عادي

حكاية تأسيس دولة الاتحاد.. بدأت من قاعة مغلقة

02:05 صباحا
قراءة 8 دقائق
1

إعداد: إيمان عبدالله آل علي

في دار الاتحاد خفقت القلوب فرحة برفع علم الإمارات لأول مرة، لتشهد قصة تأسيس دول الإمارات، ويتحول الحلم إلى حقيقة، لتقف الدولة اليوم شامخة عالية منافسة أقوى دول العالم بإنجازاتها المستمرة، ليكبر الطموح يوماً بعد يوم، وتتوالى النجاحات والمبادرات التي لا تنتهي، فكل يوم هناك قصة نجاح جديدة في دولة لا يتجاوز عمرها ال 49 عاماً.

قصة التأسيس بدأت بإعلان الحكام دولة الاتحاد عقب خروجهم من القاعة المغلقة.. ليدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، بعد توقيع المغفور له الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله، وباقي حكام الإمارات على اتفاقية الاتحاد، فقصة الإمارات مختلفة، فريدة، قصة نجاح وكفاح، وإصرار زعيمين هما: الشيخ زايد وأخوه الشيخ راشد، طيب الله ثراهما، لتحجز الإمارات لها مقعداً على الخريطة العالمية، وتنافس أعرق الدول التي سبقتنا بقرون.

انسحاب البريطانيين

بدأت  حكاية الإمارات، بانسحاب البريطانيين، ففي بداية عام 1968م، أعلنت الحكومة البريطانية عن نيّتها للانسحاب من منطقة الخليج مع نهاية عام 1971. وساهم في هذا القرار عدد من العوامل الاقتصادية والتي من أبرزها انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، والضغوط الداخلية من حزب العمال للحد من الإنفاق على المسائل الدفاعية، وعدم القدرة على الاحتفاظ بقوات بريطانية في الخارج.

وفي 30 نوفمبر 1971م، انسحب البريطانيون من الإمارات المتصالحة، وكان ذلك الانسحاب نهاية لسيادة العهد البريطاني في المنطقة. ومن الجدير ذكره أنّ «الإمارات المتصالحة كانت أوّل منطقة عربية تفرض بريطانيا سلطتها عليها عام 1820م، وآخر منطقة تتركها عام 1971م».

التحرك سريعاً

أكّد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فور توليه سدّة الحكم في السادس من آب/ أغسطس عام 1966م حاكماً لإمارة أبوظبي، مدى أهمية الاتحاد، وقال معلّقاً:«نستطيع بالتعاون وبنوع من الاتحاد، اتباع نموذج الدول الأخرى النامية».

وبعد إعلان البريطانيين عام 1968 عن نيتهم الانسحاب من منطقة الإمارات المتصالحة، بدأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالتحرك سريعاً لتعزيز الروابط مع إمارات الساحل المتصالح.

الخطوة الأولى

اتّخذ كل من الشيخ زايد مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي طيب الله ثراهما، الخطوة الأولى نحو إنشاء الاتحاد. كان الهدف من هذا الاتحاد أن يكون نواةً للوحدة العربية، وحماية الساحل الذي كانت الثروة النفطية متوقعة فيه من مطامع الدول المجاورة الأكثر قوة. وتم عقد اجتماع في الثامن عشر من فبراير 1968م في السميح، على الحدود بين أبوظبي ودبي، وقد وافق الشيخ زايد والشيخ راشد في ذلك اللقاء التاريخي على دمج إمارتَيهما في اتحاد واحد، والمشاركة معاً في أداء الشؤون الخارجية والدفاع، والأمن والخدمات الاجتماعية، وتبنّي سياسة مشتركة لشؤون الهجرة. وقد تُركت باقي المسائل الإدارية إلى سلطة الحكومة المحلية لكلّ إمارة. وعُرفت تلك الاتفاقية المهمة ب«اتفاقية الاتحاد»، ويمكن اعتبارها الخطوة الأولى نحو توحيد الساحل المتصالح كلّه.

دعوة الحكام

زيادةً في تعزيز الاتحاد؛ ولاهتمام الشيخ زايد والشيخ راشد بتقويته، قاما بدعوة حكّام الإمارات الخمس المتصالحة الأخرى بالإضافة إلى البحرين، وقطر، للمشاركة في مفاوضات تكوين الاتحاد.

وفي الفترة من 25 إلى 27 فبراير 1968م، عقد حكّام الإمارات التسع مؤتمراً دستورياً في دبي. ووقع المجتمعون اتفاقية مكوّنة من إحدى عشرة نقطةً، والتي أصبحت قاعدةً للجهود المكثّفة لتشكيل الهيكل الدستوري والشرعي ل«اتحاد الإمارات العربية».

تمّ في تلك الفترة عقد اجتماعات عدّة على مستويات مختلفة من السلطة، والاتفاق على القضايا الرئيسية في اجتماعات المجلس الأعلى للحكّام، الذي يتكوّن من رؤساء الإمارات التسع. ويكون المجلس مسؤولاً عن إصدار القوانين الاتحادية، وهو السلطة العليا في اتخاذ القرارات بشأن المسائل ذات الصلة، ويتخذ قراراته بالإجماع.

وفي صيف عام 1971م أصبح من الواضح أنّه لم يعد لإيران أية مطالب في البحرين، فأعلن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة استقلالَ الجزيرة في 14 أغسطس 1971م، تبعتها قطر في 1 سبتمبر 1971م.

.. وكان الاتحاد

وفي 18 يوليو 1971م، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، هي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات العربية المتحدة.

وفي الثاني من ديسمبر 1971م، اجتمع حكام الإمارات الست، تمّ الإعلان رسمياً عن تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة. وصدر عن هذا الاجتماع البلاغ التاريخي الذي جاء فيه:«يزف المجلس الأعلى هذه البشرى السعيدة إلى شعب الإمارات العربية المتحدة وكل الدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة، والعالم أجمع، معلناً قيام دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة ذات سيادة، وجزءاً من الوطن العربي الكبير».

تمّ الاتفاق رسمياً على وضع دستور مؤقّت ضم 152 مادة، وارتكز على نسخة معدّلة من نصّ الدستور السابق لإمارات الخليج التسع. واعتمدت أبوظبي عاصمة المؤقتة للاتحاد.

وانتخب حاكم أبوظبي، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من قبل الحكام ليكون أوّل رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأعيد انتخابه بعد انتهاء فترة خمس سنوات. وتم انتخاب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس، وهو منصب استمرّ فيه حتى وفاته عام 1990م.

خمس سلطات

وحدد الدستور خمس سلطات للدولة الاتحادية هي: المجلس الأعلى للاتحاد: ويتكون من حكام الإمارات الست، وهو أعلى المؤسسات في الدولة، ويتخذ قرارته بالأكثرية على أن تكون كل من أبوظبي ودبي ضمن الأكثرية، ورئيس الدولة ونائبه، ومجلس الوزراء، والمجلس الوطني الاتحادي، وهو مجلس استشاري ضم في ذلك الوقت 34 عضواً، ثمانية أعضاء لكل من أبوظبي ودبي، ستة من إمارة الشارقة، وأربعة للإمارات المتبقية. ويخصص لرأس الخيمة 6 مقاعد عند انضمامها للاتحاد ليصبح عدد الأعضاء 40 عضواً، والسلطة التشريعية أو القضائية، وتتكون من عدد من المحاكم على رأسها المحكمة الاتحادية.

توحيد القوات المسلحة

بعد قيام الاتحاد، قرر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان توحيد القوات المسلحة تحت علم واحد وقيادة واحدة، وذلك في السادس من مايو عام 1976 بموجب المادة 138 من الدستور، والتي نصت على أن يكون للاتحاد قوات مسلحة برية وبحرية وجوية موحدة، ويكون تعيين القائد العام لهذه القوات، ورئيس الأركان العامة، وإعفاؤهما من منصبيهما بمرسوم اتحادي.

وجاء في المادة المذكورة أنه يجوز أن يكون للاتحاد قوات أمن اتحادية، ومجلس وزراء الاتحاد هو المسؤول مباشرة أمام رئيس الاتحاد والمجلس الأعلى للاتحاد عن شؤون هذه القوات جميعاً.

اكتمال الاتحاد

انضمت إمارة رأس الخيمة للاتحاد في وقت لاحق، حين تلقت تأكيدات من حكومة الاتحاد أن الدولة ستتابع قضية استعادة جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى التابعتين للإمارة، واللتين تم احتلالهما من إيران.

وتقدمت رأس الخيمة في 23-12-1971 بطلب الانضمام إلى الاتحاد، وفي 10-2-1972 تمت الموافقة على قبولها في عضوية الاتحاد بقرار صادر من المجلس الأعلى، وبذلك اكتمل كيان الاتحاد، والذي أصبح يعرف رسمياً بدولة الإمارات العربية المتحدة.

الأحداث البارزة

- 1971: تشكيل دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، باستثناء إمارة رأس الخيمة. 

- 1972: اجتماع المجلس الوطنيّ الاتّحاديّ لأوّل مرّة.

- 1973: إطلاق الدّرهم الإماراتيّ، ووضع أوّل إشارات المرور في أبوظبي.

- 1974: تغطية أوّل بث تلفزيونيّ ملوّن في دولة الإمارات العربية المتحدة في اليوم الوطنيّ، وأكّد البنك الدّوليّ أنَّ متوسّط ​​الدّخل في الإمارات هو الأعلى في العالم.

- 1975: افتتاح جسر آل مكتوم في دبي بتكلفة مليون جنيه إسترلينيّ.

- 1976: توحيد القوّات المسلّحة الإماراتيّة.

- 1977: افتتاح مطار الشّارقة الدّوليّ، وقبول الطّالبات في جامعة الإمارات لأوّل مرّة.

- 1978: تأسيس الهلال الأحمر رسمياً.

- 1979: بدأت ملكة بريطانيا إليزابيث زيارة إلى أبوظبي ودبي، وافتتحت في دبي مركز التّجارة العالميّ، وهو أطول مبنى في الشّرق الأوسط، مع برج رئيسيّ طوله 149 متراً، وافتتحت ميناء جبل علي.

- 1980: وافقت سبع دول خليجيّة، على إنشاء المنظّمة الإقليميّة لحماية البيئة البحريّة، التي يوجد مقرّها في الكويت.- 1981: اجتمعت الإمارات العربية المتحدة مع خمس دول أخرى، وهي المملكة العربيّة السّعوديّة، والكويت، وعُمان، والبحرين، وقطر؛ لتشكيل مجلس التّعاون الخليجيّ.

- 1982: افتتاح مطار أبوظبي الدّوليّ في موقعه الحاليّ، وأصبح من مطار البطين مركزاً رئيسياً للركاب.

- 1985: بدأ طيران الإمارات عمليّاته خارج دبي، وكانت وجهته الأولى باكستان والهند.

- 1986: أقرَّ المجلس الوطنيّ الاتّحاديّ بوجود ركود في دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب انخفاض أسعار النّفط، ودعا الحكومة إلى تنويع الاقتصاد.

- 1987: أعلنت الإمارات أنَّ احتياطياتها النّفطيّة وصلت إلى 200 مليار برميل، وتوقّعت أن تمتلك ثاني أكبر احتياطيٍّ في العالم.

- 1992: تصاعدت حدّة التّوتر بين إيران والإمارات بسبب الجُزُر الإماراتيّة، بعد أن طلبت إيران تأشيرة دخول للزّائرين الإماراتيين.

- 1993: أصبح عدد الوزارات ضعف عدد الوزارات الاثنتي عشرة، التي تمَّ إنشاؤها عام 1972، ومن الوزارات الجديدة التي أُضيفت المواصلات والتّعليم العالي.

- 1996: اجتمع المجلس الأعلى الاتّحاديُّ، ووضع دستوراً مؤقّتاً، وأصبحت أبوظبي رسمياً عاصمة الدّولة.

- 1997: تمَّ ربط الدّرهم بالدّولار الأمريكيّ.

نموذج عالمي

شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها تطوراً هائلاً في كافة المجالات الاقتصادية، وبكل المقاييس التنموية؛ حيث تمت إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني من الاعتماد على صيد اللؤلؤ والإنتاج الزراعي المحدود خلال المراحل الأولى من بناء الدولة. وفي مرحلة لاحقة تم تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على إنتاج النفط، لتتحول الإمارات العربية المتحدة إلى دولة متنوعة النشاطات الإنتاجية متجهة نحو نموذج اقتصادي عالمي ناشئ قائم على المعرفة وطاقة المستقبل. وقد انتقل مواطنو الإمارات العربية المتحدة من مرحلة العوز إلى مصافّ أعلى مستويات الدخل على الصعيد العالمي، كما شهدت الدولة تطوراً عقارياً رائداً استحوذ على اهتمام جميع دول العالم.

وتؤكد الإحصائيات الأخيرة التطور الهائل الذي شهدته دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي وضعتها في مصافّ الدول المتطورة، حيث أصبحت اليوم مركزاً مالياً واقتصادياً عالمياً مرموقاً.

متحف الاتحاد

ولادة دولتنا كانت في دار الاتحاد التي تحولت اليوم إلى متحف الاتحاد، ففي مثل هذا اليوم الخالد في عام 1971م الذي أعلن فيه عن قيام دولة طموحة، دولة الإمارات العربية المتحدة، تغيرت حال شعب بأكمله، ليعيش برخاء ورفاهية، وفي تلك الدار تقف حكايات وقصص تاريخية شامخة لتصل إلى الأجيال القادمة، ووثقت عبرها كفاح مؤسسي الدولة، ليصل حاضرنا بماضينا القريب الذي صاغ ملامح مستقبلنا، ليشهد شعب الإمارات والعالم بأسره وقائع اللحظات الأولى بعد إعلان الاتحاد التي انتهت برفع العلم الاتحادي للمرة الأولى.

ويعدُّ «متحف الاتحاد» معلماً بارزاً ومنارة تحكي القصة الكاملة لقيام اتحاد الإمارات، حيث يسلط الضوء على الأحداث التي وقعت في الفترة من 1968 إلى 1974، مع طرح للسياق السياسي والاجتماعي، الذي مرّ به الاتحاد منذ مرحلة الإمارات المنفردة، حتى مرحلة الاتحاد وازدهار الدولة.

ويهدف إلى تأكيد القيمة التاريخية، للموقع الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية، توقيع الوثيقة الخاصة بالاتحاد، وتحويل المتحف إلى مركز إشعاع حضاري يقصده المواطنون والمقيمون والسياح، للتعرف إلى مراحل وتحديات تأسيس الاتحاد، والإنجازات التي تحققت خلال مسيرته، إلى جانب غرس وتأصيل مفهوم وقيمة الاتحاد في نفوس المواطنين والأجيال القادمة، إضافة إلى توثيق المراحل التي مر بها تأسيس الاتحاد، مع التركيز على دور المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في وضع اللبنات الأولى لقيام الاتحاد، كما يهدف المتحف لتعريف الزوار بطبيعة حياة سكان الإمارات قبل قيام الاتحاد، وتسليط الضوء على التنمية الشاملة، وأهم الإنجازات.

تحقق الحلم الكبير

ما قاله الصحفيون للشيخ زايد عقب إعلان انتخابه رئيساً للدولة:«مبروك، عقبال الاتحاد التساعي، فرد سموه: إن شاء الله، إن الدولة الجديدة ستكون عضواً نافعاً، ضمن شقيقاتها الدول العربية، وفي إطار جامعة الدول العربية، والمنظمات الدولية» ليتحقق بذلك الحلم الكبير، فدار الاتحاد التي شهدت توقيع معاهدة تأسيس أول دولة اتحادية ناجحة في العالم العربي لعبت دوراً جوهرياً في التاريخ المعاصر للدولة. وبجانبها يرفرف العلم الذي رفعه زايد وإخوانه الحكام معانقاً السحاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"