الصعبة وتحديها بالإرادة وبما تمتلكه من خبرة وبما تلقته من تدريب.

وتؤكد سعيدة بطي سعيد، فني طب طارئ متقدم بمركز خدمات الإسعاف بدبي، أن الوضع الذي يتعرض له المسعف يستدعي الالتزام بالرداء فهو عملي ومريح أكثر من العباءة، وللألوان دلالات معينة، فالقميص الأبيض يدل على السلام والخير ودور المسعف النبيل في إنقاذ حياة الشخص الذي يحتاج إلى المساعدة العاجلة، ومرافقته في أصعب أوقات حياته ومحاولة تقديم كل ما يستطيع للمحافظة على حياته، وحين ترتدي الزي تشعر بأنها أمام مسؤولية كبيرة وأنها تمثل الواجب، وتقول سعيدة: أؤيد وبشدة أن يكون لكل مؤسسة زي خاص يعبر عنها وعن طبيعة عملها، والالتزام بالرداء يدل على احترام الوظيفة، وتعبير عن الولاء والفخر للمؤسسة التي يعمل بها الشخص الذي يحتفظ بشعارها على صدره.

وعن رجال الإطفاء الذين يعتبرون رجال المهمات الصعبة فلهم زي خاص لا يسمح بممارسة العمل من دونه فهو مصمم ضد الحرائق كما أنه عازل للكهرباء، تحدثنا مع عبد الله سالم حميد، مسؤول مكتب التدريب والتوعية/ قسم الحماية المدنية بإدارة الدفاع المدني في الشارقة، والذي وصف زي رجال الإطفاء قائلاً: يشمل هذا الزي خوذة وهي طاقية لها نتوء خلف الرقبة بغرض الحماية، ومن الأمام تحتوي على واق زجاجي، وكمامات للتنفس موصولة بأنبوب للتنفس ومتصل بأسطوانة الهواء التي يحملها رجل الإطفاء على ظهره، بالإضافة إلى الجاكيت والبنطلون المقاومين للحرائق والماء، وحذاء خاص يحمي قدميه من جميع المخاطر كالمسامير والحرائق والكهرباء فهو عازل للكهرباء ومقاوم للحريق، بالإضافة إلى قفازات خاصة مقاومة للحريق والماء.

ويضيف: لزي رجل الإطفاء ضرورة كبرى وتنقسم تلك الضرورة إلى شقين، نفسي وعملي، فالعملي يتمثل في أن التزام رجل الإطفاء بالزي ليحميه من المخاطر ويسهل عليه أداء عمله في مواقع الحريق، والنفسي أن الناس حين يشاهدون الإطفائي يستطيعون تمييزه من خلال زيه فيتبعون تعليماته ونصائحه ويعرفون أنه قادم لإنقاذ حياة وممتلكات الآخرين، وأنه مؤهل بشكل كامل للقيام بعمله ومستعد لكل المواقف الصعبة والمشقات والمفاجآت غير المتوقعة، فيفسحون له المكان لأداء عمله ويقدمون له كل الدعم.

ويرى أن مهنة الإطفائي من أشرف المهن فهو من يلقي نفسه في النار لينقذ غيره منها، وهو من يخدم بلده بكل تفان وإخلاص، وزي رجال الإطفاء متعدد الألوان فمنه الأصفر والأحمر والأزرق، وليست لهذه الألوان دلالات معينة ولكن اللون الأصفر هو السائد في دولة الإمارات والمنتشر أكثر من غيره، ولا يجوز قيام رجل الإطفاء بعمله من دون الالتزام بزيه، فزيه مصمم خصيصا ليتناسب مع مهمة الإطفاء الشاقة والخطرة فهو الأساس في هذه المهنة.

أكد محمد يوسف خليفة، رجل إطفاء بالدفاع المدني بالشارقة، أن لون زي الإطفاء الأصفر لون عالمي، عبارة عن خوذة مصنوعة من الفايبر غلاس وتحمي رجل الإطفاء من الحرارة والصدمات، وجاكيت وبنطلون عازلين للحرارة، وحذاء عازل للحرارة والكهرباء، بالإضافة إلى قفازات خاصة أيضا، أما أسطوانة التنفس فتستخدم في حالات الدخان الكثيف والأماكن المغلقة التي لا تهوية فيها، ويرى يوسف أن زي رجال الإطفاء الأساس في مهنتهم فهو الذي يحميهم مما قد يتعرضون له من مخاطر، كما يرى أن الالتزام بالزي احترام للمهنة، ويصف مهنته بأنها عمل إنساني وتضحية بالنفس من أجل الآخرين.

ويشاركه الرأي راشد محمد، رجل إطفاء في الدفاع المدني بالشارقة، الذي يرى أن الالتزام بالزي احترام للمهنة وانتماء للمؤسسة التي يعمل بها الشخص، كما أن مهنة رجل الإطفاء تستدعي الالتزام بالزي فهو مصمم للحفاظ على حياة الإطفائي وحمايته من المخاطر التي قد يتعرض لها، فهو مصنوع من قماش خاص عازل للحرارة ولونه أصفر وهو اللون المتعارف عليه عالميا بالنسبة لهذه المهنة التي تحمل شعار حماية، تضحية، تعاون، كما يؤكد راشد محمد بأن الناس في مواقع الحرائق يعرفون رجل الإطفاء من زيه ويقدمون له كل المساعدة لأداء عمله.

لكل مهنة لباس

أصبح الزي الموحد أداة للتعريف بالعاملين في الأماكن مما يسهل على الزبون التعرف إليهم وسؤالهم عما يحتاج، ونرى ذلك في المطاعم والطاقم المتكامل المخصص لإعداد الطعام وتقديمه، فالشيف يعرف من ردائه الأبيض وقبعته البيضاء، والنادل يعرف بزيه المخصص والذي يحدده المسؤول عن المطعم أو تبعاً للسلسلة التي ينتمي اليها المطعم، بالإضافة إلى رداء المضيفين والمضيفات في شركات الطيران المختلفة والتي تتميز بأناقتها وتحمل بعض الرموز التي تتعلق بالشركة التي تنتمي إليها المضيفة بهذه الشركة، كما أن للبائعين في المحلات التجارية زيهم الذي يسهل على الزبون التعرف إليهم، وغالباً يحمل هذا الزي شعار المحل الذي يعملون فيه، بالإضافة الى عاملي النظافة الذين ينتشرون في الشوارع بردائهم الذي يختلف في لونه من بلد لآخر والذي يميزهم عن غيرهم، ولكن اللون لم يعد مقصوراً على فئة دون أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"