سناء البيسي: نداء صافي ناز كاظم أدخلني عالم الصحافة

أول رئيسة تحرير بعد روزاليوسف
12:46 مساء
قراءة 5 دقائق

سناء البيسي كاتبة من طراز خاص، وهي حالة متفردة في الصحافة المصرية، صاحبة قلم جامح ومتدفق بلا حدود، كان لنبوغها المبكر ومشاغباتها المستمرة، الدور الأكبر في إقناع مصطفى وعلي أمين بموهبتها، حيث تولت رئاسة قسم المرأة بمؤسسة أخبار اليوم وعمرها سبعة عشر عاماً، وكانت لا تزال طالبة بالفرقة الأولى في كلية الآداب، كتاباتها تفتح للعقل آفاق المعرفة وتواجه الظلم بسلاح السلطة الرابعة وتنادي بالديمقراطية، وتأخذ بيد الشباب وتناضل من أجل حق المرأة .

مشوار سناء البيسي مرّ بمحطات مهمة، بداية من مرحلة الطفولة، حيث كانت محظوظة بأبوين يعشقان القراءة والثقافة والإبداع، وتكشف بعض أسرار تفوقها فتقول: كان الفضل لوالدي المرحوم حسين حسن البيسي في كل ما حققته، وتشرق ابتسامتها وهي تتحدث عنه قائلة: والدي خريج كلية الحقوق، وكان مديراً للآثار العربية والإسلامية، وله عدة مؤلفات في الفقه والشريعة، وصاحب مكتبة إسلامية رائعة تضم العديد من أمهات الكتب والمخطوطات، إضافة إلى كتب الأدب القديم والحديث وكان دوما يشجعني على القراءة، وأتذكر أنه كان يجلسني إلى جواره قبل أن أبلغ الخامسة من عمري لأقرأ الجريدة، وأنا لا أدرك مما اقرأه شيئاً، ولم يكن أبي يمنع عني أي كتاب، لدرجة أنني قرأت #187;ألف ليلة وليلة#171; قبل أن أكمل العاشرة من عمري وقرأت مبكراً جداً للزيات ولطفي السيد وبنت الشاطئ ورحلات عبدالرحمن عزام .

وفي بيتنا كانت هناك مجلات من مختلفة مثل الطائف المصورة والمختار والفصول وغيرها، وتفوقت منذ صغري في اللغة العربية خاصة التعبير، وحصلت على جوائز عدة في مدرستي #187;العباسية الابتدائية والثانوية#171; إلا أنني كنت على خصام مع الرياضيات والهندسة، وكنت بالكاد أحصل على الدرجات الصغرى للنجاح، ثم انتقلت للحديث عن الأم فتقول أمي رحمها الله اسمها: دينا نور كانت ست بيت من الطراز الأول، تعتني بزوجها وبناتها الثلاث وأنا الابنة الوسطى بين #187;آمال#171; الكبيرة و#187;بثينة#171; آخر العنقود، وكانت ست الحبايب سيدة مجتمع مثقفة وتحب القراءة والكتابة وتكتب القصة القصيرة وتوقعها باسم مستعار، وتشجعني على القراءة وتحلم بأن أكون كاتبة في يوم من الأيام، وكان والدي يتمنى أن أكون مثل الدكتورة بنت الشاطئ، رحمها الله، التي التقيت بها في مبنى الأهرام، وكنت محظوظة عندما طلب مني الأستاذ محمد حسنين هيكل الجلوس معها في حجرة واحدة، وركبت معها سيارة الأهرام فقالت لي: أنا أشعر بأنك ستكونين خليفتي في الكتابة، وهكذا تحقق حلم والدي .

وتضيف البيسي: حصلت في الثانوية العامة على مجموع 73% وكان يعد في هذا الوقت تفوقاً ملحوظاً احتفلت به العائلة وقدمت إليّ الهدايا، وحالياً لا يستطيع أحد أن يدخل بتلك الدرجات أية كلية من كليات القمة فالدنيا تغيرت، وقدم أبي أوراقي إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس القريبة من منزلنا في العباسية، حيث أراد أن أكمل مسيرته القانونية، واعتبرت هذا الأمر مفروغاً منه، بخاصة أن جميع الكتب والمؤلفات التي تتعلق بالقانون تكتظ بها مكتبته في المنزل .

وفي أحد الأيام وقبل بداية العام الدراسي بأيام وجدت جارتي ورفيقة الطفولة الصديقة العربية صافي ناز كاظم تأتي إلى بيتنا وتخبرني من #187;بير السلم#171; بافتتاح قسم جديد للصحافة بجامعة القاهرة، وكان هذا النداء بمثابة تغيير مسار لمستقبلي، ولم أفكر لحظة وتركت أوراقي بكلية الحقوق، وذهبت بأوراق جديدة لقسم الصحافة التي أعشقها وكان ذلك في العام 1953 .

في الكلية تعلمت على يد مجموعة من الأساتذة الذين أتذكرهم بكل خير، منهم الدكتور محمد مندور، والملكة دينا الزوجة الأولى للملك حسين وكانت تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية، والدكتورة عائشة راتب للقانون، والعالم النفسي الكبير الدكتور يوسف مراد .

ومن أهم أساتذتي عملاق الصحافة المصرية مصطفى أمين، رحمه الله، وكان تأثيره ضخماً في مستقبلي، وفي أول لقاء وبعد انتهاء محاضرته طلب منا أن نكتب جزءاً من هذه المحاضرة فكتبت: إنني لم أفهم شيئاً بسبب تدخين سيجارته التي لم تفارق فمه، وأعطيته ورقتي تلك، وفي اليوم التالي كافأني على ذلك لأن إجابتي لفتت نظره، فأرسل يستدعيني في مؤسسة أخبار اليوم التي يرأسها مع شقيقه على أمين، وهكذا درست الصحافة عملياً ونظرياً وتحقق حلم حياتي .

وتقول الكاتبة المتألقة من فضل ربي عليّ أنني وجدت من يأخذ بيدي في عالم الصحافة، حيث كنت أدرس وأعمل في ذات الوقت بمؤسسة أخبار اليوم، وصدق أو لا تصدق كان عمري 17 عاماً وطالبة تدرس بالفرقة الأولى في الجامعة عندما أسند لي التوأمان مصطفى وعلي أمين ومعهما أستاذي أحمد بهاء الدين صفحة كاملة في أخبار اليوم عنوانها #187;قيل وقال#171;، وبعدها توليت رئاسة قسم المرأة، لأقوم بتحرير ملزمة خاصة بها في مجلة #187;آخر ساعة#171; تحت عنوان #187;النصف الحلو#171;، وكانت من أجمل سنوات حياتي، وكنت أشعر بالخجل، حيث كانت تحت رئاستي سيدات في عمر أمي، ولذلك حرصت على معاملتهن بمنتهي اللطف .

وتضيف، وفي أوائل الستينات من القرن الماضي انتقلت إلى الأهرام بعدما توارى نفوذ أساتذتي الذين شجعوني، وأقصد التوأمين مصطفى وعلي أمين وسيطر آخرون #187;الشيوعيون#171; على مؤسسة أخبار اليوم الجميلة ففقدت بريقها، وفي الأهرام وجدت كل تشجيع من الأستاذ محمد حسنين هيكل، وهكذا كنت محظوظة لأني تتلمذت على أيدي عمالقة الصحافة المصرية باختلاف اتجاهاتهم . وشرعت في إصدار مجلة نصف الدنيا في فبراير/ شباط 1995 وتشرفت بوجود ثلاثة مبدعين في مصر الذين طلبوا مني حجز صفحاتهم الأسبوعية فيها، الأستاذ أحمد بهاء الدين الذي سيكتب مقالاته حول جدية التذوق الفني، والعملاق نجيب محفوظ الذي سيمنحني كل ما يجود به قلمه ليكون حكراً علينا وحدنا، والدكتور يوسف إدريس يحجز من الآن صفحتها الأخيرة، سأكتب أخطر أعمالي الأدبية التي فيها تعرية للنفس والتاريخ والأصل والنسب والأسباب والمسببات ودور الأم ودور الأخت والجدة وأهل المعرفة والحب والجنس والنزعات .

ولقد توليت رئاسة تحرير مجلة نصف الدنيا لمدة 15 عاماً تقريباً، حرصت خلالها على تشجيع كل موهبة اقتداء بما حدث معي في بداية حياتي الصحفية، وتخرج في مدرسة نصف الدنيا باقة على أعلى مستوى من الصحفيين والصحفيات الذين أرسلتهم إلى بقاع مختلفة من العالم لإجراء تحقيقات صحفية مميزة، وكنت أراهن على الصورة الصحفية وأنافس بها الجرائد المجلات العربية والأجنبية .

وتعتز سناء البيسي بأنها كانت وراء إقامة أول حفل للزفاف الجماعي في مصر في استاد القاهرة الذي شمل 55 عروساً، أنجبوا وما زالوا يتصلون بها حتى اليوم، وتوالت الحفلات من هذا النوع في مختلف المحافظات والأماكن .

وتشرق ابتسامتها من جديد وهي تتحدث عن شريك العمر زوجها الفنان الراحل منير كنعان حيث تقول: عندما قابلته للمرة الأولى قلت هذا هو الرجل الذي يسكن حلمي وضميري وبالي، وقتها كان كبير الرسامين في أخبار اليوم، وعاشقاً للفن إلى أبعد الحدود، وعندما قابلته للمرة الأولى طلب مني أن أجلس أمامه ليرسمني، حيث رآني لوحة جميلة وتزوجنا عام 1963 وأنجبت منه ابني الوحيد هشام، وأنا حالياً جدة لثلاثة أحفاد وهم أجمل زهرات حياتي #187;نور وحسين وعمر#171; .

وكنت دائماً في بدايتي الصحفية أوقع مقالاتي باسم #187;البيسي#171; لأن والدي لم ينجب ذكوراً، فأردت أشعره بأني ولد، وجميع شقيقاتي أنجبن ذكوراً بعد ذلك .

وعن الهوايات التي تعشقها تقول سناء البيسي أحب ركوب الخيل، وكنت أيام الشباب من المتفوقات في رياضة الفروسية . أما هواية الرسم فبالطبع كان لزوجي الراحل دور كبير في حبي لها، وعندما أرسم أشعر بأني في فسحة ومستمتعة بوقتي وسعيدة .

وقبل ذلك هناك #187;عفريت#171; الكتابة التي لا أستطيع التخلي عنها لكنني أشعر معها بالمعاناة عكس الرسم، ومع ذلك أحب هذا التعب والشخصيات التي أكتب عنها ترهقني وتمرضني، لأنني أقرأ عنها الكثير والتقي بكل من يعرف عنها معلومة ويدور في فلكها، ولا أقوم باختيارها، وإنما هي تختارني وتقفز إلى قلبي وعقلي ووجداني .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"