النفط اكتشاف عجيب بدّل حياة الخليجيين

ذاكرة الزمن
12:58 مساء
قراءة 13 دقيقة

قلب النفط حياة الخليجيين رأساً على عقب، وحول تلك المجتمعات القبلية المغلقة الفقيرة إلى مجتمعات غنية ومنفتحة خلال سنوات قليلة، ولو رجع بنا الزمن إلى فترة ما قبل النفط، وسألنا أي مواطن خليجي عن تخيلاته لما ستكون عليه الحياة في الخليج في المستقبل، فلن يتصور مهما شطح به الخيال أن تتغير الأمور جذرياً، وتتحول تلك الحياة الشاقة الخالية من كل مظاهر الرفاهية، إلى حياة أخرى مناقضة لها، وأن تصبح تلك المدن الصغيرة الفقيرة ذات المنازل البسيطة، مدناً كبيرة مكتظة بالسكان تشقها شوارع فسيحة وترتفع فيها ناطحات السحاب، وتتحرك في شوارعها أحدث وأفخر ما تنتجه مصانع السيارات في العالم، وأن يتحول الاقتصاد البسيط المتمثل بالغوص والاتجار في اللؤلؤ إلى

اقتصاد قوي يقوم على عائدات أهم سلعة في وقتنا الحاضر النفط. هذا الأكسير العجيب الذي غيّر نمط الحياة في منطقة الخليج وفي غيرها، وأصبح منذ اكتشافه، سبب الحروب بين الدول، ومبعث الخلافات على الحدود ومجلب القوى العظمى لمنطقة الخليج، وأصبحت الدول التي تمتلكه ساحات للصراع الدولي، والتنافس على السيطرة على منابعه. لذا، فإن من المهم أن يعرف القراء بدايات النفط منذ اكتشافه، وكيف أصبح أساس الصناعة الغربية، والسبب الرئيسي للتطور التكنولوجي والتقني في العالم، وسنتابع على حلقات مراحل التنقيب عن النفط في الإمارات واكتشافه، والاتفاقيات التي عقدت ثم التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الإمارات منذ تصدير أول شحنة للنفط من أبوظبي عام 1962.

يعتقد كثير من الناس أن النفط بدأ في الخليج وهذا الاعتقاد مرده إلى أن كلمة النفط أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمنطقة الخليج، وواقع الأمر أن النفط اكتشف لأول مرة في أمريكا قبل أن يكتشف في الخليج بسنوات، بل بعقود طويلة، وكان يوم السبت 27 أغسطس/ آب 1859 يوماً تاريخياً قلب حياة البشرية، ودخل العالم منذ ذلك اليوم مرحلة جديدة تختلف كلياً عن الفترة السابقة له، ففي ذلك اليوم، أشعل الكولونيل ادوين دارك ثورة غيرت معالم الاقتصاد العالمي انطلاقاً من مدينة تيتوسفيل بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ولكن كيف حدث ذلك؟ سنرجع قليلاً إلى الوراء، إلى ما قبل ذلك التاريخ، لنتعرف إلى دارك الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 38 عاماً، وكان يعمل سائقاً في محطات السكك الحديدية، ولكن طموحه في تكوين ثروة دعته للعمل كتاجر لكل شيء، وبعد تفرغه للعمل التجاري، ألحقته شركة سينيكا أويل الصغيرة للعمل فيها، ويجب أن ننتبه إلى أن النفط لم يكن اكتشافاً جديداً، فبرك الزيت كانت التي تطفح على سطح الأرض على مر الأزمان كانت تستغل من قبل سكان تلك المناطق لاستخدام ذلك الزيت في أمور متعددة، ولكن ذلك الاستغلال كان يتم بشكل محدود، ولم تجر محاولات لاستخراج الزيت من باطن الأرض، أو ربما كانت هناك محاولات لم تنجح، واجتمعت ثلاثة عوامل ساعدت على اكتشاف النفط لأول مرة في تاريخ البشرية من خلال السعي لاكتشافه، وليس بطريق الصدفة كما كان يحدث سابقاً، هذه العوامل الثلاثة هي وجود الشخص الطموح وهو دارك، ووجود التمويل المناسب من قبل شركة سينيكا التي التحق بها، والعامل الثالث كان التقرير الذي قدمه سيلي مان من جامعة ييل الأمريكية ويشير فيه إلى إمكانية استبدال زيت الحوت النادر والباهظ التكاليف والذي أدى استخدامه الكثير إلى تقلص عدد الحيتان، واحتمال انقراضها، وكان يستخدم في إضاءة المصابيح، أن يستبدل بالنفط. وكان هذا التقرير بداية الانطلاق نحو العمل الجاد والمضني للبحث عن النفط بشتى السبل، وبدأ دارك الذي اعتمد عليه ممولو شركة سينيكا بالتفكير في كيفية بدء العمل، ووجود أن البداية تكون بالاستعانة بشخص قادر على تصميم وصناعة المعدات اللازمة لعملية التنقيب، ووجد ضالته في حداد يسمى أونكل بيل الذي كان متخصصاً في صناعة المواسير والروافع، وقام بيل بتصميم جهاز للحفر يعمل بمحرك بخاري، وبدأت عمليات الحفر التي أسفرت في بدايتها عن انخساف في التربة، وظهرت مشكلة ثانية تمثلت في نقص الأموال اللازمة للاستمرار بالعمل، حيث استهلك رأس المال في التجربة الأولى، وهنا قرر الممولون الاكتفاء بما خسروه والتوقف عن العمل، ولكن هؤلاء لم يخطر ببالهم أن تلك اللحظة التي قرروا فيها التوقف عن العمل، هي لحظة نهاية التجربة، وبداية الحظ السعيد لهم وللبشرية كلها، ففي مساء يوم 27 أغسطس/ آب ،1859 كان جهاز الحفر وصل إلى مكامن النفط، وانطلق النفط يتدفق بقوة من أول حقل للنفط في العالم بعمق 21 متراً من سطح الأرض، في تلك الفترة، لم يكن هناك أهم من إيجاد مادة جديدة تستخدم للإضاءة بدلاً من الزيوت الحيوانية التي بلغت أسعارها مستويات عالية، وشكلت عبئاً على الأغلبية من الأمريكيين، واتضح خلال فترة قصيرة من اكتشاف النفط أن تقطيره يسمح بالحصول على مادة فعالة للإضاءة تحل محل تلك الزيوت، وفيما بعد، بدأت تظهر المزيد من المنافع لهذا الزيت، فقد أصبح واضحاً أنه يمكن استخدامه لتشحيم الآلات، وفي تلك الفترة كانت الصناعات المبتدئة تستهلك زيوتاً كثيرة، وجاء الطلب الرئيسي من مصانع النسيج، وسرعان ما انفتح المجال أمام الآخرين للدخول في هذا العالم الساحر، ففي عام ،1860 أي بعد عام واحد من اكتشاف النفط، كان هناك 74 بئراً للنفط في مدينة أويل كريك والمناطق المحيطة بها، واستطاع مستثمروها تطويرها لتنتج 509 آلاف برميل في السنة، وازدهرت تلك الصناعة، وكانت صفقات شراء النفط تتم بأي ثمن، وأصبح ترخيص التنقيب الذي بيع في البداية ب 25 ألف دولار، يباع بعد الاكتشاف بثلاث سنوات بمبلغ مليون ونصف المليون دولار، وأدى اكتشاف المزيد من الآبار إلى ظهور مدن جديدة في مواقع الحفر مثل أويل سيتي وبترو سنتر وبيتهول، وخلال خمس سنوات من الاكتشاف، ارتفع عدد سكان المدينة التي اكتشف فيها أول بئر من 400 نسمة إلى عشرة آلاف نسمة، وبدأ مستثمرون آخرون بتشييد معامل تكرير بدائية وصل عددها في نهاية عام 1860 إلى 15 معملاً، وبعد ثلاث سنوات تضاعف هذا العدد أربع مرات، وفي يناير/ كانون الثاني 1865 توصل أحد المخترعين وهو الكولونيل روبرتس إلى صناعة طوربيد مملوء بمادة النيتروجلسرين يلقى في أنبوب الحفر لينفجر عند اصطدامه بقاع البئر، ويحطم الصخور الصلبة التي تعيق عمليات الحفر، وكانت تلك واحدة من أهم الاكتشافات التي أدت إلى تسهيل عمليات الحفر، وشيئاً فشيئاً بدأ ظهور المزيد من أصحاب الملايين المستثمرين في القطاعات المختلفة للنفط، ولكن السرعة الكبيرة في استغلال هذه المادة الجديدة أدى إلى تغيرات سريعة في أسعارها، ففي عام 1859 وهو عام الاكتشاف، كان سعر البرميل 20 دولاراً، ولكن انخفض السعر بشكل كبير بسبب دخول المزيد من المستثمرين ليصل الى 10 سنتات عام ،1862 وفي البداية، كان يتم نقل النفط بواسطة السفن عبر مياه الأنهار، ثم بواسطة السكك الحديدية، وأصبح النقل بواسطة القطارات منتشراً مع مرور الوقت، ففي عام 1863 كانت خطوط السكك الحديدية تربط مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية بشبكات كثيرة عبر منطقة النفط بأسرها، وكانت عربات القطارات المصنوعة من الخشب تملأ بالسائل القيم، إلا أنها كانت عملية مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، وفي عام 1865 أحدث مخترع جديد هو صموئيل فان سيكل ثورة جديدة باختراعه خطوط الأنابيب التي كانت عبارة عن مواسير قطرها بوصتان فقط، وكانت خطوط الأنابيب تنقل النفط إلى معامل التكرير، ثم إلى القطارات، إلا أن أصحاب شركات النقل قاموا بعمليات تخريب خشية تعرضهم للبطالة، مما تطلب توفير حراسة دائمة للمعدات، ورغم كل العقبات، كان النفط يصل إلى كليفلاند التي تحولت إلى عاصمة للذهب الأسود، وفي عام 1863 وحده، نقلت شركة سكك حديد الأطلنطي والغرب ما يزيد على مليون ونصف المليون برميل من النفط إلى كليفلاند (1).

الصراع في الخليج

بدأ المستثمرون الأمريكيون والأوروبيون بالتطلع شرقاً وغرباً لمحاولة ايجاد فرص جديدة بعيداً عن الولايات المتحدة وروسيا، وكان منطقة الخليج إحدى المناطق التي سعى المستثمرون لاقتناص الفرص فيها، وكانت فارس التي سميت فيما بعد إيران المحطة الأولى، ففي عام ،1872 حصل اسرائيل بيير جوزفات من شاه إيران على امتياز للتنقيب عن النفط، وعلى الرغم من نجاح جماعات إيرانية وطنية في إلغاء الامتياز لاعتبارات تتعلق بخلفية جوزفات اليهودية، إلا أن جوزفات نجح في الحصول على الامتياز الإيراني مجدداً، ولكن بعد أن غير اسمه ليصبح البارون يوليوس دي رويتر، وهو بالمناسبة الذي أسس وكالة رويتر للأنباء، وكان هذا أول امتياز للنفط في إيران، ولكن يبدو أن ريتر لم يستمر في عمله، وفي عام 1901 تم منح امتياز آخر للتنقيب عن النفط في إيران لوليام نوكس دارسي. ويعتبر دارسي أباً لصناعة النفط بأسرها في الشرق الأوسط، ولولا مغامرته بالدخول في هذا الاستثمار في إيران، لتأخر استغلال حقول النفط الإيرانية جيلاً كاملاً، ولتغير اتجاه السياسة البريطانية كثيراً مع أنه لم يطأ أرض إيران، وربما لم ير في حياته برميلاً من النفط الخام، ولم تدم زيارته للشرق الأوسط سوى يومين أمضاهما في القاهرة حين عبرت قناة السويس الباخرة التي جاء عليها من استراليا إلى انجلترا. كان دارسي قد جمع الملايين من مناجم الذهب في استراليا ورجع إلى لندن لينغمس في حياة البذخ والترف ويقيم الحفلات في قصره، وفي إحدى تلك الحفلات جرى حديث بين دارسي والسير هنري دراموند وولف السفير البريطاني في إيران سابقاً، حول تحول العالم عن العربات التي تجرها الجياد إلى السيارات الآلية، وحول الدراسات التي يقوم بها عالم الآثار الفرنسي جاك دي مورغان لحقول النفط في جنوب غربي إيران، فأخذ دارسي منذ ذلك الوقت يهتم بالتنقيب عن النفط، ووعد بدعم المفاوضات مع البلاط الإيراني للحصول على امتياز لاستخراج النفط، وبعد تعقيدات كثيرة، تم التوصل إلى اتفاق وقعه شاه إيران في 28 مايو/ أيار 1901 منح بموجبه دارسي امتيازاً مطلقاً مدته 60 عاماً لاستخراج النفط والغاز الطبيعي والاسفلت، وإعدادها ونقلها وبيعها في كل أنحاء إيران، ما عدا منطقة على شكل هلال على الحدود الروسية الشمالية أراد الشاه أن يهدئ بها الروس ويتركها لهم كي يستغلوها، وبعد سنوات طويلة، بدأ اليأس يدب في نفس دارسي، ولكن الحكومة البريطانية أبدت رغبتها في مساعدته، ومن أجل هذا، تعاقدت الاميرالية البريطانية مع شركة بترول بورما وآسام، وحين وصل دارسي إلى لندن، أخبرته الحكومة أن شركة بترول بورما مستعدة، بمساعدتها وموافقتها، لأن تخلصه من صعوباته وتدفع له قسماً من نفقات العمليات في إيران، وفي 26 مايو/ أيار 1908 تدفق النفط من بئر مسجد سليمان، وكان العثور على النفط الأساس الذي قامت عليه الشركة في المستقبل، حيث تم في ابريل/ نيسان 1909 تأسيس شركة النفط الانجلو فارسية (تغير اسمها فيما بعد ليصبح الانجلو إيرانية) لاستثمار الحقل المكتشف، وبقية الامتياز الإيراني برأسمال قدره مليون جنيه قدمته شركة نفط بورما باقتراح من الحكومة البريطانية، وفي عام ،1914 وافق البرلمان البريطاني، خشية من انقطاع مورد النفط عن بريطانيا في حالة الحرب مع ألمانيا، على اتخاذ خطوة أبعد، حيث صدر مرسوم يعطي الحكومة حق السيطرة على شركة النفط الانجلو فارسية، فاشترت قبل إعلان الحرب العالمية الأولى بأشهر قليلة 51% من أسهم الشركة، وبذلك سيطرت عليها، وكما ذكرنا تغير اسمها إلى الانجلو إيرانية ثم أصبحت تعرف فيما بعد باسم بريتش بتروليوم، وبقي الأمريكيون بعيداً عن نفط الشرق الأوسط مشغولين بما يتدفق من حقولهم الخاصة في بلدهم، لكن حين بلغهم في ربيع 1908 اكتشاف دارسي لحقل غني في إيران رأت شركات نفط عدة في نيويورك أن الوقت قد حان للتدخل، وبما أن الإيرانيين والروس اقتسموا إيران فيما بينهم، أصبح المكان الباقي الصالح للتنقيب عن النفط في منطقة الموصل وكركوك في شمال العراق، حيث ظهرت دلائل على وجوده، كان العراق عام 1908 جزءاً من الامبراطورية العثمانية وعلى رأسها السلطان عبدالحميد، فأي امتيازات فيه لا يمكن الحصول عليها إلا من اسطنبول عاصمة هذه الامبراطورية، وصادف أن كان في اسطنبول في ذلك الحين الملحق البحري السابق في سفارة الولايات المتحدة في تركيا كولبي شستر يبحث عن امتياز، مدعوماً من كونسوريتوم مؤلف من غرفة التجارة والمكتب التجاري واتحاد النقل في نيويورك، الذي زوده بمبالغ كبيرة من المال لرشوة كبار المسؤولين في البلاط التركي، وبهذا العدم الأمريكي، وبما له من خدمة سابقة في تركيا ومعرفة بها، استطاع كولبي أن يحصل عام 1908 على امتيازات عدة للتنقيب عن النفط والمعادن في كل أنحاء الامبراطورية العثمانية، ولكن سوء حظ كولبي، وقع الانقلاب التركي بعد توقيع الامتيازات بأسابيع قليلة، وعزل السلطان عبدالحميد، فلم يبق للامتيازات أي قيمة، وترتب على كولبي أن يبدأ من جديد، واجه كولبي في فترة ما بعد الانقلاب منافسين شديدي الحظ، منهم الألمان الذين حصلوا على امتياز لمد خط حديدي من اسطنبول إلى بغداد طوله ألف ميل، وعلى قطعة أرض عرضها على كل من جانبي الخط عشرون ميلاً للتنقيب عن النفط، أما المنافسون الآخرون فكانوا البريطانيين، فقد أفزع بريطانيا النشاط الألماني على أبواب امبراطوريتها، فرأت أن الوقت قد حان للتدخل في الشؤون التركية.(5)

شركة تركيا

في يناير/ كانون الثاني ،1911 ألفت جماعة غولبنكيان شركة الامتيازات الإفريقية الشرقية المحدودة التي أسهم فيها برؤوس أموال كبيرة كل من مصرف تركيا الوطني وهو بريطاني تم تأسيسه حديثاً، والمساهمون في شركة شل، والمصرف الألماني، وغولبنكيان نفسه، وفي أواخر عام 1912 غيرت هذه الشركة اسمها إلى شركة شركة نفط تركيا برأسمال مضاعف، حيث وافق المصرف الألماني على أن يحول إلى هذه الشركة الأفضليات التي أخذ يطالب بها للبحث عن النفط في قطع الأراضي التي تمر سكة حديد بغداد من خلالها، أما مصالح دارسي التي اختلطت بشركة النفط الانجليزية الفارسية منذ عام ،1909 فقد واصلت ضغطها بغية ترشيحها للمشاركة في شركة نفط تركيا، ولكن لاحقها الفشل مرة أخرى، وفي عام 1913 أصبحت الرغبة ملحة لإيجاد مصالحة بين أصحاب الطلبات المتنافسين، وعلى هذا الأساس أضيف اتفاق ألماني انجليزي على مستوى دبلوماسي إلى الاتفاقات الموقعة بين الشركات، وعلى أساسه أعيد تشكيل شركة النفط التركية مرة أخرى، فقد خصص ربع رأسمالها إلى المصرف الألماني، وربع آخر إلى شركة شل، والنصف المتبقي من رأسمال المال إلى شركة النفط الانجليزية الفارسية، في حين حددت مصالح غولبنكيان فيها بنسبة 5% من رأس المال، وغدا الآن ممكناً تقديم طلب سري إلى رئيس الوزراء التركي وبدعم من السفيرين الانجليزي والألماني، وكانت نتيجة ذلك أن وجه رئيس الوزراء سعيد حليم باشا رسالة إلى هذين السفيرين في 28 يونيو/ حزيران ،1914 وقيل في حينه إن وزير المالية التركي وافق أن يؤجر لشركة نفط تركيا كل احتياطي النفط الذي تم اكتشافه أو الذي سيتم اكتشافه في ولايتي الموصل وبغداد (4)، ولكن الحرب العالمية الأولى نشبت قبل أن تتم المفاوضات والاتفاق على تفاصيل الامتياز، واستطاعت القوات البريطانية في بداية الحرب السيطرة على الخليج العربي والعراق، وأصبح الجانب البريطاني في مركز أفضل، ولم تتردد الحكومة البريطانية في إصدار قرار بمصادرة حصة الطرف الألماني التي تبلغ 25% ووضعها تحت الحراسة البريطانية، وهكذا أصبحت حصة الحكومة البريطانية في شركة نفط تركيا 75%، فهي تملك نصف الأسهم في شركة النفط الانجلو فارسية، وانتهى إليها الربع الألماني المصادر، والواقع أن هذه الشركة أصبحت بريطانية 100% تقريباً بعد أن حصل ديترونج مدير شركة شل وصاحب معظم الأسهم فيها على الجنسية البريطانية عام ،1915 وكانت السياسة البريطانية تهدف إلى أن يكون لها الصوت الآمر في مقدرات الشرق الأوسط متى انتهت الحرب، وأن تكون مناطق النفط ضمن مناطق النفوذ البريطاني، وكانت قد عقدت المعاهدة الثلاثية السرية المعروفة باتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولكن روسيا انسحبت منها، وتم بموجبها الاتفاق على تقاسم النفوذ وتوزيع أشلاء الامبراطورية العثمانية متى انتهت الحرب، وتضمنت هذه الاتفاقية موافقة فرنسا على احترام أي امتيازات اقتصادية يمكن أن تكون قد حصلت عليها بريطانيا من الحكومة العثمانية، إذ حدث أن خضعت أراضي هذه الامتيازات ضمن الحصة الفرنسية، وفي 20 مارس/ آذار 1919 عقد اجتماع سري في لندن بين المسؤولين البريطانيين والفرنسيين، واستطاع الانجليز في هذا الاجتماع أن ينالوا الموافقة الفرنسية على أن تقع ولاية الموصل ضمن منطقة النفوذ البريطاني، وفي 10 أغسطس/ آب 1920 عقدت معاهدة سيفر التي نصت على احترام جميع الحقوق التي حصلت عليها الدول الحليفة في الأراضي التي انتزعت من تركيا، وبذلك لم يبق أدنى شك في سيطرة بريطانيا على الامتيازات النفطية التي حصلت عليها في العراق، ولكن فرنسا لم تتنازل عن ولاية الموصل مقابل لا شيء، ففي اتفاقية سان ريمو التي عقدت بين فرنسا وبريطانيا في 20 ابريل/ نيسان 1920 تعهدت الحكومة البريطانية بأن تمنح فرنسا أو أية شركة فرنسية تقدمها الحكومة الفرنسية حصة في نفط الموصل تبلغ 25% واتفت الحكومتان على أن تبقى الشركة التي تتولى استغلال آبار الموصل تحت السيطرة البريطانية الدائمة (5).

شركة العراق

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1927 تقدمت فرنسا بخارطة للمنطقة، وأحاطت في هذه الخرائط الأراضي العربية التي تحتلها الامبراطورية العثمانية بالخط الأحمر، بقصد جمع أعضاء شركات النفط المختلفة في كارتل يستهدف المحافظة على الامتيازات، والاستمرار في عمليات نهب الثروة النفطية العربية الغزيرة، وفي 31 يوليو/ تموز 1928 تم التوقيع على اتفاقية الخط الأحمر، وشهد هذا التاريخ تمكن الشركات الست الكبرى الأمريكية من الحصول على 23،75% من الأسهم في شركة النفط التركية (7). وتمت إعادة هيكلة شركة نفط تركيا على النحو التالي: 23،75% حصة متساوية لكل من شركة النفط الانجلو فارسية، شركة شل، الشركة الفرنسية للنفط، مجموعة الشركات الأمريكية، ومنحت ال 5% المتبقية لغولبنكيان، ومنحت شركة النفط الانجلو فارسية عوائد 10% من إنتاج النفط العراقي، وتم تغيير اسم شركة نفط تركيا ليصبح نفط العراق في 8 يونيو/ حزيران 1929.

النزاع الأمريكي - البريطاني

أثار احتكار بريطانيا لنفسها مصادر النفط المهمة في العراق استياء الحكومة الأمريكية، واعتبرت واشنطن الاتفاقيات المعقودة بين انجلترا وفرنسا اتفاقيات احتكارية تغمط الحقوق الامريكية في العراق، لا سيما أن أمريكا كانت تعتبر نفسها إحدى دول الحلفاء التي لها الحق في أن تعامل على قدم المساواة مع حليفتيها انجلترا وفرنسا، ولذلك بعثت احتجاجاً شديد اللهجة إلى الحكومة البريطانية، وكان اتفاق سان ريمو سبباً رئيسياً للنزاع بين أمريكا وانجلترا، مما أدى إلى تبادل المذكرات الدبلوماسية الشديدة اللهجة بين الحكومتين المذكورتين، وكان الجدل يدور بالدرجة الأولى حول كيفية استثمار مصادر النفط في الشرق الأوسط والمبادئ التي كان يجب تطبيقها في الأراضي المنتدب عليها من قبل الحلفاء، وكانت أمريكا اقترحت اتباع سياسة الباب المفتوح، التي أوضحت فيها أن الباب المفتوح يجب أن يكون مفتوحاً لأي شركة أو لجميع الشركات التي تهتم بامتيازات النفط في العراق، واستمر الجدل فترة طويلة، وبينما كان هذا النزاع قائماً بين أمريكا وبريطانيا، كانت بعض الشركات الأمريكية تطلب التفاوض مع شركة النفط التركية، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد سبق لها أن سمحت عام 1922 لمجموعة من الشركات الأمريكية برئاسة شركة ستاندرد أن تدخل في مفاوضات مع مجموعة الشركات التي تؤلف شركة النفط التركية، فكانت نتائج المفاوضات الاتفاقية التي عقدت في 20 يونيو/ حزيران 1922 الخاصة بالمصالح الأمريكية البريطانية في العراق، وأهم بنودها ينص على ألا تمنع أية شركة أمريكية حسنة السمعة ومستعدة وراغبة في الاشتراك في العمل بالعراق (6) وهذا يعني أن تقسم حصص النفط في الشرق الأوسط بين الحلفاء بالتساوي، وهذا قاد فيما بعد لإعادة هيكلة شركة النفط التركية للسماح بدخول الأمريكيين كشركاء فيها.

هوامش:

(1) لتفاصيل أكثر انظر جاك دولونيه، جان ميشيل شارلييه، التاريخ السري للبترول 1859 ،1984 ص 11 18

(2) عبدالحي زلوم، م.س ص 89-92

(3) جواد العطار، تاريخ البترول في الشرق الأوسط 1901 ،1972 ص 15 22

(4) ستيفن لونجريج، العراق الحديث من سنة 1900 ،1950 ص 115 116

(5) مازن البندك، حصة النفط، ص 52 53

(6) حكمت سامي سليمان، نفط العراق، دراسة اقتصادية سياسية ص 112 116

(7) محسن الموسوي، النفط العراقي، ص 43

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"