شرف الدين: كتب الأطفال العربية تفتقد الجاذبية

00:48 صباحا
قراءة 7 دقائق
نجاة الفارس

فاطمة شرف الدين كاتبة ومترجمة لأدب الأطفال والناشئة حائزة عدة جوائز ولوائح شرف، تنشر كتبها في دور متخصصة لكتب الأطفال في الإمارات ولبنان ومصر وبلجيكا، وقد ترجمت بعض كتبها إلى لغات عديدة منها الفرنسية والهولندية والسويدية والإسبانية والنروجية والتركية والإنكليزية والكورية والروسية.
نشر لها حتى اليوم أكثر من 110 كتب، تشارك شرف الدين في عدة معارض ومؤتمرات عربية ودولية عن أدب الطفل، كما تقدم محترفات في الكتابة الإبداعية للأطفال والناشئة، وهي مرشحة لجائزة أستريد ليندغرن التذكارية للعام الحالي 2016، وقد سبق أن رشحت للجائزة نفسها في العامين 2010 و2011.

} متى بدأت الكتابة للطفل؟

نشر كتابي الأول عام 2005، لكني أكتب منذ أن بدأت دراستي الجامعية وانغمست في عالم التربية المبكرة وأهمية الكتاب عند الطفل.
} لماذا اتجهت إلى أدب الطفل والناشئة؟

تخصصي الأكاديمي ساهم في ذلك، فأنا حاصلة على درجة ماجستير في التربية المبكرة، بالإضافة إلى ماجستير في الأدب العربي الحديث، عملت لسنوات طويلة مع الأطفال في أمريكا، في حين كنت أركز تفاعلي مع الأطفال على قراءة القصة وعقد الورش المتعلقة بها، في الوقت ذاته، كنت أزور مع طفلي المكتبة العامة في هيوستن مرة في الأسبوع، وفي كل مرة كنا نستعير 20 كتاباً للأطفال، نقرأها معاً خلال الأسبوع، ثم نعيدها ونستعير 20 كتاباً آخر وهكذا على مدى سنوات، هذا الأمر أسهم في تشكيل مخزون كبير لدي عن أدب الطفل، رغم أنه لم يكن لدي نية للكتابة للطفل، كنت فقط كأم حريصة على مشاركة أطفالها وقت فراغهم والقراءة لهم ومعهم، وعندما عدت إلى لبنان، وجدت صعوبة كبيرة في الحصول على كتب باللغة العربية موجهة للأطفال توازي ما كنت أقرأه لأطفالي في أمريكا، ومن هنا جاء قراري في الكتابة للطفل، ورغم أن ولديّ كانا قد كبرا، فقد شعرت بأنه من الضروري جداً أن تتوفر لدى الطفل العربي كتب باللغة العربية مثلما تتوفر له كتب باللغات الأجنبية، سبب جوهري يجعلني أتوجه في كتاباتي إلى الطفل، هو أنني ما زلت طفلة من الداخل؛ فلدي قدرة على تبسيط الأمور، مما يجعل الكتابة للطفل عندي أسهل، وبطبيعتي أفهم الأطفال بشكل جيد جداً، أكثر من فهمي للكبار.

} ما هي انتقاداتك لكتب الأطفال في وطننا العربي؟

معظمها كتب توجيهية أخلاقية فيها رسالة مباشرة لتربية الطفل، وأنا لست ضد تربية الطفل بشكل صحيح عربياً وثقافياً، ولكن الأطفال أذكياء جدّاً، يشدهم النص المحفِّز للمشاعر والخيال، لا النص المباشر المستهلك.

} برأيك ما أهمية القراءة للطفل؟

القراءة مهمة للطفل لعدة أسباب، منها أن الطفل منذ ولادته يخلق ولديه خيال واسع، والدراسات تشير إلى أن خيال الطفل يتناقص ابتداء من عمر ست سنوات عندما يذهب إلى المدرسة، قبل هذا العمر يكون لدى الطفل صديق متخيل، يتحدث معه، كما يتكلم مع ألعابه، قد يمسك ملعقة الطعام فيتخيل أنها شخصية ويعمل من الكأس شخصية أخرى ويدير حواراً بينهما، لكن عندما يلتحق بالمدرسة، يبدأ بسماع كلمات مثل صح وخطأ، وتصبح العلامة الجيدة دليل ذكاء ونجاح، هذا يحد من خياله، لذلك من الضروري جدّاً القراءة للطفل ليظل خياله حيّاً، توجد عدة مواضيع عاطفية واجتماعية ونفسية يمر بها الطفل، وقد لا تكون لدى الأهل الخبرة الكافية للتعامل مع هذه المواضيع، الكتب تساعد في ذلك، على سبيل المثال إذا ماتت الجدة ماذا ستقول الأم لطفلها؟ الكثير من الأمهات يبادرن إلى القول: إن الجدة سافرت أو ذهبت إلى السماء، لكن الصحيح أنها ماتت ودفنت، لكن عندما تقرأ الأم كتاباً موجهاً للطفل عن الموضوع، سوف يسهل ذلك عليها توصيل فكرة موت الجدة دون أن توارب في الإجابة، وبذلك تكون قد احترمت ذكاءه، فالطفل يعرف حقيقة ما يحدث، وعلينا تقدير ذلك.

} كثير من الأطفال يفضلون القراءة إلكترونياً على القراءة من الكتاب الورقي؟

كنت في السابق أعارض قراءة الطفل إلكترونياً، لكن منذ فترة قريبة وافقت أن تطبع بعض كتبي إلكترونياً لأن هذا هو الواقع وهذا هو المجتمع، التكنولوجيا فرضت نفسها على الجميع ومنهم الطفل، فعلينا أن نتكيف مع هذا التطور وأن نواكبه، حتى لو قرأ الطفل إلكترونياً، لا ضير في ذلك، المهم أنه يقرأ، ولدي قناعة مئة في المئة أن الكتاب الإلكتروني لن يحل محل الكتاب الورقي، للكتاب الورقي قيمته، حتى نحن الكبار، عندما نقرأ كتاباً إلكترونيّاً ونحبه، نذهب ونشتريه ورقيّاً لنحتفظ به في مكتباتنا، فلنشجع الطفل على القراءة من الكتاب الورقي ولكن لا يعني ذلك أن نمنعه عن الكتاب الإلكتروني.
} ما تعريفك لأدب الناشئة؟

من المعروف أن أدب الناشئة هو ما يكتبه الأديب الكبير ليقرأه الناشئة، والناشئ هو من تجاوز عمر الصغر وقرب من الإدراك والبلوغ، تاريخياً هذه الفئة مهملة خاصة من ناحية الأدب الموجه إليها، فالأبناء والبنات حينما يصلون إلى مرحلة البلوغ يعتبرون كباراً، فينتقل الناشئة من كتب الأطفال إلى أدب الكبار مباشرة.

} متى وكيف بدأت الكتابات الأولى الموجهة للناشئة في الوطن العربي؟

بدأت هذه الكتابات في أواخر القرن التاسع عشر وكان الهدف الأساسي منها تربوياً يرشد إلى الأخلاق الحميدة في المجتمع وفي الدين، وتعتبر مجلة «أنيس التلميذ» التي بدأت تصدر في مصر عام 1898 هي البداية، وكانت مجلة فيها معلومات تاريخية عن شعوب مختلفة ونصائح أخلاقية وصحية، عقبها صدرت مجلة «مسامرات البنات» بإشراف علي فكري وهو أديب اهتم بأدب الأطفال والناشئة، فكتب عدداً من الكتب التربوية والإسلامية وذلك عام 1912، ثم ظهرت مجلة «سمير التلميذ» وكانت دورية شهرية موجهة للناشئة تحتوي على قصص قصيرة فيها رسائل أخلاقية وألعاب تسلية ومعلومات تاريخية وعلمية، وذلك عام 1933 في مصر أيضاً، تلتها مجلة «علي بابا» وهي مجلة تعليمية فيها قصص وشرائط مصورة ونصائح للناشئة والشباب وذلك عام 1954 أيضاً في مصر.

} ماذا عن الشكل الروائي للناشئة متى بدأ الاهتمام به؟

في الثلث الأخير من القرن الماضي بدأ الكتاب الكبار يهتمون بأدب الناشئة فصدرت سلاسل قصصية ومسرحيات وأشعار موجهة للناشئة منها المؤلف والمترجم والمقتبس وذلك على صعيد النشر الخاص والرسمي، وظهرت سلسلة «قالت شهرزاد» لكامل كيلاني عام 1964 عن دار مكتبة الأطفال في مصر، وفي عام 1970 بدأت تظهر سلاسل القصص البوليسية عن دار المعارف مثل سلسلة قصص المغامرين الخمسة البوليسية للناشئة وهي مقتبسة، وكانت تصدر شهرياً للكاتب محمود سالم، ثم ظهرت سلسلة «الناجحون»، وهي سير ذاتية لشخصيات تاريخية وأدبية وعلمية وفنية واجتماعية من البلاد العربية ومن سائر العالم من إنتاج دار العلم للملايين في لبنان، وقد لمعت أيضًا كتابات إميلي نصر الله وهي أديبة خصصت معظم كتاباتها للناشئة.

} وكيف هو أدب الناشئة في بدايات القرن الواحد والعشرين؟

حدث تحول في نوع الأدب الموجه للناشئة أسلوباً ومضموناً، فقد كثرت الأعمال وتنوعت المضامين، فظهرت عام 2004 أعمال سماح إدريس وهي كتب للناشئة تتناول قضايا من واقع الحياة في بيروت خلال الحرب، مثل الملجأ، والنصاب، صدرت عن دار الآداب في لبنان، وفي عام 2010 كتبتُ رواية فاتن للناشئة التي صدرت عن دار كلمات في الإمارات وبطلة الرواية تتمكن من تغيير مصيرها والتحرر من قمع الظروف المعيشية، في عام 2013 كتب محمود شقير «كوكب بعيد لأختي الملكة» وهي قصة لليافعين تعالج موضوع الاحتلال من خلال قصة يجعل الطفل فيها نفسه ملكاً، مشجعاً أصحابه من حوله أن يفعلوا الشيء نفسه، صدرت عن مؤسسة تامر في فلسطين، ثم كتبتُ قصة «غدي وروان» بالاشتراك مع سمر محفوظ براج، وهي قصة مؤلفة من قصتين لشخصيتين كل واحدة تعيش في بلد، وتتواصلان عبر البريد الإلكتروني، صدرت عن دار الساقي في لبنان، نشرت أيضاً دار السلوى في الأردن قصة «ست الكل» لتغريد النجار وذلك عام 2013، وفي عام 2015 جاء إطلاق جزء من دار كلمات - الإمارات متخصص بالروايات للناشئة.

} ما أهم التحديات التي تواجه الكاتب في مجال أدب الناشئة؟

هناك عدة تحديات منها وجود العديد من المحرمات في مجتمعاتنا ولا يسمح للكاتب أن يتخطاها فيمارس الرقابة الذاتية، ومنها انتقاد الأهل أو الثورة عليهم، وموضوعات الحب أو الصداقة بين الشاب والفتاة، والسخرية من الوضع الراهن في المدرسة أو في البيت، والتحولات الجسدية عند المراهق، قيام المراهق بتصرف غير مناسب اجتماعياً لجنسه مثل قصة صبي يحب الرقص، وغيرها من الموضوعات كالتحرش الجنسي أو العنف الأسري أو التمييز العنصري والديني.

ومن التحديات الأخرى معرفة المراهقين باللغات الأجنبية، وللأسف فإن مناهج تعليم اللغة العربية لا تواكب تطور تعليم اللغات الأجنبية، فالطفل يكتسب اللغة الأجنبية بسهولة أكبر بخاصة حين يتكلم بها في البيت ومع الأصدقاء.

} ماذا يريد الناشئة أن يقرأوا؟

لقد طرحت هذا السؤال عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث لدي العديد من القراء في فئة الناشئة يتواصلون معي حول كتاباتي الموجهة لهم، وقد تلقيت العديد من الإجابات، فمنهم من كتب «نريد مادة تعكس مواضيع تهمنا نحن جيل القرن 21 جيل التواصل الاجتماعي والسفر والحروب»، ومنهم من أرسل يقول «يهمني أن أجد هويّتي فيما أقرأ، وأن أتماثل مع الشخصيات»، وآخر كتب يقول «أريد أن أقرأ عن الحب لكي أفهم ما هو قبل أن أقع فيه»، ومن الإجابات التي وصلتني من قال «أحب أن أقرأ بأساليب تجريبية جديدة مثلما أقرأ بالإنكليزية».

} ما هي أهم تطلعاتك ككاتبة لأدب الناشئة؟

أعتقد أن الكتابة بأساليب حديثة وليس بلغة مملوءة بالوصف والعبارات الجاهزة تطلع مهم، أيضاً من الضروري تناول مواضيع آنية تحاكي هموم الناشئة وحاجاتهم، ونحتاج إلى أعمال أدبية تتناسب مع مستوى الناشئة الفكري واللغوي والعاطفي، يكون الهدف منها هو التنمية الثقافية والاجتماعية، والارتقاء بذوقهم الأدبي، كما لا بد من إقامة المؤتمرات والمحترفات المتخصصة بأدب الناشئة، والقيام بدراسات نقدية تتناول نقد وتقييم هذا النوع من الأدب، فالمجتمعات العربية مجتمعات شابة لذلك علينا الاستثمار بهذه الفئة العمرية من خلال التواصل معها والاستماع إلى مشاكلها وحاجاتها والتوجه إليها من خلال أعمال أدبية حديثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"