عادي

اللاجئون السوريون..عودة على «نار» الاتهامات

00:48 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد عباس ناجي

بعد أن تغيرت توازنات القوى على الأرض داخل سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد، بدأ بالتنسيق مع روسيا وإيران، في توجيه رسائل إلى القوى المعنية بما يحدث على الساحة السورية، مفادها أن المجال بات مهيئاً، بعد أن خفَتَت أصوات المدافع، لحسم القضايا التي فرضتها الحرب التي اندلعت على مدار الأعوام التسعة الأخيرة، وفي مقدمتها قضية عودة اللاجئين السوريين.

وبالفعل تم تنظيم مؤتمر لعودة اللاجئين في العاصمة السورية دمشق يومي 11 و12 نوفمبر الجاري، حضرته بعض الدول الحريصة على تطوير علاقاتها مع روسيا والنظام السوري وإيران، في حين قاطعته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

على الرغم من أن قضية اللاجئين تكتسب أهمية خاصة لدى القوى المعنية بالأزمة السورية، لاسيما أن الحرب السورية أدت إلى نزوح ملايين السوريين إلى الخارج خصوصاً دول الجوار، وتحديداً تركيا ولبنان والأردن فضلاً عن بعض الدول الأوروبية، فإن ذلك لم ينعكس في النهاية على النتائج التي توصل إليها المؤتمر، والتي يتمثل أبرزها في إعلان روسيا عن خطة لدعم البنية التحتية والقطاع الصناعي تقدر تكلفتها بمليار دولار، إلى جانب افتتاح ممثلية في دمشق التي اتهمت مع موسكو الغرب بممارسة ضغوط سياسية لتحقيق مصالح خاصة .

وبات لافتاً أن المؤتمر  سرعان ما تحول إلى منتدى لتوجيه رسائل وانتقادات سياسية متبادلة بين الدول المنظمة والدول الرافضة له، على نحو يعكس المستوى الذي وصل إليه تشابك مصالح تلك القوى.

وفي الواقع، فإن ذلك يعود إلى اعتبارات عديدة منها تباين حسابات تلك القوى تجاه المعطيات الجديدة التي تفرضها التطورات الميدانية التي طرأت على الساحة السورية في الفترة الماضية، والتي لا تنفصل عن بعض الملفات الأخرى الخلافية بين تلك القوى، على غرار التصعيد المستمر بين طهران وواشنطن، وتراجع التفاهمات الأمنية بين موسكو وأنقرة، حول الموقف في إدلب تحديداً.

ضغوط واشنطن

أبرز هذه الاعتبارات يتعلق بسياسة الضغوط القصوى التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه النظام السوري، والتي دفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى رفض تنظيم المؤتمر، فضلاً عن المشاركة فيه، باعتبار أن ذلك يهدف إلى تطبيع العلاقات بين النظام السوري والمجتمع الدولي.

وبمعنى آخر، فإن الهدف  في رؤية واشنطن  سياسي، على الرغم من عنوانه الاقتصادي، من أجل دفع دول عديدة إلى اتخاذ خطوات إجرائية جديدة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري مرة أخرى، باعتبار أن ذلك يمثل انعكاساً لانتهاء المواجهات العسكرية، تقريباً، لصالح الأخير وحلفائه. وتنطلق تلك الرؤية من أن النظام السوري وروسيا يحاولان الترويج لتنظيم المؤتمر وخروجه بنتائج بارزة من شأنها تخفيف الأعباء التي يفرضها وجود اللاجئين في الدول التي تستضيفهم، لاسيما الدول الأوروبية التي تصاعدت فيها حدة الجدل حول تلك القضية، في ظل بروز تيارات يمينية رافضة لاستقبال اللاجئين، فضلاً عن تعرض بعضها لعمليات إرهابية على غرار ما جرى في باريس وبروكسل.

ويبدو أن واشنطن تحاول في هذا السياق الرد على المقاربة الجديدة التي تتبناها موسكو، والتي انعكست في الاتصال الذي جرى بين الرئيسين الروسي فيلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، عبر تقنية تلفزيونية في 9 نوفمبر الجاري، وقال فيها الأول إنه تم القضاء على بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا على نحو يفرض على الحكومة السورية ضرورة تهيئة ظروف عودة اللاجئين من الخارج.

 كان لافتاً أن إدارة ترامب حرصت على فرض عقوبات جديدة على النظام السوري، في 9 نوفمبر الجاري؛ أي قبيل انعقاد المؤتمر بيومين، وذلك لتحقيق هدفين: أولهما تأكيد رفضها للإجراءات التي تتخذها روسيا والنظام السوري في هذا الصدد، والتي لن تفرض  في رؤيتها  تداعيات إيجابية تسهم في تعزيز موقع الأخير على الساحتين الداخلية والخارجية. وثانيهما، توجيه رسالة بأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لن تسفر عن تغيير السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

بيئة غير مواتية

وفضلاً عن ذلك، فإن تنظيم هذا المؤتمر والبدء في اتخاذ خطوات عملية لتفعيل عملية إعادة اللاجئين لا يستقيمان، وفقاً للأطراف المناوئة، في ظل الظروف الحالية التي تمر بها سوريا، حيث أسفرت الحرب عن دمار عدد كبير من المدن والبنية التحتية السورية، فضلاً عن تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية. وبالتالي، فإن عودتهم دون تنفيذ عمليات إعادة الإعمار، والتي تمثل شرطاً أساسياً لتفعيل عملية سياسية جديدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، تعني أن اللاجئين لن يجدوا أوضاعاً معيشية أفضل من تلك التي تتوافر في المخيمات والمناطق التي فروا إليها، على الرغم من كل المساوئ التي ظهرت فيها والانتهاكات التي تعرضوا لها. 

لكن استناد هذه الأطراف إلى عدم توافر المجال أمام عودة اللاجئين إلى سوريا لا يخلو بدوره من تسييس واضح؛ إذ إن تركيا  تستغل هذا الملف لحسابات خاصة بها، سواء على مستوى تشكيل ميليشيات «نقّالة» إرهابية ومسلحة تستطيع نقلهم إلى الدول والمناطق التي تسعى إلى تعزيز نفوذها فيها، على غرار ليبيا وإقليم ناجورنو كاراباخ، أو على صعيد ممارسة ضغوط على الدول الأوروبية بسبب اتساع نطاق الخلافات حول بعض الملفات مثل النزاع في إقليم شرق المتوسط.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إنه على الرغم من خفوت صوت المدافع في سوريا، فإن الجدل؛ بل والصراع، سيتواصل حول استحقاقات المرحلة القادمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"