د. نورة صابر المزروعي
هل تعلم أن البهجة والسعادة هي أشياء قابلة للتجلي في حياتك بمجرد أن تعرف كيف تضبط تفكيرك بطريقة سليمة؟ الإنسان هو من يقرر كيف تسير مجريات حياته. هو من يصنع كل ما حوله من أشياء وأحداث وحالات وظروف. ويجب علينا فقط، التعرف إلى سر هذه العملية التي تجري في المنظومة الذهنية. إن كل فكرة تطرأ في الذهن هي سبب بحد ذاتها، وكل حالة نعيشها تمثل نتيجة حتمية لما نفكر به. إن القوة الكونية تنبع من الذات وليس من الخارج، وهذه القوة تقع تحت سيطرة كل إنسان، ولكنها تتجلى وفقاً للمعرفة الحقيقية بمبادئ محددة، ومن خلال الممارسة الصحيحة لتلك المبادئ.
إذا تمكن الفرد من التحكم بمجريات حياته الفكرية، فسوف يتمكن بعدها من صنع المعجزات الكبرى، فمن يزرع بذور القمح لا يحصد إلا قمحاً، كذلك هو التفكير، الذي نشبهه وإلى حد كبير بعملية زرع البذور، فهو يحتاج إلى مزيد من الحث والتحفيز، نحتاج إلى جعله شعلة متوقدة، والإنسان يجهل بأنه ينثر الكثير من البذور في المحتوى الكوني، هذه البذور التي ستنمو في وقت لاحق، وتتخذ أشكالاً متطابقة لما يفكر فيه هذا الإنسان.
تعبر الأفكار السيئة عن البذور السيئة، تنمو مع الوقت، لتثمر في النهاية نتائج سيئة، في حين أن الأفكار الجيدة تثمر في نهاياتها ظروفاً جيدة.
وبهذا المعنى، فإن المنظومة الذهنية، هي سر توجيه سلوكنا وأفعالنا نحو الآخرين، وهي المسؤولة عن ما نعيشه ونختبره في حياتنا الشخصية، فإذا حصل خطأ ما في حياتك، فأنت الملام عليه، لأنه يعود إلى طريقة أداء المنظومة الذهنية. وبمعنى آخر، يجب إعادة برمجة طريقة التفكير بالكامل، قبل إصلاح الخطأ في حياتنا الشخصية. وهذه العملية تستغرق وقتاً وليست بالأمر اليسير.
إن العالم الداخلي يخضع لسيطرة العقل، وعندما نكتشف هذا العالم، سوف نجد كافة الحلول لمشاكلنا، وبما أن العالم الخارجي خاضع لسيطرتنا، فهذا يعني أن كافة القوانين المتعلقة بالقوة خاضعة لسيطرتنا أيضاً. والانسجام في العالم الداخلي، يعني القدرة على ضبط أفكارنا والسيطرة عليها، وهو يعني أن نحدد مسبقاً كيف تؤثر فينا أية تجربة نختبرها في الحياة. وسينعكس الانسجام مع العالم الداخلي، حتماً على العالم الخارجي، على هيئة ظروف متناغمة ومحيط اجتماعي منسجم، وهذا الانسجام الداخلي هو أساس الصحة السليمة، ويمثل ضرورة جوهرية للتفوق والإنجاز والنجاح.
في هذا العصر المتسارع الذي نعيشه اليوم، نشعر بالأسى لأن أغلب الناس يحلقون بعيداَ عن دواخلهم، بعيداً عما هو جوهري ويعيش في ذواتهم، بينما القلائل هم من استطاعوا الإبحار في دواخلهم، واكتشفوا الجواهر النفيسة؛ حيث مرآة الذات وكل ما هو مبدع وخلاق.
[email protected]