عادي

التنمر الافتراضي يتنامى..ومنصات العلم تنشد الحماية

02:17 صباحا
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق: محمد إبراهيم

التنمر بأنواعه، ظاهرة عالمية تعانيها المجتمعات في مختلف البلدان، وعلى الرغم من تعدد أشكاله، فإن التنمر الافتراضي (الإلكتروني) يظل الأكثر انتشاراً والأخطر تأثيراً في الوقت الراهن، ويبقى الأطفال الفئة الأكثر عرضة للأذى، والأعظم ضرراً مقارنة بفئات المجتمع الأخرى.
وعلى الرغم من حملات التوعية والإجراءات القانونية الصارمة، تبقى الظاهرة حاضرة بقوة في المجتمع التعليمي لعدم وعي الأطفال والشباب بخطورة وعواقب الاعتداءات «الإلكترونية»، والتباطؤ في توظيف الذكاء الاصطناعي وابتكار مشاريع وتطبيقات مضادة للظاهرة. 

حذر خبراء وعلماء النفس من استخدام الأطفال المفرط للإنترنت، في ظل جائحة كورونا، التي دعت إلى نقلة إجرائية تحتم على الأبناء التعليم داخل عالم افتراضي، مما يعزز فرصة تعرضهم لمخاطر وانتهاكات كثيرة متسارعة، مؤكدين أهمية وجود نهج تشاركي يجمع فئات المجتمع للتصدي للظاهرة.
إحصائيات وبيانات «اليونيسكو» الأخيرة عززت هذا التحذير، فهناك واحد من بين كل ثلاثة طلاب يتعرّض لهجمات مرة واحدة على الأقل شهرياً، وواحد من كل 10 يسقط ضحية للتنمّر الإلكتروني، ليعاني ثلث طلبة العالم التنمر وآثاره ومخاطره «صحياً وعاطفياً وأكاديمياً واجتماعياً»، فضلاً عن عواقبه طويلة الأمد التي تستمر حتى بلوغهم سن الرشد.
حال مدارسنا لم يختلف كثيراً عن دول العالم؛ إذ أكدت فئات مجتمعية مختلفة ل«الخليج» وجود حالات من التنمر والسلوكيات المرفوضة، عبر منصات التعلم الذكية تنوعت في مضمونها، لتشمل الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، كمؤشر على تنامي التنمر الافتراضي خلال الجائحة، لتنشد منصات العلم مزيداً من الوقاية والحماية.
الجهات المعنية ركزت على الحملات التوعوية المستدامة لأطراف العملية التعليمية، وفُعّلت لائحة السلوك لتكبح انتشار الظاهرة بين الطلبة، والمحافظة على استقرار منصات العلم وحمايتها من أي سلوك يتنافى مع قداسة العلم.
«الخليج» ترصد وتناقش مع المجتمع، المخرجات السلوكية للطلبة خلال جائحة كورونا، وإلى أي مدى تمكنت الجهات المعنية وفئات المجتمع من التصدي لتلك الظاهرة، سواء من الطلبة أو المعلمين.
المجتمع التعليمي
وبلورت عملية رصد «الخليج»، لظاهرة التنمر الافتراضي في المجتمع التعليمي خلال الجائحة، اتجاهين، أحدهما ارتكز على تنمر الطلبة على زملائهم خلال عملية التعلم، والآخر يحاكي فئة المعلمين الذين فقدوا القدرة على التعامل مع الطلبة بمختلف أعمارهم عبر منصات التعليم الذكية، ليشكلوا مشهداً غير مسؤول يكشف تواضعهم المهني والتربوي.
روايات وشواهد، سردت تفاصيلها فئات مجتمعية مختلفة؛ إذ أكدت مها زايدن، وعلي مهران، وسعيد الطنيجي، وعلياء حسنين، وشيخة آل علي، وسامي مكرم، أن أبناءهم في مراحل التعليم المجتمع، تعرضوا للتنمر الافتراضي خلال الحصص الدراسية بأشكال عدة، منها السب والزجر والتهديد والابتزاز والتلاعب والتحقير، وفي بعض الأحيان اختراق الحسابات والتشويش على الزملاء أثناء الدراسة، واستخدام الألفاظ القاسية والشتائم عبر غرف الدردشة واستدراج الشخص من أجل الدخول على روابط تحتوي على فيروسات.
وقالوا إن التنمر سلوك غير معهود بين أفراد المجتمع، تعود أسبابه إلى التفكك الأسري والعنف الذي يشهده الأطفال في منازلهم، مؤكدين أهمية دور الوالدين في التعاون والعمل سوياً، لمجابهة أية سلوكيات غريبة تصدر من بعض الطلبة في المجتمع المدرسي، حرصاً على تحقيق بيئة تعليمية إبداعية محفزة وملهمة وآمنة.
وأشاروا إلى أهمية دور المدرسة في توفير فرق متخصصة لمعالجة سلوك المتنمر والمتنمر عليه، بمشاركة الوالدين وتأهيلهم على طرائق التعاطي مع سلوكيات أبنائهم في ظل تلك الظاهرة، وكيفية تقويمهم بشكل صحيح.
تنمر المعلمين
ولم يكن «التنمر الافتراضي» سلوكاً سلبياً متعلقاً بالطلبة فحسب؛ بل هناك أيضاً «تنمر المعلمين» الذين يفتقرون إلى وسائل احتواء الطلبة وسلوكياتهم، فأخذوا يتنمرون عليهم، لتجسد تلك الوقائع مدى تواضعهم المهني والتربوي.
عهد محمد، ويوسف مراد، وعلي سالم، ومهند عبدالله، وشما حمدان، وملك محمد، جميعهم طلبة وطالبات في أعمار متفاوتة، أكدوا ل«الخليج» تعرضهم للتنمر من قبل معلميهم ومعلماتهم، بسبب مواقف بسيطة جداً لا تتجاوز طلب الإذن للاستفسار عن طريقة الإجابة، أو الشكوى من زميل أو زميلة خلال عملية التعلم عن بعد، أو إعادة شرح جزء من الدرس أو الاستئذان للذهاب إلى دورة المياه، ليواجهوا بعدها صراخاً بلا داعٍ، وسخرية وإهانة أمام زملائهم، فضلاً عن التوبيخ وعدم التوجيه، والاستهزاء بلا مبرر، يصاحبه سيل من الألفاظ المهينة.
وأكدوا معاناتهم من طريقة معاملة بعض المعلمين والمعلمات، لاسيما أن تلك السلوكيات دائمة ومتجددة، موضحين أن الصراخ والتوبيخ، والاستهزاء والسخرية، طرائق غير لائقة للتعليم والتأهيل، تنمي لديهم رغبة عدم المشاركة والتفاعل خلال الحصص وعدم الإقبال على المواد الدراسية لهؤلاء المعلمين، وفي معظم الأحيان عدم الرغبة في الدراسة.
أمر مبالغ فيه
وفي المقابل ناقشت «الخليج» بعض المعلمين في التعامل مع الطلبة، وفضلوا عدم ذكر أسمائهم؛ إذ أكدوا أن وصف تعاملهم مع المتعلمين بالصورة المطروحة، مبالغ فيه، وصراخ المعلم على الطالب لا يعني أبداً أنه يتنمر عليه، فقد يأتي تعنيف الطالب من أجل معالجة بعض السلوكيات السلبية التي لم يرها ولي الأمر في ابنه خلال الدراسة.
ونفوا استخدام أساليب التوبيخ أو الإهانة والشتائم مع الطلبة خلال الحصص الافتراضية، لاسيما أنها مسجلة بالصوت والصورة، وخاضعة لسيطرة الرقابة طوال الوقت، مؤكدين احترامهم لقداسة منابر العلم، واللوائح التي تلزم جميع المعلمين بعدم التنمر على الطلبة، أو استخدام أية أساليب قد تؤذي مشاعرهم، مشيرين إلى أهمية تواصل أولياء الأمور معهم للوقوف على مدى التزام أبنائهم بالقواعد واللوائح.
جوانب أكثر خطورة
ولم تكن مخاطر التنمر الرقمي بالشكل المطروح لتلخص جميع جوانب الظاهرة، ولكن شرح عبد النور سامي مستشار أمن المعلومات وخبير تحليل وتطوير أداء الأفراد، أبعاداً جديدة أكثر عمقاً، وأعظم أثراً وخطراً على الأطفال خارج نطاق منصات التعليم؛ إذ حذر من البرمجيات الخبيثة التي تجد طريقها إلى أجهزة الأطفال من خلال الألعاب الإلكترونية، والإعلانات التي تكون في مقاطع الفيديو، وبالأخص مواقع الأفلام والأنمي الياباني الشهيرة، ومنتديات التواصل بين جماهير الألعاب ومحبيها مثل Discord وTwitch.
وأكد أن المخاطر التي تهدد أمن الأطفال، لا تقتصر على حالات التنمر الافتراضي في المجتمع التعليمي فحسب؛ بل إن الاستخدام غير الواعي والأمية الرقمية يشكلان خطورة أكبر على الأطفال، لاسيما أن معدلات استخدام الإنترنت تتزايد في المنازل بحكم نوعية التعليم المطروحة (الهجين أو عن بعد) التي تحتضن أكثر من 85% من المتعلمين حالياً، ويقابل ذلك تزايد في حالات التنمر بحق الأطفال عبر الإنترنت على المستوى العالمي.
ضرورة ماسة
وأشار إلى الضرورة الماسة لتعليم الآباء والأطفال سبل الحماية من المخاطر التي تستهدف مستقبل الأجيال، من خلال الاستعانة ببرامج الوقاية والحماية التي تتصدى لطرق الاحتيال الرائجة على الأطفال، لاسيما تلك التي تخدع الطفل وتركز على استمالته، وانتحال شخصية أحد أقربائه أو أصدقائه في المدرسة. ونصح الوالدين بمنح الأبناء فرصة الحديث، والاستماع إليهم في حال وجود أي خطب ما، وعدم توبيخهم؛ بل منحهم الأمان أولاً، وفي حالات الخروق الإلكترونية يمكن التقدم بطلب عبر منصة ecrime التي أطلقتها شرطة دبي، مع ضرورة حماية الهاتف الذكي، وتطبيق الخصوصية عليه، وكذلك الحسابات الشخصية، وتفعيل إعدادات الرقابة الأبوية في جميع الأنظمة.
نتائج علمية
وترى ليلى عادل دكتورة الأمراض النفسية، أن أكثر من 80% من شخصية الإنسان تتشكل خلال السنوات الخمس الأولى، وتعرض الطفل للإيذاء لفظياً أو جسدياً، يؤثر في مكونات شخصيته؛ إذ تبقى ملازمة له مستقبلاً، وتمتد إلى طريقته في تربية أبنائه في ما بعد، وهنا تكمن أهمية البحث وتضافر الجهود للتصدي للظاهرة.
وأفادت بأن النتائج العلمية الأخيرة أثبتت ارتفاع معدل انتشار التنمر الافتراضي (الإلكتروني) عالمياً، فهناك 43% من المستخدمين تعرضوا للتنمر عبر الإنترنت، وواحد من كل أربعة مراهقين تعرض للتنمر عبر الإنترنت خلال ال12 شهراً الماضية، والأطفال والإناث الأكثر تعرضاً للتنمر الإلكتروني.
الأمية الرقمية
وأضافت أن الأمية الرقمية والتشريعات المتعلقة بشبكات التواصل الاجتماعي، ونسب استخدامها في مختلف الدول، تؤثر في فهم طبيعة تلك الشبكات بين الوالدين والطفل، لاسيما أن زيادة استخدامها خلق بيئة جديدة للتطور الشعوري والاجتماعي لدى الأطفال.
وحول أثار التنمر بأنواعه، قالت إنه يولد شعوراً بالكآبة أو الحزن، أو الخوف والقلق المستمر، ويؤدي في بعض الأحيان إلى سلوكيات إيذاء النفس والأفكار الانتحارية، موضحة أن المتنمر نتاج طبيعي للتفكك الأسري والقسوة والإهمال.
وفي وقفتها مع تنمر المعلمين على الطلبة، أكدت أنها وسيلة مرفوضة وغير تربوية، وتدل على عدم قدرة المعلم على استخدام الأساليب التربوية، وهنا تظهر أهمية التأهيل التربوي والأكاديمي لجميع فئات المعلمين، لاسيما أن المعلم يعد أباً وأخاً وصديقاً ومعلماً للطالب.
علاج بثلاث خطوات
وحذرت مجتمع المعلمين دائمي الانفعال والضجر، من التعامل بالشتائم والإهانات؛ إذ يُكسبون الأبناء مفاهيم وعادات سلبية بسبب تلك السلوكيات، أبرزها الجفاء العاطفي، والانفعالات دون قيود، وأسلوب الاستفزاز، فضلاً عن الفوضى والتردد والخوف والتناقض والتسيب والاستهتار، وهذه جميعها تسهم في إيجاد اضطرابات نفسية لدى الطالب.
وحدّدت مراحل علاج التنمر بثلاث خطوات، تشمل علاج المتنمر عليه عن طريق الحوار والإنصات والتشجيع، وتعزيز الثقة بالنفس وممارسة الأنشطة البدنية، أما المتنمر فتوضح له عواقب استخدام العنف وينبغي إدماجه في الأنشطة التشاركية والقيادية، كما ينبغي على الفئات المشاهدة الإبلاغ عن الحالات التي صادفتها، والتعايش مع المتعرضين للتنمر والتعاون معهم.
«التربية» وشركاؤها
وتركز وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع شركائها من مختلف المؤسسات، على حشد الجهود لتكريس وتعزيز منظومة قيمية سامية لدى الطلبة والمعلمين في المدارس بأنواعها، استناداً إلى الموروث الأصيل لمجتمع الإمارات القائم على التسامح وتقبل الآخر، بما يحقق تجانساً وتعاوناً وتعاضداً بين فئات المجتمع التعليمي.
ورصدت الوزارة بالتعاون مع اليونيسيف، من خلال دليل الوالدين للحماية من التنمر، عشر وسائل لمنع الأطفال من التورط في التنمر، وكيفية التعرف إلى الطفل الذي تعرض للتنمر، وطرق علاج الأطفال المتنمرين فعلياً على رفقائهم في المدرسة، وسبل تمكين الوالدين من علاج أبنائهم الذين تعرضوا للتنمر. وصنّف الدليل أشكال التنمر إلى «جسدي ولفظي واجتماعي وإيحائي».
لائحة السلوك
ووجهت وزارة التربية، مؤخراً أعضاء الهيئات، بضرورة تطبيق لائحة السلوك الطلابي، للحد من التنمر الإلكتروني على منصات التعليم الذكي.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"