الأرز اليمني

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

بعد السنوات الطوال من زراعة الأرز باليمن، لا نريد أن ننافس العالم، لكننا فقط نريد أن نذكّر بما كانت عليه الأحوال.

أتمنى على القارئ ألَّا يسارع ويعتقد أن هناك بين الأرز المعروف في الأسواق نوعاً اسمه الأرز اليمني، لكن ذلك لا ينفي أنَّ اليمن عرف نوعاً من الأرز المتميز في المنطقة الجنوبية الشمالية وذلك قبل أن تسيطر شجرة القات وتلتهم الأراضي التي كانت تنتج الأرز والبن.

وأتذكر عندما كنت طفلًا أن الحكومة كانت تصرف لأبي جزءاً من راتبه من الحبوب من الأرز، وعلى العكس من ذلك صنعاء والمناطق المحيطة بها التي لم تكن تعرف الأرز في الخمسينات عند بدء استيراده من عدن. وكانت صنعاء وأهاليها والمحيطون بها لا يطيقون أكل الأرز، ولهم طعامهم الخاص، ولم ينتشر أكل هذه المادة إلَّا بعد أن زاد عدد البشر وزاد التواصل مع شرق آسيا وبدأت أطنان الأرز يتزايد حضورُها عامًا بعد عام.

إن في الحديث عن الأرز اليمني شيئاً من الطرافة لكنه حقيقة ثابتة، عرفتُ ذلك بعيني وذقته بفمي، وأتذكر تماماً كيف كانت شتلات الأرز تنتشر فوق الصخور ويأتي الفلاحون لجنيها، قبل أن يعتدي القات على الأرض والشجرة وتتحول إلى غابات من الأشجار المسماة بالقات، والتي وجدت لها رواجاً في أنحاء كثيرة من البلاد، لا سيما في المناطق التهامية التي تستخدم هذا المستوى البديع من القات الذي يسمونه ب«الشامي» نسبة إلى الأرض التي تنتجه.

وللتاريخ، والتاريخ وحده، فقد كانت اليمن تنتج الأرز وتستخدمه في بعض مناطقها، وأكرر القول إن هذا ما عرفتُهُ وشاهدتُه وأكلتُه، وكان يمكن لهذه الأمور الاقتصادية أن تسير على ما هي عليه لولا ما طرأ على البلاد في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية من تطورات سياسية عكست نفسها على الحياة بكل جوانبها. ومن المؤسف أن هذه الصفحة من تاريخ الوطن أصبحت في حكم المنسية إن لم تكن منسية تماماً، وما هذه الإشارات إلَّا من باب التذكير بما أصبح جزءاً من التاريخ المنسي.

ومن المؤسف أيضاً أن أبناء المنطقة التي كانت تنتج هذه الأنواع من المواد الغذائية لم تعد تتذكر عنها شيئاً، ولم يعد حتى المُسِنُّون من أبناء المنطقة يهتمون بشيء من ذلك، مع أن ذلك يهمهم بالدرجة الأولى، كما يهم بقية أبناء اليمن الذين قامت الثورة لإحيائهم على أسس تتناسب والحياة الجديدة.

التوقف عند مادة الأرز يجعلنا ننتقل إلى الحديث عن إنتاج الحبوب، لا سيما الوفيرة منها في منطقة تهامة الغنية بتربتها وخيراتها المادية. وقد قيل بعد فترة وجيزة من قيام الثورة إن تهامة أو المنطقة المعنية تضم الكثير من الأراضي التي في مقدورها أن تزود كل اليمن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إلا أن التصرفات السياسية العابثة والانشغال بصغائر الأمور أضاعت الأمنيات، وبدلت حال هذه الأرض الممتدة من الشمال إلى الجنوب عبر وديان غنية بالمياه العذبة، ولا يزال الأمل حتى هذه اللحظة قائماً بأن تنجح الدولة اليمنية في السيطرة على مواردها والتحكم في مقدراتها الثابتة والدائمة.

نحن الآن، بعد السنوات الطوال من زراعة اليمن للأرز، لا نريد أن ننافس العالم، أو يكون لنا إنتاج من هذه المادة، لكننا فقط نريد أن نذكر بما كانت عليه الأحوال، وبما ينبغي أن تكون عليه، إذا صلحت الأحوال واستقرت أمور البلاد. جدير بالذكر هنا التنوع الذي تتعدد مناخاته وتنعكس آثاره على الواقع المطلوب من تحرر الإنتاج ومن حماية المستهلك من الضغوط الخارجية التي من شأنها أن تهدر حقوق المواطنة أولًا، والعدل الاجتماعي ثانياً. وإذا تم ذلك فستكون البلاد قادرة على إنتاج ما يريده إنسانُها ويتمناه لها أبناؤها المخلصون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"